Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

التشيّع العلويّ والتشيّع الصفويّ

أ.د/ طه جابر العلواني

“التشيُّع العلويّ” نسبة إلى الإمام عليّ –رضي الله عنه- وتبلور على يديه وهو يحاول إفشال الانقلاب القبائليّ الذي قاده معاوية بحجة الانتصار للخليفة الشهيد عثمان –رضي الله عنه، والانتقام والاقتصاص من قاتليه.

حاول الإمام أن يحافظ على الخلافة الراشدة، ويحول دون سيطرة الطغيان القبليّ والاستبداد العشائريّ، إنّه تشيّع “التوحيد الخالص والتزكية والإخاء والحب والإصلاح والتجديد والمعرفة. إنّه تشيع الانصاف والعدل والشورى والإمامة على منهاج النبوة، والعمل على وحدة الأمَّة والاعتصام بالكتاب ونبذ الغلوّ والتطرّف والنعرات الاستعلائية والقبليَّة المنتنة وسائر الدعوات المفرّقة … وإرساء دعائم القيم التي جاء الإسلام لنشرها …” تلك هي أبرز سمات “التشيع العلويّ” الذي دعا الإمام لمؤازرته ومشايعته على تحقيقه لغرس ما جاء به الكتاب واتَّبعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الواقع. وهو الذي عمل الحسن بعد أبيه على تدعيمه وتنازل لمعاوية لجمع الكلمة بعده عليه. وعليه وعلى حمايته استشهد الإمام الحسين –رضوان الله عليهم أجمعين.

لكن هذا “التشيع” تعرض لعمليات مسخ ودسّ وتشويه قامت عناصر منافقة مدسوسة –كما اندس منافقون في الصف الإسلامي في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ففرّغت تلك العناصر المدسوسة “التشيّع العلويّ” من مضامينه التي ذكرناها، وزادوا فيه ونقصوا منه، وأدخلوا عليه ما ليس منه؛ ليجعلوا منه –بعد ذلك- تشيّعا رسميّا حكوميّا موظّف لدى حكام لا يختلفون كثيرًا عن أولئك الذين حاربهم عليّ وبنوه، وظفوه بدرجة “مُسْتَغَلّ”، حدث ذلك على أيدي “الصفويين” الذين حكموا إيران ابتداءً من القرن العاشر الهجري السادس عشر الميلاديّ.

وذلك حين تقدم واحد من سلالة الشيخ الصوفي “صفي الدين الأردبيليّ” ليستولي على السلطة فيها التي كانت للغزنويين الذين كانوا يعدّون أنفسهم من “أهل السنة”.

لقد كانت “ثورة الصفويين ضد الغزنويين” في حاجة إلى مسوّغات للثورة ووسائل لإيجاد عصبيّة تمكنهم من ترسيخ أقدامهم في السلطة ليحكموا سيطرتهم على إيران بشكل لا يسمح بسقوط حكمهم فحاولوا أن يشيدوا نظامهم السياسيّ على مجموعة من الدعائم النفسيّة والوجدانيّة والعقائدية –”الأيديولوجية”- فنفذوا إلى العقل الشيعي والعاطفة والوجدان والشعور واخترقوها ليصلوا إلى ما يريدون، ويحافظوا على ما كسبوه من سلطان وتأييد، فكيف حدث التحول؟

كان “صفيّ الدين الأردبيليّ” سنيّا على مذهب الإمام الشافعي وشيخا “للطريقة البكتاشيّة”. كان له عدد من الأولاد والأحفاد، وكان من أحفاده إسماعيل بن حيدر بن صفي الدين فأبوه ذو أصول تركية من أذربيجان وأمّه أرمينية.

نجح سنة (907 هـ 1502م) في إقامة حكومة شيعية أعلن انتماءها للمذهب الإمامي الاثنى عشري في حفل لافت للنظر، قد نأتي على وصفه لاحقا في تبريز عاصمة أذربيجان آنذاك.

إنّ القرآن الكريم المجيد قد حضّ كثيرًا على دراسة التاريخ لما فيه من عبر ودروس في تلك الفترة كانت تركيا بقيادة العثمانييّن قد تحولت إلى قوة عظمى في مواجهة الجبهة النصرانية في أوربا الشرقية!!

أما أوربا الغربية فقد كانت في بدايات عصور نهضتها ومع ذلك فقد شكلت الدولة العثمانية تهديدًا حين هددت إيطاليا بالسقوط أكثر من مرة، وحاصرت فيّنا في وسط أوربا واقتحمتها.

لقد تمكن العثمانيون من توحيد مختلف الشعوب المسلمة وجعلت منهم كيانًا سياسيًا وعسكريًا موحدًا استطاعت أن تثأر به إلى حد مّا من الصليبيّين وترد كيد الأوربيّين بحيث صاروا يشعرون “بالخطر الشرقي”- أي الإسلامي وصاروا بدلا من التطلع الأوربيّ الغربيّ الدائم إلى ابتلاع الأمّة المسلمة يخشون الخطر القادم من الشرق على خيول العثمانيين الذين كانوا بقطع النظر عن كل الأخبار التي جرى تناقلها قديمًا وحديثًا عن كثير من حكامهم سدًا منيعًا بوجه المطامع الغربيّة في المسلمين. لقد أذاق العثمانيّون الغربيّين هزائم مازالت آدابهم وتواريخهم متخمة بآثارها، يقول الشهيد علي شريعتي: “… لقد أدخل العثمانيون بطولات المسلمين التاريخ والتراث الثقافي والاجتماعي الغربي حتى صارت بطولاتهم قصصًا وأمثالا في الأدب الغربيّ” [1]

وهنا أرجو أن تسمحوا لي أن أنقل ترجمة ما قاله شريعتي الشيعي الإمامي العلويّ في دروسه في “حسينية إرشاد في طهران” التي جمعت في كتبه، ومنها كتابه المعروف “التشيع العلويّ والتشيع الصفويّ”، فهذا الأستاذ الذي نازل بفكره الإسلاميّ المستنير شاه إيران وهيّأ لهزيمته قبل أن توجه الضربة القاضية إليه على أيدي الثوار يحتاج المسلمون كافة السنّة منهم والشيعة للإنصات لهذا الصوت العلويّ الصادق، الغيور على الأمّة المسلمة كلّها –الصوت الذي لم تعرف الطائفيَّة بكل أنواعها سبيلا إلى صاحبه ففّضلت قتل الرجل وإراقة دمه. اغتيالا في لندن عام 1977م فلم تمهله ليرى شيئًا من آثار جهاده. كان شريعتي لا يرى خلافا جوهريًا بين الشيعة والسنة بل يراهما أعضاء في جسد واحد، هو جسد الأمّة إذا ما تمت مراجعة قرآنية نبويّة لتراث الطائفتين!!        

[1] راجع كتابه التشيع العلوي والتشيع الصفوي” الترجمة العربية، ص7.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *