Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

موقف المدارس الحداثية من النص القرآني

كيف ننقد موقف المدارس الحداثية في دعوى تاريخية النص القرآني؟ وما أبعاد هذا الطرح الحداثي ؟ وإلى أي مدى يمكن تطبيق المناهج اللغوية الألسنية والسيميائية على النص القرآني ؟ وما ضوابط ذلك في رأيكم ؟ 

الجواب:

 جميع المدارس الحداثية في موقفها من النص القرآني خلطت خلطًا شديدًا، وأخطأت في التفريق بين لسان القرآن واللسان العربي، وآمنت بوضعية النص القرآني والتأليف البشري له، فهؤلاء لم يميزوا بين النص القرآني وقصيدة لامرئ القيس أو غيره مثل طرفة بن العبد أو لبيد، أو غيرهم لذلك فقد قادهم هذا التصور الخاطئ إلى القول بتاريخانية النص القرآني أي ارتباطه بفترة تاريخ نزوله وأنه لا علاقة للأجيال التي جاءت بعد تلك الفترة بالقرآن الكريم، وما كان عليهم أن يستمسكوا به لأنهم غير مخاطبين به، وهي شبهة قديمة تطرق علماء أصول الفقه إليها بعناوين مختلفة وهي: هل يمتد الخطاب القرآني إلى من جاء بعد عصر الخطاب، وهناك مسألة نجدها في كتب أصول الفقه وهي خطاب المعدوم، فنحن لم نكن موجودين في عصر الرسالة، بل ولدنا ونشأنا بعده، فهل يشملنا خطاب عصر الرسالة أو لا يشملنا، فالقائلون بالتاريخانية يرون أن جميع المسلمين بعد عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبنوا الإسلام على سبيل الخطأ، فهم غير مطالبين به، وليسوا مخاطبين بآياته، فلم يكفهم أنهم نفوا عالمية الخطاب القرآني والرسالة المحمدية له صلى الله عليه وآله وسلم، بل حصروه في تاريخه أي تاريخ نزوله. لأنهم تعلموا من الهرمونتكس أنه لابد من قراءة ذهن المؤلف، ومعرفة لحظة الخطاب ومكانه وما كان يدور في ذهن مؤلفه، وثقافة الذين خوطبوا به وما إلى ذلك مما هو مذكور في تلك المعارف التي أوجدت لدراسة نصوص الإنجيل والتوراة أو ما يسمونه بالعهدين القديم والجديد المقدسين!

فكل ما فعله أركون وشحرور وأبو زيد والطيب تزيني وغيرهم أنهم أسقطوا ما تعلموه على هذا الكتاب الكريم، وتوهموا  ما توهموه لأنهم لم يستطيعوا أن يؤمنوا بإلهية الكتاب وأنه نازل من الله (تعالى)، وتحديه وإعجازه، وعجز البشر ومنهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأتوا بمثله، فقال بفكرة التاريخانية التي جعلت النصارى يؤمنون بالأناجيل الأربع بعد صدور القرارات الكنسية المختلفة، لإلغاء العمل بالأناجيل الأخرى، فأخذوا من تلامذة السيد المسيح متى ولوقا ويوحنا ومرقس كما أخذ اليهود بالتوراة التي ألفها عزرا أثناء السبي البابلي لليهود، من أفواه الرواة الذين سجل عزرا ما كان يحفظونه كما هو وأضاف عليه وصار يقدم على أنه التوراة التي أنزلت على موسى.

كل همهم الآن أن يجعلوا القرآن نسبيا لا مطلقا، وأنه من تأليف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس كلام الله النازل على قلبه، فهي اتجاهات كنسية وتلمودية، أسقطت على القرآن الكريم من قبل هؤلاء المترجمين.

أما نحن فنعلم ونؤمن أن القرآن آيات الله، وكلماته، ألقاها الله وأوحاها إلى عبده ورسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، لم يؤلف سيدنا رسول الله منه كلمة واحدة، وأن اللغة العربية أنزل القرآن بمثلها لا بها، فله لسانه وسياقه، وطرائقه في التعبير، فهو لم ينزل باللسان القومي العربي، بل نزل بلسان عربي موصوف بالإبانة، وموصوف بالحكمة، وليس كل كلام عربي يمكن وصفه بالإبانة والحكمة، لكن القرآن كلام الله، فهو موصوف بالإبانة والحكمة.

والضوابط لدينا بحوثنا الألسنية التي بدأت بكتاب الخليل بن أحمد الفراهيدي (العين) ثم كتاب سيبويه (الكتاب) ثم كتب كثيرون مثل العبيد بن سلام، والأصمعي والكسائي، إلى أن بلغ الأمر إلى ابن جني في الخصائص وكتبه الأخرى، ثم عبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز،  وتكونت لدينا علومنا في البيان والبديع وفقه اللغة، إلى أن وصل الحال إلى المتأخرين أمثال السيوطي في المزهر وغيره، ولو أنَّ هناك اتصالا بين أجيال أمتنا وتواصل معرفي فيبني اللاحق على ما أسس السابق لكان لدينا ألسنيات خاصة بنا، لا يمكن أن تتناقض مع معتقداتنا وأصولنا، لكن التوقف وعدم العناية بالبحث اللغوي عناية دقيقة والاختراقات اللغوية التي حدثت وتطبيق قواعد المحدثين في الرواية في مجالات عديدة استنثني منها المجال اللغوي، لم يسعفنا ذلك للمراكمة على تلك البحوث الجادة والدراسات الهامة والخطيرة، ولذلك فلم تقم لدينا سوق للهرمونتكس والبحث السيميائي اللغوي، وفقه اللغة، لذلك كنت أتمنى أن أولئك المترجمين للتراث الغربي أمثال أركون وشحرور ونصر أبو زيد درسوا ما لديهم أولا وبنوا عليه وانطلقوا منه لأنهم لو فعلوا  ذلك لجنبوا أنفسهم الخوض فيما لم يحيطوا بعلمه، ولكان لبحوثهم ودراساتهم آثار جيدة في تنقية تراثنا وتجديده ولا بأس بعد ذلك من الاستفادة بالتراث الإنساني والعالمي. فالإنسان المتسول لا ينظر إلى ما أنعم الله عليه به ولا يسأل نفسه إذا كان ما عنده يكفيه أو لا يكفيه، لكنه يمد يده للآخرين، فلا تتسولي يا ابنتي المعرفة قبل أن تمدي يدك إلى جيبك لتعرفي ما إذا كان لديك ما يغنيك أو يتيح لك فرصة المثاقفة مع الآخرين، فلا تكونين آنذاك في موقف النقل والتسول والترجمة، بل في موقف الإثراء والمشاركة وشكرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *