متى تقسو القلوب؟
قوله جل شأنه: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة:74) ، وتدبر قوله تعالى: (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الحشر:21)، إن القلوب حين يلامسها الوحي الإلهيّ إذا كانت لينة هينة بعيدة عن التحجر والقسوة فإنها تلين وتخشع وتخبت لله (سبحانه وتعالى) وتنفعل بكريم آياته (جل شأنه) فإذا طال عليها الأمد وبعد عهدها بالوحي والنبوة أدركتها سنة اجتماعية هي سنة القسوة نتيجة طول الأمد أو بعدها عن الينابيع الأولى التي شكلت نفسيتها المطمئنة وعقليتها المستقيمة فتقسو منها القلوب ويتحجر الوجدان وتضعف البصيرة والبصائر وتعمى القلوب التي في الصدور فتصبح متهورة مستعدة لإقتحام المهالك والوقوع في الكبائر وتتجاوز الرحمة والعاطفة والمشاعر الإنسانية هذه السنة الإجتماعية وإن جاءت في سياق نقدي، بني إسرائيل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها بل تبرموا بها وعجزوا عن الإلتزام بتعاليمها فصار مثلهم: (…كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا…) (الجمعة:5) وصار فقهم فقهًا بقريًّا يقوم على طرح السؤال لا للتعلم بل للشغب فتجدهم في دوامة من الإسئلة يأخذ بعضها بحجز البعض الآخر دون توقف لمعرفة جواب؛ لأنّ الهدف من إثارة الأسئلة ليس الحصول على جواب كافٍ شافٍ أو مقنع بل إثارة الشغب وتشويش ذهن المسئول والسامع معًا وهذه السمة سمة قسوة القلوب وجمودها وعدم إنفعالها بما يتلى عليها من كتاب الله دليل على أن تلك القلوب قد أصيبت بهذا الداء الذي لايمكن أن تتخلص منه إلا بتطهير القلوب وتنزيه النفوس ومداومة ذكر الله وتذكير النفس على الدوام بالرجوع إليه ﴿وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ (البقرة:281)، فذكر الله هو العلاج الناجح للقاسية قلوبهم لأن من لم يتب عن هذه القسوة في الدنيا فإنه يسلم قلبه إلى النار الكفيل بإذابته يوم القيامة ﴿..فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (الزمر:22).