Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

فقه الأقليات

فقه الأقليات

أ.د. طه جابر العلواني

  • ما المراد بفقه الأقليات؟

كلمة فقه تعني في كتاب الله الفهم والمعرفة ومنه قوله (تعالى): ﴿.. لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (التوبة:122).  

وذم الله (جلّ شأنه) الذين ﻻ يفقهون ﴿.. وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ﴾ (المنافقون:7) ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا…﴾ (الأعراف:179) ﴿ …وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ﴾ (الأنفال:65) ﴿ ..ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾ (المنافقون:3)  أي ﻻ يتمتعون بقدرة على الفهم للأمور الدقيقة التي تقتضي التفكير.

وبعد ازدهار عصر الفقه في القرن الثاني الهجري وماتلاه، صار الفقهاء يطلقون كلمة الفقه على فهم المعارف الدينية، ويستعملونه للدلالة على معرفة الأحكام الشرعية المكتسبة من الأدلة التفصيلية في الكتاب الكريم، وتطبيقاته في السُنة النبوية المطهرة وصار تعريفه: معرفة الأحكام الشرعية العملية المكتسبة من الأدلة التفصيلية، فإذا أضفنا إلى الأقليات ومفهوم الأقليات مفهوم سياسي وإداري للتمييز بين الأقليات والأكثريات، فكل بلد تعيش فيه مجموعات متنوعة في عروقها أو أديانها أو أصولها،  تعيش في بلد لم تنتم إليه إلا بطرق استثنائية كالهجرة وما إليها، وتعتبر فيه أقلية، فتكون الكلمة مـُركبًا إضافيًا يدل على معرفة بالأحكام الشرعية المتعلقة بتلك الأقلية المسلمة التي تعيش وسط أكثرية غير مسلمة، كاﻷتراك في ألمانيا والعرب ومثلهم في أمريكا والإندوباك في إنجلترا وأمريكا وما إليها.

  • لماذا تتبنى فقها خاصا للأقليات المسلمة؟

إننا اخترنا أن نبني للأقليات المسلمة التي تعيش بين أكثريات غير مسلمة فقها إسلاميًا يستجيب لاحتياجات تلك الأقليات، فالفقهاء المسلمون أثناء الحروب الصليبية وفي الأندلس كانوا يلجأون -عندما يجدون المسلمين وقعوا تحت احتلال أو غزو أو كوثروا بغير المسلمين حتى أصبحوا أقلية- إلى فقه النوازل. وفقه النوازل ينطلق عادة من الإحساس بالدونية ووجود مصيبة عارضة تُفرض على هؤلاء أن يغيروا في نظام حياتهم نتيجة تلك الظروف. ولما كانت الأقليات المسلمة ذهبت للعيش في الغرب باختيارها؛ بحثا عن العمل أو تحت ضغط ظروف مختلفة في بلدانهم الأصلية، وحذرًا من أن يعيشوا الإحساس بالدونية ويساورهم القلق المستمر بأن مواطنهم الجديدة ليست بأوطان دائمة وأنهم يعيشون فيها تحت ضغوط الضرورة وما إليها. فرغبنا أن نبتعد عن هذا الاصطلاح وأمثاله، أي عن فقه النوازل والمنطلقات التي ينطلق منها الفقهاء الذين يفتون عادة في قضايا النوازل. ولنخرج عن إطار الضرورات -بحيث يشعر المسلم بأنه يعيش في وطن جديد، هو جزء من أرض الله (جل شأنه) وهذا ينسجم مع مفهوم الدار الذي جاء القرآن به، فإن الأرض كلها لله، خلقها لبني آدم، فهم من الأسرة البشرية الكبرى؛ لتكون سكنًا وأمنا لهم جميعا، وهذا السكن قابل للتغيير والاستبدال بحسب احتياجات الإنسان وضروراته وينبغي أن تبقى أرض الله واسعة، مفتوحة بشكل كامل لسائر أبناء آدم وحواء؛ ولذلك فإن فقه الأقليات يمكن أن يحقق للمجموعات البشرية المسلمة، ذلك الشعور بالاطمئنان، ويزيل عنها الشعور بالاغتراب والفصام عن الأرض وعن من يشاركهم العيش فيها بل ينتمون إليها ويشعرون بالمودة والاستعداد للاندماج في البيئات الجديدة وإعطائها من الحب والتقدير والحرص والرغبة فى إعمارها ما تستحق.

  • وما الهدف منه؟

إنَّ أهم هدف استهدفناه من وراء تأسيس فقه الأقليات أن نجد الاحتياجات الشرعية والفقهية للذين انتقلوا للعيش في بلدان أكثرية سكانها من غير المسلمين، وأن نزيل عنهم الحرج الذي يحدث عندما يستفتون فقهاء قادمين من بلدان مسلمة في أكثريتها لها نظم وحياة مختلفة عن حياة الغربيين، فيفتونهم بما ﻻ يناسب بيئاتهم فيصيبهم بذلك حرج وعنت، وما جعل الله في الدين من حرج. ففقه الأقليات يساعد فقهاء الأقليات المسلمة في الغرب أن يدركوا الفروق بين البيئات المسلمة والبيئات الغربية فتكون فتواهم أقرب للصحة والدقة ومساعدة الأقليات المسلمة على أن تحيا في الغرب حياة إسلامية بدون تلك السلبيات التي أشرنا إليها.

  • ما هي المسئولية التي تقع على عاتق الأقليات المسلمة؟

إن أهم مسؤولية تقع على عاتق المنتمين إلى الأقليات المسلمة أن يحيوا بين أبناء الأكثرية حياة إسلامية صحيحة، فيكونوا نموذج في حُسن أخلاقهم وسيرهم وتعاملهم مع الآخرين وانضباطهم وآداء ما عليهم من واجبات، والحصول على حقوقهم بالطرق السلمية الموافقة للنظم القائمة، بحيث يشكل المسلم لتلك المجتمعات إضافة إلى تقديم النموذج بكل حياته إلى الآخرين وهو ما نسميه بالدعوة الصامته. فإن الناس حين يستحسنون من إنسان خلقًا وسلوكًا يسألون كيف اكتسب ذلك الخلق؟ وكيف وصل لذلك السلوك؟ فحين يقول لهم ذلك ما تعلمته من ديني، ذلك يُعد من أفضل الدوافع وأهمها التي تدفعهم لحب ذلك الدين والمنتمين له، والشعور بأنهم بذلك إضافة حسنة لمجتمعاتهم، وليسوا عبئا عليها يخالفون أنظمتها ويتحدون قيمها ويغيرون في نظم حياتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *