Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الديمقراطية في العالم الإسلامي بين الإمكان والاستحالة

أ.د/طه جابر العلواني

           خلال حياتي -التي ليست بالطويلة ولا بالقصيرة- عايشت تجارب “حكم” عديدة في العالم الإسلامي، في أنحاء مختلفة منه، فلم أجد أي بلد من البلدان المسلمة نجح في إقامة نظام حكم ديمقراطي، بقطع النظر عن “نوعية الديمقراطية” سواء أكانت ديمقراطية أثينا أو أي ديمقراطية أخرى إغريقية قديمة أو معاصرة، ذلك لأنّ سائر أنواع الديمقراطية تقوم على قواعد وأصول ومبادئ، من شأنها “تحقيق الأنموذج الديمقراطي” نظاما للحكم”، هذه المبادئ والقواعد والأسس أخذت من حياة البشرية قرونا عديدة، حتى استقرت بعد استيعاب وتجاوز مجموعة هائلة من أشكال النظم، عند أمم مختلفة، وتطورت من نظام القبيلة إلى نظم الشعوب، التي اتسعت وصارت تضم قبائل وشعوبًا وافخاذًا وفصائل ومجموعات بشرية مختلفة، لم يعد من الممكن للنظم التي عرفتها البشرية آنذاك أن تستوعبها.

   والديمقراطية التي اتخذت أشكالا مختلفة مقاربة للأشكال التي هي عليها في وقتنا الحاضر تحتاج أيا كان نوعها إلى أن تعرف قواعدها ومبادئها ومقتضياتها ومتطلباتها، فمن المعروف أن الديمقراطيات الإغريقية، قامت على دعامتي: المساواة أمام القانون، أو سيادة القانون على الجميع، والمبدأ الثاني الحرية، فالقانون سيد الجميع وكلمته هي العليا تدين الدولة كلها بسائر أجهزتها ومؤسساتها وتجمعاتها بالولاء له، والسهر على تطبيقه، ويفخر الجميع أنّهم يحيون في كنف سيادته، فكلهم يعيشون في كنف سيادته، ويحصنون أنفسهم بالخضوع له، والمحافظة على العيش في ظلاله، وليس من حق أيّ من الأفراد أو الجماعات الاعتراض عليه أو الخروج عن طاعته أو اختيار غيره عليه، “ولعل ذلك ينطبق على الدساتير”، أو على القرآن الكريم بالنسبة لنا –نحن المسلمين- فالسيادة والحاكمية للقرآن المجيد، وليس لأحد أن يخرج عنه، أو يتجاوزه، أو يختار من خارجه شيئًا يستعيض به عنه.

    والسلطات الثلاث التي عرفتها البشرية: التشريعية والتنفيذية والقضائية، ليس لأيّ منها تجاوز القانون أو الخروج عليه، بأي حال من الأحوال إلا بشرط وضوابط غاية في القوة والدقة، وهذان المبدآن: سيادة القانون، والحرية، لابد من تربية الشعوب عليها، وتثقيفها به، وبناء وعيها عليه، لأنّ أعداء الديمقراطية دائما يحاولون التحايل عليها، وتركيبها تركيب جهل أو رياء، وتحريف وعي الجماهير بها، من قادة يتقنون تظليل الجماهير بالنفاق والخداع والتلاعب بالمفاهيم والألفاظ لتمرير ما يريدون، وكهنة يشكلون حواشي لأولئك القوّاد يزينون لهم ما يفعلون.

     فبناء الوعي على الديمقراطية الحقيقية وجعلها جزءًا من ثقافة الأمة بمستوياتها المختلفة يشكل ضمانًا لحمايتها وعدم الانحراف بها.

    ولا تختلف الديمقراطية الرومانية عن ديمقراطية أثينا كثيرًا في هذه الأمور وإن اختلفا في بعض التفاصيل الدقيقة، ولعل من أبرزها: قيام الديمقراطية الرومانية على التأكيد على القانون وسيادة القانون، وتأكيد الإغريقية على الشعب واختياره ومسؤولياته في ظل الديمقراطية، فهي منه وإليه وبه.

     والإنسان المسلم حين يؤمن بالله (تعالى) ربًا وبالإسلام دينا وبمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) نبيا ورسولا، ويعرف مصادر الإسلام المنشئة والكاشفة، والموحاة وغير الموحاة، يعتبر أن السيادة للشريعة وللكتاب الكريم، وللرسول العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيانه وتطبيقاته واتِّباعه للكتاب الكريم وجماع سنته كلها، ثم تأتي أدلة الاستنباط العديدة، من إجماع وقياس وعرف واستحسان ومصالح … وما إليها، وأدوارها في إيجاد التكامل المطلوب في المرجعيّة، وهنا تبدأ الفروق بين: ديمقراطية يُعتمد فيها على أن الحاكم هو الشعب، وأنّها لا تخرج عن أن تكون حكم الشعب بالشعب وإليه، فهو الذي يضع من القوانين ما يستنبطه، ويستفيده، من مختلف المصادر، ومنها ما هو: عقلي وعرفي، وما إلى ذلك.

     فمركز الدائرة في الأنظمة الديمقراطية –إذن- هو الإنسان، ورؤيته، واحتياجاته، في حين أنّ مركز الدائرة في المنظور الإسلامي هو الحكم الشرعي، بتفسير وتأويل واتباع نبوي، وهذا اختلاف عميق جدًا بين: التوجه الديمقراطي، والرؤية الإسلاميّة.

      وقد يؤوِّل البعض هذا ويقول: بأنّ إرادات الشعوب أو الأمم من إرادة الله (جلّ شأنه) وأنّ الله (جل شأنه) شرع للناس ما شرع في فترات لم يكونوا قادرين فيها على إدراك ما يصلحهم ويصلح شأنهم، أو يفسد عليهم حياتهم، ولذلك كان (جلّ شأنه) رأفة بهم يقوم بمهام التشريع لهم، حتى إذا اكتمل النضج الإنساني وصار العقل الإنساني قادرًا على التمييز بين المصالح والمفاسد، ومعرفة ما تصلح به الأحوال وما يفسدها، واكتشف الفكر المقاصدي صار قادرًا على أن يمارس مهمّة التشريع بالعودة إلى الأصول ودراستها، واستنباط الأحكام منها، وتنظيم حياته بمقتضاها، وعلى ذلك فإنّ من الممكن أن تكون الشريعة مصدرًا من مصادر التشريع إلى جانب العقل والأعراف والعادات وشرائع وقوانين ودساتير الأمم الأخرى؛ ولذلك أخذ بعض علماء “أصول الفقه” بقاعدة “شرع من قبلنا” وقاعدة محكمة” وقاعدة تحكيم “الأعراف” وقاعدتا “الحسن والقبح العقليان” عند القائلين بهما وبما ذكرنا من القواعد وكذلك القول بالمصالح.   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *