Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

كيف نفهم التحالف الكردي الطائفي (الشيعي الجديد) الذي أعلن عنه في بغداد يوم 15 آب (أغسطس)؟؟

أ.د/ طه جابر العلواني

    إنَّ التحالف الذي أعلن عنه في بغداد من يومين، والذي جرت المداولات حوله في قصر صدام الذي ورثه جلال طالباني الملقب برئيس جمهورية ما كان يعرف بالعراق، وهو تجديد لتحالف قديم بين الفريقين تم توقيعه في عام 1966، في شمال العراق، وجدَّد التوقيع عليه في بغداد، وكان التوقيع عليه في صيغته القديمة من قبل الراحل “سيد مهدي الحكيم”، النجل الأكبر لإمام الشيعة –آنذاك- السيد محسن الحكيم والد عبد العزيز الحكيم وجَد عمار الحكيم. ووقعه حبيب محمد كريم الكردي، الذي مثل في ذلك اللقاء الملا مصطفى البرزاني، والد السيد مسعود البرزاني. وفي ذلك التحالف التاريخي اتفقت قيادة الفريقين: الكردي والشيعي بمباركة شاه إيران والمخابرات الإسرائيلية على أنَّ السنة العرب هم الذين استأثروا بدعم الإنجليز في حكم العراق طيلة العقود السابقة، وتجاوزوا الأكراد والشيعة خاصة غير العرب منهم وعلى ذلك فقد اتفق الطرفان الكردي والشيعي على ضرورة انتزاع السلطة في العراق من العرب والسنة انتزاعًا كاملًا، ثم إقامة حوار مع الراغبين من السنة والعرب -بوصفهم أفرادًا- بالانضمام إلى ذلك التحالف الكردي الشيعي ليكونوا جزءًا منه، غير فاعل ولا مؤثر فيه، وقد نص الاتفاق على أن يتم تقسيم الثروة العراقية بين ثلاثة أطراف: فثلث يوضع تحت تصرف الجانب الكردي وثلث آخر تحت تصرف الجانب الشيعي، وثلث آخر يوقف للمصالح المشتركة والمرافق العامة وتجري به تغطية الحصة السنية العربية والأقليات الأخرى. وتقسيم الجيش العراقي إلى “ست فرق”  كما كان عدد فرقه-آنذاك-: فرقتان للشيعة، قيادات وأفراد، وفرقتان للأكراد قيادات وأفراد، وفرقتان للأقليات الأخرى ومنها العربية السنية، وعلى أن تكون القيادات والقرارات بأيدي مجموعة القيادة المشتركة من الكرد والشيعة، كذلك ينبغي أن يتم تقسيم قوات الشرطة وسائر الوظائف!! وتحويل البلاد إلى أقاليم بمقتضى ذلك.

 ووضع العرب السنة إلى جانب الأقليات الأخرى من يزيدية وكلدانيين آشوريين وصابئة مندائيين في حزمة واحدة، ليكون العراق قسمة بين الأطراف الثلاثة. وقد بارك في حينها شاه إيران تلك الخطة ووجد فيها سبيلا لتمزيق العراق، وإنهاء عروبته، وأي خطر محتمل يأتي منه تجاه إيران والمصالح الإيرانية. وكان المستشارون والخبراء في هذا المشروع جهات إسرائيلية ذات جنسيات مختلطة بالتعاون مع CIA  وبدأت عمليات ومحاولات التنفيذ المتدرج لهذا المخطط منذ ذلك التاريخ.

 ولما رأى السيد الحكيم أنَّ الدعم الإيراني للثورة الكردية يمكن أن يُستغل ليعطي للشيعة حصة أكبر من الثلث أمر ولده السيد مهدي بمقابلة الشاه والتفاهم معه على ذلك. قابل السيد مهدي الحكيم شاه إيران وقيادات السافاك –آنذاك- الجنرال نصيري والجنرال منصور بور والعقيد علي أكبر فرازيان، وحذرهم –جميعا- من الثقة بملا مصطفى البرزاني وألح عليهم بضرورة وضع البرزاني وقيادة الحركة الكردية تحت المظلة الشيعيّة بقيادة السيد الحكيم، ومنع تقدم أي دعم أو مساعدات إيرانية إلا بتوقيع من السيد مهدي الحكيم أو من يمثله أو كبار مستشاريه. وقد صادف ذلك هوى لدى شاه إيران وقيادة السافاك –آنذاك- ووافقوا على ذلك. ولما تقدم الملا مصطفى بقائمة طويلة من طلبات الدعم إلى حكومة الشاه طلب الجنرال نصيري من الملا مصطفى أن يطلب من السيد مهدي الحكيم دعم طلبه والتوقيع عليه لتنفذ إيران له مطالبه من الأموال والأسلحة، لتدبير انقلاب في بغداد، وطلبوا منه إرضاء السيد الحكيم (مهدي)، وأخذ موافقته، وموافقة مرتضى العسكري في طهران؛ ليبدأ إرسال المساعدات إليه فور موافقتهما. ولما رأى الملا مصطفى في ذلك تغييرًا في الموقف الإيراني بعث سرًا إلى صدام وأحمد حسن البكر يخبرهما بكل ما حدث، ويقدم لهما معلومات عن اجتماعات طهران، ويعلن استعداده للتعاون مع بغداد بدلا من التعاون مع شاه إيران والسافاك والمخابرات الإسرائيلية، وبذلك سارع صدام والبكر إلى التفاهم مع ملا مصطفى وأعلنا عن اكتشاف مؤامرة إيرانية وأعدما مجموعة كبيرة من الضباط العراقيين والمدنيين والسياسيين الذين كشف لهم البرزاني عن أسمائهم واتصالاتهم في العراق وأجهضت محاولة الانقلاب الإيرانية بشكل تام. وذلك في شهر كانون الثاني –يناير 1970م ثم أعلن اتفاق آذار (مارس) بين القيادة الكردية والقيادة البعثية في بغداد. وقرر الشيعة والشاه الانتقام، وقد تم ذلك فيما بعد بتدمير قيادة الثورة الكردية باتفاق مضاد بين الشاه وصدام في الجزائر. وبذلك تم تحويل ملا مصطفى والبرزانيين إلى لاجئين في الولايات المتحدة الأمريكية.

 إن التاريخ حين يهمل يصعب تفسير كثير من وقائع الحاضر، أو استشراف وقائع المستقبل. إن تجديد التحالف السابق الذي تم في بغداد ربما يكون نصيب القضايا المحلية العراقية فيه محدودًا جدًا، والنصيب الأكبر والمستفيد الأول من هذا التحالف هو إسرائيل والمحافظون الجدد في واشنطن الذين يهمهم أمن إسرائيل أكثر من أمن الولايات المتحدة نفسها، ويرون في تجديد التحالف ما يمكن أن يحقق الأهداف التالية:

أولا: إبعاد العرب، أعني السعودية، مصر، الأردن، سوريا ودول الخليج عن أي تأثير أو تدخل في الساحة العراقية لتبقى ساحة مفتوحة أمام إسرائيل والقوى الغربية المؤيدة لها والمتحالفة أمنيا مع قواعدها، وذلك يشكل خطرًا على الجامعة االعربية ومصر والمملكة السعودية ودول الخليج والأردن وتركيا وإيران.

ثانيا: تهميش الدورين التركي والإيراني، وحماية كردستان ومن يلجأ إليها من أكراد تركيا وإيران التي ستثور فيها قريبا قلاقل كردية أيضًا. وإعطاء البرزاني وطالباني فرصة التحول إلى أبطال قوميين على المستوى الكردي الشامل لا على المستوى العراقي وحده.

ثالثا: إنهاء عروبة العراق والدور السني العربي فيه محليا وتحويل العرب والسنة في العراق إلى لاجئين في ديارهم أو الديار المجاورة.

رابعًا: إقامة رديفة وساندة للقواعد الإسرائيلية للهيمنة على الخليج والمحيط الهندي، وتمكين إسرائيل والمتحالفين معها من المحافظين الجدد من الهيمنة على الشرق الأوسط الجديد الذي سوف يضم إيران  -ولو بعد تدمير حكومة إيران الحالية- وتركيا، إضافة إلى الجامعة العربية وأعضائها المشارقة، وفرض الهيمنة الإسرائيلية التامة على بحر العرب والخليج ومنابع النيل والمحيط الهندي، وإنهاء عروبة المنطقة وإسلامها بإغراقها بذلك الطوفان البشري الذي تجري التهيئة على قدم وساق من إسرائيل وحلفائها لإبرازه قريبا، فهل من تصور لإيقاف هذه العجلة الخطيرة التي هي أشبه بنيزك مدمر يتحرك ببطء وبسرعة في الوقت نفسه باتجاه تحقيق هذه الأهداف المدمرة؟!

الجواب: نعم إن ذلك ممكن، وممكن جدًا، إذا سارعت القيادة المصرية والسعودية للتفاهم مع تركيا وإيران والتنسيق معهما وتوعيتهما بالخطر المشترك الداهم. وجرى العمل على ارتفاع هذه البلدان الأربعة إلى مستوى مسئولياتها التاريخية عن نفسها وعن المنطقة، وما تمثله من دين وتراث، ويعاد بهذا المربع ترتيب أولويات المنطقة وتحالفاتها، وتوزيع الأدوار بعد ذلك على البلدان الشريكة الأخرى مثل سوريا والأردن ودول الخليج وبعض القوى الأخرى، وهذا الرباعي (مصر، السعودية، تركيا، إيران) إذا استطاع أن يحقق تنسيقًا وتعاونًا فإنَّه سيسحب البساط من تحت قوى الاختراق الداخلي والخارجي، إنها مسئولية خطيرة إذا لم تقم هذه الدول الأربعة بها فإنَّها ذاتها معرضة للسقوط في كثير من المشكلات والفتن الداخلية والصراعات والمعارك الإقليمية والدولية، وقديما قيل: الهجوم والمبادرة أهم عناصر الدفاع، فهل من مدّكر؟! 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *