Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

فيروس الفوضى الخلاقة

أ.د/ طه جابر العلواني

طرحت كوندوليزا رايس (Condoleezza Rice) الوزيرة الأمريكية المدللة المترفة كلمة “الفوضى الخلَّاقة” وهي كلمة خطيرة لو مُزجت بدماء المحيط لغيَّرته، فالفوضى خلط يقوم على خلط، ويولد من خلط، وينتهي بخلط، فهي ظلمات فوق بعض، خلط في خلط في خلط. وهذا الخلط لا ينتج عنه إلَّا مثله، يتربى في رحمه ويولد منه ولا شيء غير ذلك، قالتها وكأنَّها شعار أطلقته لجميع موظفي الخارجية الأمريكان الذين كانت ترأسهم في عهد جورج دبليو بوش (George W. Bush)، تريد أن تقول لهم لكي تعرفوا كيف تعملون في هذا العالم الذي يسمى بـ “العالم الإسلامي” فإنَّ شعاركم أن تدخلوا إليه الفوضى بكل أشكالها فإذا دخلت الفوضى فيه وتغلغلت في جوانب حياته كلها فسوف تنتج نظم جديدة ومؤسسات حديثة تخرج من بين لبن خالص أو مشوب لتكون فرثًا ودمًا ومفخخات ومتفجرات تُبرز لكم في ذلك الجزء من العالم قادة ليس مهمًا أن يُدعَوا لآبائهم أو لأمهاتهم أو كناهم وألقابهم فكلا الأمرين سواء.  

فالفوضى الخلَّاقة قد أبرزت القاعدة في أفغانستان وشاركت في إبرازها مع أمريكا دول عربية وإسلاميَّة حتى إذا فككت روسيا وشفت غليل أمريكا منها مقابل هزيمتها في فيتنام بدأت تفرخ أسماءً ومنظمات أخرى حتى وصل الأمر إلى “داعش”، والفرق بين “داعش” و”القاعدة” أنَّ داعش قررت أن تمتلك أرضًا وتسيطر على أراضي؛ لأنَّ قادة الفوضى الخلَّاقة لا يتفاوضون مع من لا أرض له يسيطر عليها، والآن قد صار لداعش أرضا وحدودا ومجالات حيوية تعلن عليها الحرب كما تعلن على الدول، وهذا ما فعلته فرنسا تشن حربا من الأساطيل: من الجو ومن البر على أراض معينة، وبلدات مدمرة استولت داعش عليها، وتمركزت فيها، ومن يدري غدًا قد يدعوا بان كي مون ( (Ban Ki-Moon أمين عام الأمم المتحدة أو أي “بان” آخر إلى لقاء بين قيادة داعش والحكومة الفرنسية أو أية حكومة أخرى؛ لتبادل الأسرى والتفاوض على بعض الأمور وطلب تعويضات على أمور أخرى، وتنبثق دولة جديدة بعد مرحلة التوحش والفوضى فتُخلَّق الدولة الجديدة، وتبدأ عمليات طويلة عريضة قد تأخذ عقود من السنين في ترسيم الحدود ووضع القيود، ويقال لهؤلاء مجانين الحكم والتسلط خذوا هذا المسخ دولة لكم وسموه بما تشاءون.

الفوضى الخلَّاقة جعلت لفيفًا من الإعلاميين العرب والمسلمين ينحازون إليها، كل منهم ناعق من ناعقين يصرخ دون أن يعرف ما يقول ودون أن يتبين ما يصرخ به فهو يهرف ويهتف بما لا يعرف.

ترى أحدهم وقد سُلطت عليه الأضواء وراء ميكروفونه وهو على كرسيه المثير يزبد ويرعد وينادي بالويل والثبور وعظائم الأمور وينفق من ليالي الناس وأعمارهم ساعتين أو ثلاث لخمسة ليال في الأسبوع دون أن يكسل أو يعجز، فإذا عَصَرت تلك الساعات تجد حوارًا تافهًا لا هدف له إلَّا إثارة الفوضى والاضطراب والتشكيك بكل المسلّمات، وهدم سائر المفاهيم، ووضعها في مهب الريح.

  يجلس أحدهم كمثل الكلب إنّ تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، ينهش في هذا وذاك، تصيبه حساسية مفرطة فيفقد صوابه من كلمة أو حرف أو عبارة لم يألف استماعها، ويا ويل المستمعين إذا فتح فاه وبدأ يقذف مما حوته بطنه على الناس يمينًا ويسارًا، قد تسمعه يشتم مسؤولا، وينتقد آخر، ويذم ثالثًا، ويعبث بآخر لا لشيء إلَّا لأنَّه قال كلمة لا تعجبه، أو أبدى رأيًا يخالف وجهة نظره، وهؤلاء أصيبوا بفيروس الفوضى، وصُبَ في قلوبهم حبها والانفعال بها فيصبّوها في أسماع الآخرين.

إنَّ بسطاء المصريين والعراقيين والسوريين واللبنانيين والسعوديين والخليجيين عاَّمة، يعجبهم أن يعبروا عن أوطانهم ومواطن ديارهم بكلمة بيتنا أو أسرتنا أو آباؤنا وأمهاتنا، ولا يرون في ذلك شيء، لا تعبير عن دين ولا تطرف ولا تعصب، لكن بعض هؤلاء يرون في ذلك -إشارة على الريحة-دليل على وجود تدين في قلوب هؤلاء.

 والشعوب لا تخفي تدينها، وما أرادت وما استطاعت، فينبري إليها هؤلاء ليقولوا لها أمنا وأبونا ألفاظ شرعيَّة علمها الله آدم حين علَّمه الأسماء، فلا يجوز لأحد استعمالها!

 وهم سائرون في طريقهم بالفوضى الخلَّاقة نحو التخلص من التحيزات الدينية، ولم يبق أمام هؤلاء إلَّا أن يحرِّموا على الناس النطق بلفظ الجلالة الله؛ لأن في ذلك انحيازًا للدين وللألوهية، وأظن الشيطان يأنف أن يكون بين هؤلاء فالشيطان نفسه وهو في غمرة انفعاله لم يتخل عن ربوبية الله وتعظيمه له بل أقسم به (جلَّ شأنه)﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾(الأعراف:16)﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾(ص:82). تستبدل بآية الحجر

وهؤلاء لو قيل لهم والله أو بعزة الله أو قال الإنسان ربي، فإنَّهم يتهمونه بالتدين، أو الانحياز إليه أو الانضمام إلى تلك الجماعة أو ذاك.

فأية فوضى هذه التي يدعو إليها هذا النموذج من الإعلاميين ويروجون لها.. قاتلهم الله أنى يؤفكون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *