أ.د/ طه جابر العلواني
“… عمليات الاستفتاء والإفتاء تُعدُّ من أهم الأدوات والوسائل المعرفيَّة التي يستخدمها الإنسان للوصول إلى معرفة ما قد يجهل؛ بحيث يتخذ الاستفتاء أشكالاً عديدة بحسب حاجة المستفتي وإشكالاته، كما أنَّ الاستفتاء والفتوى حاجة بشريَّة لا يُستغنى عنها في أيّ مجتمع من المجتمعات، فالناس في العلم وفقه التديُّن على مستويات مختلفة لابد أن يقوم بها مَن يقوم باعتبارها وظيفة اجتماعيَّة هامة تلبّي حاجات الناس للتحقّق بفقه التديُّن والممارسة، ولذلك فمنذ قرون عديدة والمسلمون قد درجوا على تعيين مفتين يلبُّون هذه الحاجة ويستجيبون لها.
ومجتمعاتنا المعاصرة قد تكون أشد احتياجًا من كثير من المجتمعات السابقة لوجود مَن يقوم بمهام الفتوى وتعليم الناس آداب السؤال وفنونه وأفضل طرق ممارسته باعتباره من أهم الوسائل والمصادر المعرفيَّة لتكوين ثقافة “من يجهل ذلك”.
وقد برزت مشاكل كثيرة ارتبطت بالمفتي والمستفتي والفتوى ومستوياته تستلزم تنظيم هذه الأمور بشكل دقيق، وتمييز مستويات الفتاوى التي يمكن أن يمارسها بعض الفقهاء القادرين وبين تلك الأسئلة التي لا ينبغي أن يخوض بها إلا متخصّصون، وبين الأسئلة التي يمكن أن يمارس الإفتاء فيها أفراد وأسئلة ينبغي أن تنحصر في دوائر المجامع الفقهيَّة الكبرى، والهيئات التي تشتمل على خبراء ومتخصصين يستطيعون تكييف الوقائع بشكل مناسب، ذلك أنَّ الفتوى ليست عملاً خاصًّا بدراسة النص وفهمه لكنّها قضية متشعِّبة تقتضي أول ما تقتضي فهمًا في الواقع والزمن وطبائع الأمور، وقدرة على سبر الواقع والوقائع وحسن تقسيمها وبيان كيفية فعل وتأثير كل عنصر من عناصر ذلك الواقع في عمليّة تكييفها والربط بينها وبين الدليل الشرعيّ الملائم لها، وعلى مستوى عصرنا والتعقيد الحاصل في وقائعه والتداخل السياسي والاقتصاديّ والاجتماعيّ والثقافيّ والدينيّ ذلك كله يجعل المطلوب التمييز بين فتاوى لا تهم سوى أفراد إن أخطأ المفتي فيها فخطأ لا يتجاوز ذلك الفرد، وإن أصاب فالأمر منحصر أيضًا في تلك الدائرة الضيقة”.
لقراءة البحث كاملا يرجى الضغط على الرابط التالي: