Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

نحو فهم لما يجري في مالي

أ.د/ طه جابر العلواني

زرت مالي وبعض الدول الأفريقيَّة قبل ما يزيد عن ثلاثين عامًا، ورأيت على الطبيعة بلدانًا معظمها ينافس أجمل بقاع الأرض في أمريكا أو أوروبا أو سويسرا نفسها في جمال طبيعتها، من خضرة خلابة، ومياه رقراقة، وجنان عامرة تعج بأنواع من الحيوانات التي لا تستطيع رؤيتها إلا في المحميَّات الطبيعيَّة في أماكن مثل كينيا وغيرها.

وأفريقيا تعتبر بمثابة العمق الاستراتيجي للعالم العربي، وفي الوقت نفسه تعتبر الحديقة الخلفيَّة له (Backyard )، كان ينبغي أن يحرص العرب الحرص كلَّه على أن يوجهوا بعض طاقاتهم الاستثماريَّة والدعويَّة إليها، وكان ينبغي أن تكون لهم استثمارات ضخمة في بلدانها كلّها، لكنَّني لا أعلم في حدود اطلاعي من حكَّام العرب من أبدى اهتمامًا يذكر بأفريقيا ودولها إلا أمير الكويت الراحل -رحمه الله- الذي دعم بكل شجاعة وحماسة لجنة مسلمي أفريقيا الكويتيَّة، التي أسسها الراحل الكبير أخونا الدكتور عبد الرحمن السميط – تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته – الذي استطاع من خلال هذه اللجنة أن يحافظ على الوجود الإسلامي في بعض البلدان الأفريقيَّة، من خلال تبرعات من أمير الكويت الراحل، وبعض أهل الخير والمحسنين من الكويتيين والخليجيين، وكذلك الملك فيصل – رحمه الله – الذي اهتم بأفريقيا وقرر – طيب الله ثراه – أن يستأصل النفوذ الإسرائيلي فيها، فاستطاع بجهود الوفود التي كان يرسلها إلى البلدان الأفريقيَّة أن يخرج إسرائيل من ثلاثين بلدًا أفريقيًّا أو تزيد في فترة قصيرة، وقد استعان في ذلك ببعض أهل العلم وفي مقدمتهم الشيخ الكبير الراحل محمد محمود الصواف – رحمه الله رحمة واسعة – ، وكثير من الزعماء الأفارقة بعد أن كانوا أصدقاء لإسرائيل، ولها سفارات ونفوذ اقتصادي وسياسي في بلدانهم استطاع – رحمه الله – استقطابهم حول الحرمين، واستعادتهم واستعادة بلدانهم لتكون عمقًا استراتيجيًّا لعالمنا العربي والإسلامي، لكن خلفاء فيصل – طيب الله ثراه – لم يتابعوا ما بدأه هو – رحمه الله – ولم يكملوا المسيرة، وإن كانت رابطة العالم الإسلامي وكثير من المنظمات السعوديَّة استمرت بإرسال الدعاة والوفود العلميَّة، وأسست بعض المعاهد في تلك البلدان، إضافة إلى ما بناه الراحل الكبير الملك فيصل من مساجد بها، وكذلك الآبار الكثيرة التي حفرت والمساعدات التي قدمت إلى تلك البلدان. كما أنَّ الشيخ زايد – رحمه الله – عمل على مساعدة بعض تلك البلدان بقدر ما استطاع.

 لكن هناك فرقًا كبيرًا بين أن تطعم الفقير سمكة وأن تعلمه كيف يصطادها.

وآخر الزعماء الذين عنوا بأفريقيا كان الراحل جمال عبد الناصر، وإن كان بطريقة أخرى، حيث استقطب كثير من زعماء أفريقيا وشجعهم إلى الانضمام إلى كتلة عدم الانحياز، وساعد على تحرير بعض البلدان الأفريقيَّة واستثمر الأزهر وسمعته في تلك البلدان، وكان هناك سفراء مصريون كثيرون قد خدموا في تلك البلاد، ووثقوا الأواصر بينها وبين مصر، وشاركوا في تدعيم الإسلام والمسلمين فيها ولو بشكل قريب من المبادرات الفرديَّة، لكن بعض آثار الرئيس الراحل عبد الناصر ما تزال قائمة في بعضها، ولا يزال خريجوا الأزهر يحتلون مواقع متميزة في تلك البلاد، وإن كانت قليلة جدًا.

وحين غاب هؤلاء العمالقة -رحمهم الله- الملك فيصل وأمير الكويت والشيخ زايد وعبد الناصر خلت الساحة الأفريقيَّة مجددًا وفتحت أمام إسرائيل وغيرها.

حين زرت أفريقيا وتنقلت بين بعض أقطارها شعرت بالانهيار الأخلاقي الفرنسي الذي حكم معظم تلك البلدان وكذلك البريطاني وغيرهما، حيث لم نجد أي شيء يصدق دعاوى أولئك المستكبرين المستحمرين للشعوب – والذين يطلق عليهم زورًا وبهتانًا المستعمرون – أي أثر لإعمار، بل وجدنا آثار السرقات والسلب والنهب والتجهيل والتدمير والتمييز الديني والعرقي في كل تلك البلدان، فهناك بلدان قد سلبوا منها كل ثرواتها ولم يعبِّدوا بها طريقًا ولا شارعًا ولا بنوا شيئًا إلا ما كانوا يحتاجونه أثناء استعمارهم. وقد رأيت مالي – التي تجري بها الحرب الضروس الآن – تسقط فيها ثمار المانجو والأناناس وكثير من الثمار الغالية على الأرض، دون أن تجد من يجمعها فيبيعها أو يعلبها أو يعصرها ويصدر منتجاتها، فتتعفن وتتحول إلى مباءات للأمراض والبعوض والحشرات السامَّة، لعدم توافر أي مواصلات وإمكانات تسمح بذلك رغم رخص الأيدي العاملة وتكاليف الإنشاء والبناء هناك. وإن كان هناك ما يصدر فإنَّما هو مما يصنعه بعض المستوطنين المستغلين الذين كانوا يسرقون خيراتها ويبتزون أهاليها.

وقد رأيت بلدان أخرى كانت نسب المسلمين فيها عالية تصل إلى 70 % أو يزيد، رأيتها تتراجع بعد فترة ليصبح عدد المسلمين أو نسبتهم في تلك البلدان لا تتجاوز 10 % ! فعمليَّات التنصير التي يجد فيها المستكبرون في الأرض والمستحمرون للشعوب شيئًا من راحة الضمير، فكأنَّهم حين يسرقون هذه الشعوب ويستأثرون بخيراتها يتركون لها خلاص الروح على أيدي المنصرين.

إنَّ بعض البلدان يحتاج الطالب فيها إلى ما يعادل ثلاث دولارات أمريكيَّة، نعم والله ثلاث دولارات فقط تكفيه لمدة عام ليكمل دراسته في المدرسة !!  فلا يجدها إلا في كنيسة، فيذهب إليهم لينصروه بعد قليل، فإذا وجدوا فيه من الذكاء تبنوه حتى النهاية، وأعادوا تصديره إلى بلده ليكون من قياداتها في الحكومة ورئاسة الدولة. أمَّا المسلمون فلا بواكي لهم، فلا يجدون ما يمكنهم من دخول المدارس والحصول على الشهادات، فكنَّا نجد أئمة ودعاة من أبناء تلك البلدان كثيرون منهم يعيشون على صدقات بعض إخوانهم المسلمين، لذلك فإنَّني حين كنت عضوًا في مجلس أمناء جامعة أفريقيا العالميَّة في السودان اقترحت على الجامعة وعلى المعهد – قبل أن يتحول إلى جامعة – أن يعلِّموا هؤلاء الخريجين إضافة إلى العلوم الشرعيَّة حرفًا كالنجارة والحدادة والنقاشة إلى غير ذلك، وأن يستعينوا بمتطوعين من أهل الخير يساعدونهم في تعليمهم هذه الحرف ليستطيع إمام المسجد أو الداعية أن يسد احتياجاته الماديَّة بما يكسبه من عرق جبينه في هذه الحرف التي تحتاجها تلك البلدان.

وحين اتيحت لي بعض الزيارات القصيرة، وجدت بفضل الله بعد أن أخذ بذلك المقترح، وجدت أئمة ودعاة لكل منهم متجر أو محل صغير يمارس فيه ما يسد احتياجاته واحتياجات أسرته ويحفظ له كرامته بما يعمله.

إنَّ فرنسا تحاول بعد أن أخرجت عنوة من تلك البلدان الأفريقيَّة أن تعود إليها من الأبواب الخلفيَّة أو الشبابيك التي تركتها مشرعة مستغلة مساعدات الجنرال جهل والجنرال فقر والجنرال مرض، وبقية الجنرالات الذين تركتهم كقواعد لتوظفها مرة أخرى، لعودة غير كريمة إلى احتلال وسرقة تلك البلدان. ومن منافذ الجهل بأهداف الشريعة ومقاصد الإسلام والدعوة وفقه الأولويَّات وكل تلك المعاني الجميلة الموجودة بالإسلام التي يجهلها هؤلاء المساكين فتحاول قيادات الاستحمار العالمي أن تزرع في هؤلاء وبينهم عناصر مدسوسة تدفعهم إلى ممارسة العنف بأشكال مختلفة مستغلة الجنرالات الذين ذكرناهم لكي تعود بطلب من حكومات مخترقة يقودها أناس لا نطيل بذكر التفاصيل عن كيفيَّة وصولهم إلى السلطة، ولا طرق ممارستهم لها، فتلك أمور معروفة. فتوظف فرنسا وغيرها ما يسمى بالشرعيَّة الدوليَّة وتلك الحكومات الانقلابيَّة الجاهلة لاستدعائها هذه المرة للدخول إلى البلاد واحتلالها من جديد، بطلب من أهلها وقادتها، وبحماية ما يسمى بالشرعيَّة الدوليَّة وما الهدف إلا سرقة ثروات وموارد تلك البلدان التي أنعم الله عليها بأوفر الخيرات، وإذا كانت الحروب القادمة ينتظر أن تكون حروبًا على المياه، فإنَّ أفريقيا رغم التصحر في بعضها إلا أنَّها مستودع كبير من المياه الجوفيَّة ومياه الأمطار، فماذا على المسلمين لو أنَّهم تملكوا في هذه البلدان وأقاموا فيها مزارع وسلال غذاء نباتيَّة وحيوانيَّة بأرخص الأسعار والأثمان، وطوروا الأيدي العاملة فيها، ومهما كان الخطر على أموالهم فإنَّه لن يكون أكثر من الخطر الذي تتعرض له تلك الأموال في كل عام مرة أو مرتين في الأزمات الاقتصاديَّة والتلاعب بالعملات ارتفاعًا وانخفاضًا والعبث بأسعار البترول والغاز والموارد الأخرى.

فمتى يصحوا المسلمون على مصالحهم؟ ومتى يدرك العرب أنَّهم في حاجة إلى أفريقيا لتكون عمقًا استراتيجيًّا لهم بدلًا من أن تستأثر به إسرائيل وبعض الدول المستحمرة الأخرى، فنجد حروبًا جديدة في دول إسلاميَّة أخرى، لا قدر الله.

فالله أسأل أن يحفظ لنا بلداننا، ويجمعنا على كلمة سواء.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *