أ.د/ طه جابر العلواني
“المقدمة”
الحمد لله نستغفره ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. ونصلي ونسلم على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
ثم أمَّا بعد: فإنَّ تقييم المشروعات الكبيرة والمؤسَّسات له ضوابط وقواعد وأصول ومناهج، ومن المتفق عليه والمتعارف على العناية به أنَّ من أهم قواعد التقييم الاعتماد على “الأهداف المحددة” للمشروع أو للمؤسَّسة موضوع التقييم في بيان إلى أي مدى حقق ذلك المشروع أو تلك المؤسَّسة “الأهداف المحددة”.
وفي حالة عدم وجود “أهداف محددة معلنة” فإنَّ على من يقوم بالتقييم النظر في فلسفة المشروع أو المؤسَّسة لاستنباط الأهداف.
وفي التقييم قد لا تكفي معرفة الأهداف للخروج بتقييم سليم، بل لابد من ذكر المناهج المقترحة لتحقيق تلك الأهداف، والوسائل التي سيتوسل بها أصحاب المشروع أو بناة المؤسَّسة لتحقيق تلك الأهداف، والجهة التي تمارس التقييم، سواء أكانت أفرادًا أو جماعات أو مؤسَّسات يفترض فيها القدرة العالية على ممارسة النقد الشامل للأهداف وللمناهج المقترحة لتحقيقها، والوسائل المحددة لذلك؛ لأنَّ منطلق التقييم –في الأساس منطلق نقدي شامل لما ذكر كلّه، ثم هو معياري يعتمد على معايير دقيقة تقيم بها “الأهداف والمناهج والوسائل” كل بحسبه.
ولا تطلب التقييم أو تسعى إليه إلّا جهات جادة في مشاريعها وفي سعيها لتحقيق أهدافها. وخير المشاريع والمؤسَّسات تلك التي تضع التقييم في ذات الوقت الذي تضع فيه أهدافها ومناهج تحقيقها ووسائلها، ليكون التقييم المستمر وسيلتها في تحقيق حالة “التجدد الذاتي” للمحافظة على مقومات الفاعليَّة حتى بلوغ الأهداف، وإذا فاتها أن تضع ذلك في البداية، فلا بأس بالاستدراك ووضع أسس وقواعد التقييم بعد ذلك.
و “إسلاميَّة المعرفة” و”المعهد العالمي للفكر الإسلامي” ومؤسِّسو المعهد وقادته وضعوا قضايا ثلاثة يلحق بها أمر رابع يتعلق بمن ينضمون إلى أيّ من العناصر الثلاثة أثناء المسيرة. من أساتذة ومفكرين وطلاب وموظفين وما إلى ذلك.
أمّا “إسلامية المعرفة” باعتبارها قضيَّة معرفيَّة منهجيَّة فلسفيَّة مجرّدة فإنَّني –بعد معايشتها لما يزيد عن ثلاثين عاما أرى أنَّها “منظور توحيديّ في قضايا المعرفة، ينبثق عن رؤية كليَّة توحيديَّة” للكون والحياة والإنسان، وعن (تصور) بناه (الوحي والكون في العقل الإنساني) على إدراك (لوحدة الحقيقة) وإن تعددت أنظار الناظرين فيها وإليها، (ووحدة الغاية)، وتعدد المصدر، (ووحدة المرجعيَّة)، وضبط عمليَّات (التوليد والإنتاج المعرفيّ) بقراءة جامعة بين (الوحي والوجود)؛ لتوليد معارف الاستخلاف التي بدأت بتعليم آدم الأسماء كلّها بحيث يحمي ذلك المنظور العقل الإنساني من (الخرافة والشعوذة والوهم) وأنواع الإدراك القائم على ذلك، ويربط بين (المعرفة والقيم) بحيث لا تنفك المعرفة في أي من مستوياتها عن القيم ولا تتجاهل الغايات، ولا تسمح بسقوط الإنسان في براثن (العدميَّة والعبثيَّة والترك سدى).
ثم هي تعبير عن تجليَّات الإسلام (عقيدة وشريعة ومنهاجًا) على قضايا المعرفة نشأة ومصادرًا ومناهجًا وتوليدًا وإنتاجًا وممارسة بحيث تتسم المعرفة بالاستقامة الموضوعيَّة، وتحمي من آفات الهوى والانحراف وفقدان القدرة على التمييز بين مستويات الإدراك الإنساني، خاصّة بين العلم والظن.
وتزود الواعين بها بمنهاج ضابط، ومنطق مسدد مع قدرة على تحديد الأولويَّات المعرفيَّة.