Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

حوار حول الربيع العربي

حوار مع الفقيه الأصولي المفكر أ.د: طه جابر العلواني حول الربيع العربي، وتحليل لأحوال البلاد العربية.

وردنا من جريدة: يومية البلاد الجزائرية. من الصحفي: محمد سلطاني.

نوفمبر 2011

السلام عليكم

هذه هي الأسئلة التي نود أن نعرف من خلالها أجوبة الدكتور العلواني ومن خلالنا
يطلع الرأي العام الجزائري وبالأخص التيار الإسلامي والوطني على نظرة الدكتور حول
ما يجري حولنا في العالم بشكل أسرع من سرعة الضوء.

1) بداية ما هي قراءتكم للثورات التي يشهدها العالم العربي خاصة وأن قطاع واسع من
المهتمين والمحللين  يسمونه ربيع عربي وآخرون يعتبرونه ربيعًا إسلاميًا  فيما تذهب قراءات أخرى إلى  اعتباره مخطط غربي؟

ج: بسم الله الرحمن الرحيم

للإجابة على هذا السؤال نحتاج إلى استحضار التاريخ القريب، لمسيرة شعوبنا العربيَّة المسلمة فتاريخنا السياسي بدءً من احتكاكنا المباشر بالغرب بعد دخول نابليون مصر ثم احتلال الجزائر وتقسيم المناطق العربيَّة المسلمة بين بريطانيا وفرنسا دون نسيان أو تجاهل لهولندا والبرتغال وسواهما، بالنسبة لأجزاء أخرى من العالم الإسلاميّ انقسم تاريخنا إلى تاريخٍ لأسر حاكمة ما يزال بعضها يحكم بعض المناطق، ثم انتقل من الأسر إلى الجيوش والقوات المسلحة وذلك بعد تفكك الدولة العثمانيَّة وقيام الدول القطريَّة وتكوين الجيوش والقوات المسلحة الخاصة بكل دولة وسقوط بعض الأنظمة الأسريّة: مثل أسرة محمد علي في مصر والأسرة الهاشميّة في العراق وأسرة حميد الدين في اليمن، وقد أصبحت هذه الجيوش والقوات المسلحة هي المستودع الذي يقدم البدائل عن الأنظمة والحاكمين عندما تصبح عمليَّات الاستبدال ضروريَّة لأيَّة عوامل داخليَّة أو خارجيَّة أو مختلطة مشتركة بين عوامل الداخل والخارج، وضعف دور الجيوش بعد فترة اختلطت فيها طموحات بعض العسكريين بانتهازيَّة بعض الحزبيّين لتكون موجة ثالثة تمزج بين العسكريّة والحزبيّة كما حدث في النموذجين العراقيّ والسوريّ حيث استقطب حزب البعث بشقيه السوريّ والعراقيّ بعض القيادات العسكريّة ورتّب معها انقلابات: ففي الثامن من شباط – فبراير 1963م، قام الانقلاب البعثي العسكري في بغداد ضد عبد الكريم قاسم وفي الثامن من آذار – مارس 1963 أي بعد شهر واحد فقط قام انقلاب مماثل في سوريا قاده بعثيّون من الجناح السوريّ النصيريّ وعسكريون وكان يفترض أن يقوم انقلاب ثالث في الأردن في نيسان لولا أنَّ الجهات الأجنبيّة التي كان الملك حسين يتعامل معها رأت إفشاله والإبقاء على الملك حسين ونظامه لأسباب تعرفها تلك الجهات والملك الهاشميّ. ويلاحظ في هذا أيضًا التسلسل في الأحداث 8 فبراير و8 مارس وإبريل من نفس العام ولا ينبغي أن يفسر تتابع الأحداث دائما بذلك المنظم الخارجي الذي نعطيه أحيانا أكثر مما يستحق ونضعه موضع القدر الذي كأنّه لا فكاك منه. فالمنطقة قضت في ما قبل الإسلام سنين عديدة في ظل أوضاع متشابكة متماثلة يشبه بعضها بعضا وجاء الإسلام واستمر ذلك التماثل بين أوضاع أقاليم المنطقة والشعوب التي تقطنها فإذا تماثلت الأحداث فيها أو جرى فيها نوع من التتابع كالذي جرى بعد الحرب العالمية الأولى ثم سنة 1963 ثم في  2011 فإن ذلك قد يعود إلى التاريخ المشترك والجغرافيا المتداخلة، والكيانات الاجتماعية المتداخلة كذلك أكثر من عودته إلى المعامل الخارجي الذي لا يمكن إغفاله ولكن لا ينبغي أن يعطى أكثر من حجمه. فما حدث في 2011 مؤشر على ذلك التماثل وناجم عنه ولا يحتاج الإنسان إلى كثير من التفكير ليبرز ذلك التماثل بين الأجزاء التي حدثت فيها الثورات والتي ينتظر أن تحدث فيها أمور مماثلة. وبالتالي فإننا نستطيع أن نجد أن الإجابة الدقيقة عن سؤالكم هذا أو تساؤلكم ينبغي أن تلحظ كل ما ذكرناه من العوامل وتعطي لكل عامل حجمه وما يمكن أن ينسب إليه من تأثير في تلك الأحداث. والمهم أن هذه الأحداث قد حدثت فكيف يمكن استثمارها لتعديل مسار المنطقة وشعوبها وأقاليمها ووضعها على الصراط السوي وتحصينها ضد الاستحمار والاستعباد والاستبداد وما إلى ذلك.

2) هل يرى  الدكتور طه جابر أن سورية ستكون آخر مسارح التغيير أم أن ثمة دولا أخرى
قد تطالها هي الأخرى موجات التغيير؟

ج: الجواب حينما نعود إلى جوابنا السابق ونبرز عامل الظروف المماثلة والتشابه بين أحوال الأنظمة والشعوب نجد أنَّ الاحتمالات قائمة لانتقال مثل تلك التحركات إلى شعوب وأقاليم أخرى، ومن هنا فإن الحريصين على أن لا تتفجر في أقاليمهم مثل تلك الأحداث محتاجون إلى إعادة النظر وتحليل أوجه التماثل والاختلاف بشكل دقيق بينهم وبين البلدان الأخرى وتجاوز النظرات المغرورة والمستعلية كأن يقول رأس نظام مّا: إنَّ نظامنا يختلف عن نظام تونس أو مصر أو سواهما ولن يحدث عندنا مثل ما حدث عندهم فذلك لن ينفع بشيء، لكن ما يفيد هؤلاء الذين يريدون تجنُّب وقوع مثل تلك الهزات في بلدانهم أن يدرسوا بإمعان وتفصيل وأمانة أوجه التشابه والاختلاف بينهم وبين البلدان الأخرى التي انفجرت فيها تلك الأحداث لئلا يسقطوا بما سقطت فيه الأنظمة التي عملت على مقاومة تلك الحركات الاحتجاجية السلمية بالقوة والحديد والنار فأتاحت الفرصة لتدخل الأجنبي في شئون بلادها وتدخله بينها وبين شعوبها فلو حدث ذلك فهذا سوف يقلل من احتمالات انفجار الأوضاع في بلدان أخرى فيها مثل تلك الظروف.

 والله أعلم.

3) ما هي قراءتكم للقرار الأخير المتخذ في الجامعة العربية بشأن سوريا؟

ج: قرارات المنظّمات الإقليميَّة عربية كانت أو إسلامية عرفت بأنّها قرارت لا تسندها طاقات وإمكانات التنفيذ فالجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرهما لا يملك أيّ منهما القدرة على إلزام من تتخذ القرارات ضدّه بتنفيذ مقتضياتها واحترام إرادة الشعوب التي تأسست هذه المنظمات في الأصل لتحقيق إرادتها السياسية والحيلولة دون تدخل الجهات الأجنبية العالمية المتهمة دائما بالبحث عن مصالحها والعمل على الاستفادة من الأحداث أو تحريكها باتجاه مصالحها وسياساتها في إدارة الصراع.

4) ماهي السيناريوهات المتوقعة في نظر الدكتور العلواني للمشهد السوري؟

ج: إن النظام السوري قد شاخ فهو نظام بني على شرعية الانقلاب البعثي النصيري العسكري في الثامن من آذار مارس 1963 ولم يستطع هذا النظام عبر ما يقرب من خمسين عاما أن يجدد نفسه أو يغير من قواعد اللعبة أو يمسح آثار الدماء التي استمرت تراق بين الحين والآخر حتى يومنا هذا ولم يستطع النظام أن يحتفظ بطاقاته التي تبددت خلال الأعوام الطويلة الماضية في الصراعات الداخلية بما فيها الصراعات داخل الطائفة النصيّريّة العلويّة وحزب البعث الجناح السوريّ وأجنحة القيادة العسكريّة والسياسيّة وقد بلغ النظام حد التحجّر حين سلم السلطة بعد رحيل حافظ الأسد إلى ولده الطبيب ليكون الرئيس الوارث فجرى تجاهل النظام الجمهوريّ وسائر الأسس التي يقوم عليها وكان لابد من إزاحة جميع العقبات أو عناصر عدم الرضا بقيادة الوارث غير الشرعيّ لسوريا مع علم حزب البعث والقيادة النصيّريّة العلويّة بأن حلب والشام وحمص وحماة ودرعا وإدلب وغيرها من المناطق السورية لا يمكن أن تتقبل بغير القوة والعنف والإكراه فكرة توريث البلد وكأنه مجرد عزبة أو مزرعة عائلية تنتقل من رب الأسرة الراحل إلى ابنه بتلك الطريقة الفجة التي أقدم عليها الحزب وغيّر الدستور بتلك العجالة ليسمح لابن لا تنطبق عليه الشروط أن يكون وارثا لعرش لا يملكه أبوه ولا أسرته وما كان لحزب البعث السوريّ ولا للقيادات النصيّريّة العلويّة ولا للعسكريّين والسياسيّين المتحالفين معهم أن يسقطوا في هذه الخطيئة، بل كانت لديهم الفرصة بأن يغيّروا تغييرا داخليّـــًا بعد وفاة الأسد الأب وأن يأتوا بدماء جديدة ويمنحوا الشعب هامشًا من الحرية ويقدموا أنفسهم بشرعية جديدة في مقدمتها تحرير الأراضي السوريّة المحتلة وعلى رأسها الجولان من قبضة إسرائيل، لو أنهم فعلوا ذلك لربما تلافوا هذه المواجهة الشاملة التي قامت بينهم وبين الشعب السوريّ. لذلك فإنّ المشهد مترع بالمخاطر التي قد تتجاوز ما حدث في ليبيا وذلك للفروق الكبيرة بين سوريا والمنطقة التي تقع فيها ومجاورتها لإسرائيل ولبنان وحدودها مع تركيا والتنسيق بين النظام السوريّ ونظام إيران سيكون محرجًا للنظام السوريّ بشكل أكبر ومحرضًا عليه، وإنّي أخشى لو استمرت الحال لفترة أطول أن نجد أنفسنا في حالة تدويل للأزمة قد يدخل جهات أجنبيّة وإقليميّة إلى سوريا فيما يشبه الحالة العراقيّة وهذا ما نرجو أن تعيه القيادة السورية جيدًا وأن تعمل على تلافي هذا المصير وذلك بالإسراع بالدعوة إلى جبهة وطنيَّة تسلم لها السلطة وينسحب أركان النظام الأسدي النصيريّ من المشهد السياسيّ تماما ويترك للقيادة الجديدة حتى لو كانت قيادة المعارضة لملمة أطراف الأزمة والخروج منها بأسرع ما يمكن قبل الوقوع في شرك التدويل، فإنَّ الأزمة في ظل عناد النظام وعجزه بكل ما استعمل من وسائل القمع عن إيقاف الثورة ضده قد يفسح المجال للتدخل الخارجيّ والحجج قد أصبحت كثيرة لتغطية ذلك التدخل الذي نرجو أن لا يحدث إن شاء الله.

5) فازت حركة النهضة في تونس في انتخابات المجلس التأسيسيّ بأغلبية مريحة ما هي في
رأيكم الرهانات والتحديات التي ستواجه  حركة النهضة؟

ج: حركة النهضة من الحركات الإسلامية التي أنضجتها التجارب وأتيحت الفرصة لكثير من قياداتها خلال حكم أبو رقيبة وابن علي أن تعيش في مختلف البلدان الأوروبية والأمريكية وأن تطّلع على خبرات وتجارب أمم وشعوب كثيرة، والحركة من بدايتها كانت تحمل نوعا من النضج الفكريّ الذي يجعلها أقدر على التعامل مع الفئآت الحداثية وما بعد الحداثية التي تشكل جزءً هامًا من نسيج المجتمع التونسي. وتتسم حركة النهضة بنوع من سعة الأفق ومرونة التصرف تجعلها أقرب ما تكون إلى ما تتسم به حركة حزب العدالة والتنمية في تركيا فهي لا تريد أن تقصر المجتمع أو تفرض عليه أمورا لم يهيأ لقبولها ولا أمورا بَعُد العهد بها بحيث تنفر فصائل من المجتمع من سياساتها وتدخل معها في صراعات، ويعجبني في قيادة النهضة أنّها لا تريد أن تضيع وقتها في صراع أو أن تبني شعبيَّتها على الصراع بل على العكس من ذلك هي تنظر إلى أنَّ نجاحها لا يمكن أن يتحقق إلا بقدرتها على جمع فصائل الشعب التونسيّ على أمر جامع واحد، وهذه نقطة شديدة الأهميَّة فهناك تجارب مثل التجربة السودانيّة والتجربة الإيرانيّة قامت على تدعيم سلطانها وقوتها بخلق أجواء توتر بينها وبين فصائل أخرى من شعوبها واعتبرت ذلك وسيلتها الهامة لرص صفوف أتباعها وحملهم على العيش في أجواء من الخوف والتوتر يسمح لهم بتفويض قياداتهم باتخاذ خطوات وإجراءآت قد يراها الكثيرون متشنجة أو غير مدروسة كما حدث في دخول حكومة الإنقاذ في السودان في حرب الجنوب والمفاصلات التي جرت بينها وبين بعض الفصائل الأخرى ومنها فصائل ليست بعيدة عن ساحتها الإسلامية التي تعمل فيها فكانت النتيجة ذلك الفشل الذريع الذي أوجد صراعًا بين القيادة والقاعدة وبين مرشد الثورة حسن الترابي وعسكر الثورة المتمثل بالبشير ومن حوله وعناصر الحركة الإسلاميَّة المتمثلة بنائب الرئيس علي عثمان طه. وكذلك الحال بالنسبة لإيران التي دخل نظامها في صراعات داخلية مع عدد كبير من آيات الله والفئآت الإسلاميّة والفئآت الوطنيّة الأخرى ولا ننسى ما حدث مع حسين علي منتظري ومير حسين موسوي والشيخ مهدي كروبي والسيد محمد خاتمي؛ لذلك فإنّ لديَّ شيئًا من الطمأنينة بأنَّ حركة النهضة في تونس ستكون قادرة على احتواء سائر عمليّات الاستدراج التي قد تقوم بها الفئآت المعادية والمعارضة لها، وآمل أن تنجح كما نجحت جهود التنمية والعدالة في تركيا.

6) هناك من يرى أنّ ثمة هلالًا إسلاميّـــًا بدا يرتسم من تونس إلى ليبيا  ثم ربما مصر
هل  يأتي هذا الواقع الجديد ليؤكد أنَّ المرحلة القادمة في العالم العربي
والإسلامي ستكون إسلاميَّة بعدما فشلت الأيديولوجيات السابقة؟

ج: نعم أرى أنّ المرحلة هي مرحلة إعطاء قادة الإسلام السياسيّ الفرصة ليعبروا عن أنفسهم وليختبر الآخرون قدراتهم، وأملي بالله كبير أن ينجحوا في هذا الاختبار، لكن خوفي الشديد من خلط بعض مفكري تلك الحركات بين الواقع التاريخيّ الإسلاميّ والتراث الإسلاميّ. وذلك الاستقطاب الذي أراه بين المجاميع التي ترى قبول الأمر الواقع، وأنّ الحكمة في ذلك دون تحديد لما يقبل تعديله أو التراجع فيه وبين ما هو من الثوابت التي إن تم إرجاؤها لأنّها ليست من فروض الوقت -كما يقول الفقهاء- لكن لا ينبغي إلغاؤها فإنّني أخشى أن يخلط البعض بين الحكمة في التصرف وبين التراجع والتنازل فالفرق كبير جدا بينهما، وهناك استقطاب آخر يفكر بعقليّة سكونيّة ترى أنَّ من الممكن أن يستحيي الماضي ويزرع كما هو ودون تعديل في الحاضر أو الواقع المعاش، هذان الاتجاهان كل منهما في حاجة إلى إعادة نظر ودرس وتحليل لتعديل المسار قبل السقوط فيما لا تحمد عقباه.

7) ما مدى تأثير الفوز الذي حققته حركة النهضة في تونس على التيار الاسلامي في الجزائر و المغرب و هل سيكون للواقع التونسيّ لما بعد الثورة تأثير على الجزائر  ؟

ج: لا شك أنَّ الظروف المتماثلة ووحدة الدين والمذهب وذلك التقارب الثقافي الشديد بين تونس والجزائر والمغرب والحدود المشتركة وتداخل هذه الشعوب وتعاونها ضد الاستعمار في المرحلة الاستعمارية يجعل الأبواب مفتوحة مشرعة لتبادل الخبرات والتجارب بين شعوبنا في تلك المنطقة، ولا ضير في ذلك، وخاصة حينما تكون التجارب إيجابية ونتائجها تصب في صالح الإصلاح والتجديد.

8) خبرتم الشأن الاسلاميَّ لعقود طويلة  وعايشتم التجارب المختلفة ولو عن بعد في
بعض الاحيان بما في ذلك التجربة الجزائريَّة  المرة  بداية  تسعينيَّات القرن الماضي في نظركم ما هي الأخطاء التي ارتكبها التيار الإسلاميّ في الجزائر ممثلا في جبهة الإنقاذ في الواجهة آنذاك، وما هي التحديات التي تواجه التيّارات الاسلاميّة حاضرًا ومستقبلًا؟

ج: أولا لابد لنا من أخذ الخصوصية الجزائرية بنظر الاعتبار حين نعالج سؤالا مثل هذا فنسبة الشباب في الجزائر عالية جدًا. والجزائر وموقعها من أوروبا ومن فرنسا بالذات موقع له أهميته. والجزائر بلد نفطيّ وفيه من المعادن الكثير وتبرز فيه القضية الأمازيغيَّة بشكل كبير ووجود البطالة من ناحية والإحساس بعدم التخطيط الدقيق لاستغلال ثروات البلاد وإتاحة الفرصة للشعب الجزائري والشباب الجزائري للتمتع بهذه الثروات هذه كلها أمور لابد من أخذها بنظر الاعتبار عند النظر في سؤال مثل سؤالكم، والتيار الإسلامي في الجزائر كان تيارًا قد تشكّل بشكل عفويّ من عناصر مختلفة كل منها كان يخطيء الآخر في موقفه الفقهيّ وربما الاعتقاديّ في بعض الأحيان فائتلافها كان هشا وكان ينقصها مشروع حضاريٌّ سياسيٌّ متكامل يستوعب مشكلات المجتمع الجزائريّ المتنوع. وتقديم شعارات مثل تطبيق الشريعة وإقامة الحكم الإسلامي على أهميتها يمكن أن تنفع في عمليّات الحشد الجماهيريّ لكنها لا تشكل مشروعًا سياسيّـــًا متكاملًا فأقصى ما يقال عن طرح موضوع الشريعة وتطبيقها أنَّه تطلع في إطار التشريع والتقنين يستهدف إحياء التشريعات الملّيّة التي كانت تطبق وتختفي في إطار الجوانب القضائية في حين أن المشروع السياسي عبر تاريخنا كان مشروعا لا يخلو من إجمال وغموض يصل إلى درجة الإبهام في بعض الأحيان فالجانب القضائي شيء والجانب السياسي شيء آخر، ووجود أجندة قائمة على الجانب القضائي والتشريعي وحده لا يسد الحاجة إلى طرح المشروع المتكامل، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لم تبذل الفئآت المتآلفة جهدا يذكر في عملية التفاهم فيما بينها لتصبح صاحبة مشروع موحّد تقف جماهيرها كلها وراءه، فقد كان التيار الإسلاميّ في الجزائر يتألف من هذه الأطياف (جهاديون، سلفيون، إخوان، جزئرة، صوفية، مستقلون) فهؤلاء بعضهم قد تقدم للعمل السياسي بقوة وبعضهم كان مترددًا ولسان حاله يقول: إن نجح هؤلاء الذين تقدموا فهم إخواني ولست غريبا أو بعيدا عنهم وإن هم فشلوا فأنا لم أشاركهم في ذلك. وفي هذا نوع من القصور فيما يسمى بتقدير الموقف فإنَّ موقف الآخرين كان يفترض أن جميع هذه الشرائح والأطياف تمثل جهة واحدة علينا أن نبعدها كلها عن ساحات التأثير أو الاقتراب من صناعة القرار كما يرى خصومهم.

هناك أمر آخر أنّ الإسلاميّين كانوا يظنون أنَّ هناك جديَّة لا حدود لها في اللجوء إلى صناديق الاقتراع وأن نتائج الانتخابات لن يصادرها أحد وهذا التصور كان مبالغا فيه وفيه تجاهل لخصوصيات الوضع الجزائري وعلاقته بأوروبا وتأثيرتها المباشرة عليها فكان ينبغي أن يكون هناك خطاب يحمل نوعا من التطمين للجهات الأوروبية ولفرنسا بالذات ويؤكد على جوانب الإصلاح الاجتماعي أكثر من الجانب القضائي والتشريعي والعقيدي وهذا لم يحدث فيما تابعناه من مسيرة الجبهة في هذا الاتجاه.

وهناك حالة أو ظاهرة تصيب الكثيرين من أولئك الذين وجدوا أنفسهم دون إعداد مسبق في بؤرة الأحداث، فحين يحصل مثل هؤلاء على مكاسب لم تكن متوقعة نتيجة ظروف وعوامل مختلفة يصيبهم نوع مما كان يسميه المحدِّثون بـ”غفلة الصالحين”، وغفلة الصالحين هنا تجعلهم يشعرون بأنّهم قد أمسكوا بقرون الثور الهائج، وأنّهم أصبحوا قادرين على التحكم فيه قبل أن يتأكدوا من قواهم. إنَّ التيار الإسلاميّ في الجزائر في حاجة إلى أن يقدم مشروعه لإصلاح المجتمع الجزائريّ وبشكل مباشر بعد استقراء مشكلات ذلك المجتمع وكيفيّة حلها في إطار مرجعيَّة إسلاميَّة فالمقدم هو معرفة المشاكل واستقراء الحلول كافة وتبني ما يتصل بالمرجعيَّة الإسلاميَّة أو تؤيده هذه المرجعية. والله أعلم.

إنَّني كبير الأمل بأن الحركة أو التيار بكل أطيافه قد نضج الآن واكتسب من الخبرات والتجارب وشاهد من الحركات الفاشلة والناجحة ما يمكنه من صياغة مشروعه الكامل بنجاح لتوضع الجزائر بعد ذلك بأيدي أبنائها على طريق النهضة الشاملة والإصلاح السليم. 

9) وما رأيكم في سياسة مد الجسور  التي تكرسها بعض الأحزاب الإسلامية نحو
العلمانية لتتخذ جسورا يعبر منها العلمانيون إلى الإسلام كما قال المرحوم
الشيخ محمد الغزالي؟

 ج: هذا أمر قد مارسناه بأنفسنا واختبرناه وثبت لنا نجاحه فلقد استطعنا خلال عملنا في مشروع المعهد والجامعة أن نستقطب عناصر كثيرة ونفتح أبواب التعاون معها ونمد الجسور كما ذكرتم معها وها هي بفضل الله تتصدر العمل الإسلامي وتسبق غيرها بما فيهم نحن في مجالات خدمة الإسلام والمسلمين وإثراء المشروع الحضاري، وأستطيع أن أعطيك بعض الأمثلة والنماذج من بعض المشاهير فهناك الراحل الأستاذ الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري -يرحمه الله- الذي كان يحسب على الاتجاهات اليسارية وبعد اتصالنا به أو مد الجسور معه تحول أو تطور كما كان يقول باتجاه الإسلام والفكر الإسلاميّ وأثرى المكتبة الإسلاميَّة بدراساته القيّمة وفي مقدمتها “الموسوعة اليهودية” و “العلمانية” وغيرها، وهناك الأستاذ الدكتور محمد عمارة -حفظه الله- الذي بدأ مراكسيّـــًا وله مقالات ودراسات مشهورة في مرحلة الستينات بتأييد تلك الاتجاهات وتبنيها وها هو الآن يكافح وينافح ويناضل في ساحات الإسلام المختلفة بفكره وقلمه وكتاباته وما إلى ذلك، وتستطيع أن تتحدث عن المستشار البشري، وعن محمد أبو القاسم حاج حمد، بل عن المرحوم إسماعيل الفاروقي -يرحمه الله، فكل هؤلاء وكثير غيرهم ممن مدت الجسور للتفاهم معهم وتفهم وجهات نظرهم وأسباب ابتعادهم فوجدوا أنفسهم بعد الحوار الجاد أقرب إلى الفكر الإسلاميّ والاتجاه الإسلاميّ المعتدل من غيره، وأظن أن سياسة التكفير والتبديع والإبعاد والنفي لا تلائم أي فئة إصلاحيَّة إسلاميَّة تريد أن تعيد بناء الأمة وتجدد شبابها، إنَّ هؤلاء العلمانيّين أو الليبراليّين جزء من هذه الأمة ولو درسنا ظروف كل منهم لوجدنا له عذره في تبنّي ما يتبنّاه وطرح ما يطرحه ولذلك فلابد لنا من استعادة أبنائنا.

ولقد كتبت كتابي إشكالية الردة والمرتدين وبينت فيه ما تخسره الأمة حينما تستبدل الحوار مع أبنائها بأساليب التكفير والتبديع واللعنة والرمي بالردة وما إلى ذلك.

شكرا لكم وفقكم الله، وأسأله سبحانه أن يهيئ للأمة وللجزائر خاصة أمر رشد إنه سميع مجيب.

طه جابر العلواني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *