هل القرآن حمَّال أوجه؟
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولا: نفينا هذا القول المروي عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه؛ لأنه روي أنه أوصى به ابن عباس في جداله مع الخوارج، وأنه قال له: “ويحك لا تجادلهم بالقرآن فإنه حمال أوجه، وجادلهم بالسنة”. وقد تتبعنا هذه الرواية فلم نجد عبارة حمال أوجه فيها، وقد تكون أقحمت في هذا بعد ذلك الجيل، فكانت من الزيادات على النص، كما أن الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه يعلم أن الخوارج قد نفوا السنة، ورفضوا الأخذ بها والاحتكام إليها، فلا يعقل أن يكلف مبعوثه إليهم بأن يجادلهم بما لا يؤمنوا به، ولا يعترفون بحجيته، فنفينا لهذا القول من حيث نسبته إلى الإمام صحيح من هذا الوجه.
الأمر الثاني: أنني أردت أن القرآن بذاته ليس بحمَّال أوجه، ولم ينزل ليجعل الناس حيارى بين أوجه عديدة يتيهون في دروبها وكل يسقط القرآن على فهمه، ويحتج به لما يريده، فذلك غير مقبول، ولكن تختلف زوايا نظر البشر إلى القرآن الكريم، فقد تفهم منه شيئا لا أفهمه أنا والعكس صحيح، والفهم في كتاب الله نعمة من نعمه على خلقه، والله (تبارك وتعالى) يقول: ﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ (الإسراء:20)، فهناك علماء يستطيعون أن يستنبطوا معاني ووجوها عديدة من الآية الواحدة لا يستطيع غيرهم الوصول إليها، يقول ابن الصباغ: إنني أقرأ الآية واستنبط منها أحيانا أربعمائة وجها، وبين يديك تفسير القرطبي يستنبط من الآية الواحدة أحيانا عشرات المسائل، والإمام فخر الدين الرازاي يقول لو أردت أن أكتب وقر بعير في تفسير سورة الفاتحة وحدها لفعلت، وتفسيره المطبوع للفاتحة بلغ أربعمائة وخمسين صفحة فلوسكاب. فأفهام القارئين شيء، واحتمالات النص شيء آخر، فما نفيته أن تنسب الاحتمالات إلى النص القرآني بحيث تشتبه الاحتمالات على من يريد الاهتداء بالقرآن المجيد فيضل بين الاحتمالات العديدة، لعلِّي قد أوضحت لك ما كنت بحاجة لأن تعرفه. شكر الله لنا ولك، وزادنا وإياك بصيرة في كتاب الله.