أ.د/ طه جابر العلواني
الشيعة والسنَّة منذ ولدت إسرائيل وحتى اليوم وقادة الفكر اليهودي في إسرائيل وأمريكا وأوربا يعتبرون الفرقة بين الشيعة والسنَّة متفجرات خطيرة، ينبغي أن تعتبر أخطر الأسلحة الاستراتيجيَّة التي ينبغي أن تستعمل في الوقت المناسب، وحين غار النظام الإيراني والتيارات العلمانيَّة الشيعيَّة والحركات الإسلاميَّة في إيران بقيادة الخميني على مقاليد الدولة فيها، اتخذت أمريكا في عهد كارتر قرارًا بأنَّ الوقت قد حان لتوظيف الخلاف بين السنَّة والشيعة؛ لدرء الخطر الإسلامي عن إسرائيل وحماية أمنها، وحماية المصالح الأمريكيَّة حتى إنَّهم في عهد كارتر اتخذوا قرارًا بضرورة تنشيط الشيعة في بلاد السنَّة، ودفعهم إلى إيجاد طائفة شيعيَّة ولو قليلة في كل بلد سني ليس فيه شيعة، وتقوية الأقليَّات الشيعيَّة في البلدان السنيَّة ودفعها للوصول إلى مراكز قياديَّة.
وأمَّا البلدان الشيعيَّة فينبغي أن تنشط فيها العناصر السنيَّة لتهيئة الجميع للتصادم عند الحاجة. وبدأت إيران تضاعف في إعداد الآيات الذين لم يكن يتجاوز عددهم في عهد الشاه عن عشرين. أمَّا الآن فهم يزيدون عن ثلاثمائة، توزعهم إيران على القارات الخمس، فترسل الآية إلى هؤلاء وتدعمه بأموال طائلة ليصنع لنفسه حوزة في داخل تلك البلدان، حتى صار في أمريكا وحدها أربع آيات. وهناك آيات في كل قارة من القارات بما في ذلك تايلاند وإندونيسيا وباكستان وأفغانستان وبريطانيا وفرنسا وغيرها.
وكلها تمول تمويلًا كاملًا بحوزاتها ومساجدها من إيران، كما أنَّ المعهد العالمي للعلوم والحضارة في “قم” والجامعات وكليَّات الدعوة كلها كانت تقبل وتجند طلابًا سُنة أو مسلمين جدد من مختلف أنحاء العالم، وعدد طلاب هذا المعهد لا يقلون عن عشرة آلاف فوج، وهم يشكِّلون روافد لتلك الحوزات التي تنشأ في بلدانهم بعد تخرجهم، ويكونون دعاة مجندين لنشر المذهب. في حين أنَّ السعوديَّة حذرت من الطلبة المسلمين الذين كانوا يفدون إلى جامعاتها الإسلاميَّة بمنح منها مثل الجامعة الإسلاميَّة في المدينة المنورة وجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، وجامعة أم القرى في مكة وغيرها، كما أنَّ الأزهر كان يمر بحالات تحول وانكماش وضعف مالي بعد أن استولت الدولة على كثير من أوقافه، فجرى ذلك الامتداد في الفراغ السني المقيد المكبل بالقيود الرسميَّة وما إليها.
وأدركت إسرائيل وأمريكا أنَّ نظام سايكس بيكو الذي نجم عن الحرب العالميَّة الأول يجب أن تتخذ كل الاستعدادات لاستبداله وتغييره بنظام دولي جديد يأخذ في الحسبان أمن إسرائيل وتغير الأقطاب؛ ليكون القطب العالمي الأوحد هو أمريكا، وأنَّه إذا كان النظام العالمي السابق قد مكن للسنَّة في العراق وفي باكستان بعد ذلك وغيرها من البلدان فإنَّ التغيير المنتظر ينبغي أن تعطى فيه السيادة والأولويَّة للطائفة الشيعيَّة، وفي هذا الإطار حوّل شاه إيران إلى شرطي المنطقة، وكان أول معترف بإسرائيل، وأول من أقام تمثيلًا قنصلي فيها، وتتابعت الأحداث ووصلنا إلى الواقع الحالي، والمطلوب ليس التقاتل مع الشيعة، فالشيعة موجودون والسنَّة موجودون، ولكن لابد من العناية بتشكيل خطاب سني جديد ليس طائفيًّا ولا عنصريًّا ولا تكفيريًّا ولا إقصائيًّا تتم صياغته بمنتهى الحكمة والحذر، ويعمل في هذا وفق منهج دقيق نستطيع أن نساعد فيه -إن شاء الله.