تتعرض أم المؤمنين عائشة، وكذلك أم المؤمنين حفصة ، للهجوم من قبل الشيعة ؛ يحتجون بما جاء في قوله (تعالى): ﴿ عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾ (التحريم:5) ولم يستطع أحد الشيوخ بارك الله فيه، من الرد عليهم بما يقطع دعواهم من عداوتهما للرسول صلى الله عليه وسلم وأنا أبحث عن التفسير الصحيح.
الجواب:
سأبـدأ بسمـك اللهم فاشهـدْ ومن يبـدأ بذكـر الله يسعـدْ وأثنـي بالصـلاة وبالسـلامِ على المختار سيدنـا محمـد ْ وآل البيت والصحب الكـرام حُمَاة الدين والقـرآن يشهـد ْ وأشكو فرية من صنـع قـوم وبهتان بـه الباغـي يـردِّد بطعْنٍ في التي بَرِئَـتْ بِقًـولٍ من الرحمن في وحـي مؤيـد ْ وطعن في التي الله اصطفاهـا وطهرها لتصبح زَوجَ أحمـدْ وأم المؤمنين وبنت مـن قـد مع المختار في غـارٍ تَعَبَّـدْ ومن نقلت لنا سُنَنَـًا وحُكْمَـًا ومن حملت لنا علمـا تَعَـدَّدْ ومن كانت لخير الناس حِـبٌّ سلوا التاريخ يُنْبِئُكُـم ويشهـدْ ألا إنّ الخسـارة فَقْـدُ دِيـن وسير خلـف أهـواء تُمَجَّـدْ وتسليم العقول بـلا حسـاب لأصحاب العمائم كـي تُبَـدَّدْ فيا عجبا لإِبْـنٍ جـاء بغيـًا تَمَتَّـعَ والـداه فجـاء يَحْسِـدْ ويرمي أمنـا بالإفـك زورا فَشُلَّ لسان من يرمي ويحقـد.
إن الله قد نسب زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنسائه إلى نفسه، كما نسب طلاقهن إلى ذاته العلية، فالله (تبارك وتعالى) بحكمته قد اختار لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أزواجه، ولكرامة رسول الله على ربه فقد تولى (جل شأنه) بنفسه تأديب زوجاته، حين يصيب أي منهن ضعف المرأة التي تحب زوجها، وتغلب عليها نوازعها الإنسانية من الغيرة ونحوها، فكأنه (جل شأنه) تولى كل أمر بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه، ونظم البيت ورتب الواجبات على أهله بنفسه ليهيئ لنبيه الكريم ورسوله العظيم صلى الله عليه وآله وسلم الأجواء المناسبة، وليبين لكل منهن أن وجودها في منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحده مكرمة من الله ونعمة تحسد عليها ولا ينافسها فيها أحد من بني البشر، وبنات حواء، فأي نعمة تحلم امرأة بها أن يزوجها خالقها من نبيه ورسوله وأحب خلقه إليه، ويسكنها معه في منزل واحد تشاهد الوحي ينزل عليه ويطلع، وتشاركه حياته وتكون من أوئل من يستمع إلى الوحي بعده، ويحفظه ويتلوه على الناس، فأعلن أنهن أمهات المؤمنين، فإن كرامة رسول الله على ربه وتجليات أنواره عليهن لا تسمح بأن يكن أزواجا لأي مخلوق بعده، وأي عاقلة يمكن أن تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، ولكن الوجود في بيت النبوة والتمتع بهذه المزايا والنعمة له ثمن لابد للمرأة أن تدفعه، فتكون أمينة على الوحي، أمينة على حامله ومتلقيه، لا تفشي للبيت سرا إلا ما أمرت به، ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴾(الأحزاب:34)، لكن خصوصيات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي يطلب من أي منكن كتمانها يجب أن تحترم ويحافظ عليها سواء أكانت قولا أو فعلا أو تقريرا، وإلا تفقد المرأة التي لا تملك السيطرة على نفسها ولا تستطيع المحافظة على الرسالة وصاحبها تفقد أهليتها للقيام بهذه الوظيفة والوجود في هذا الموقع وسيختار الله لنبيه غيرها، ففي الآية تأديب شديد لنساء النبي، وإنذار أخير لكل منهن، وبيان للمؤمنين بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالرغم من كل ما أمر الله به من حبه وتعزيزه وتوقيره والصلاة والسلام عليه والتعلق به فإنما هو بشر، وأن نساءه بالرغم من وجودهن في بيت النبوة فإن الصفات البشرية قد تغلب على بعضهن فيصيبها ما يصيب النساء الأخريات من الغيرة على أزواجهن حين يغفلن عن أن هذا الزوج ليس كبقية الأزواج وأن زوجته ليست كأحد من النساء، وأن وجودهن في هذا البيت اختيار إلهي، وتكريم رباني، عليهن أن يحافظن عليه، ولا يفرطن فيه بحال، وإلا فإن الله قادر على أن يبدل رسوله خيرا منهن في شئون الدنيا والآخرة.
يكفينا نحن المسلمين أن نأخذ هذا الدرس وهذه العبرة، ونأخذ درس آخر أهم وأخطر، هو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يملك حق التشريع، لنفسه فضلا عن أن يملك ذلك لسواه، فهو لا يحرم إلا ما حرم الله، ولا يملك أن يجعل الحلال حراما ولا الحرام حلالا حتى في أخص أموره، وفي شأنه الإنساني البشري، ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾ (الأنعام:57)، وهكذا تبدو بركة نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجعل الله ما قد يبتلي به بعضهن بابا من أبواب التشريع والرحمة بالناس والفتح عليهم، فهذه الواقعة لا مراء في أنها بينت صلاحية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانحصارها في البلاغ، فالقرآن الكريم خطاب للبشرية كافة، خاطب الله به رسوله والبشرية كلها، فالله دائما هو الذي يقول وهو الذي يشرع، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليه البلاغ المبين، وأنه لو كان بإمكانه أن يبلغ شيئا ويكتم شيئا آخر لكتم هذا الأمر، ولكتم الأمر الآخر الذي قال الله له فيه: ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ (الأحزاب:37) فعليه الصلاة والسلام كان يدرك تمام الإدراك أن عليه البلاغ المبين، حتى لو كان جارحا له، أو يحمل إنكارا عليه، أو تأديبا له، ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ (النحل:35)، فالواقعة التي معنا تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الشارع هو الله، وأن الرسول يتلقى الشرع ويبلغه، ويشرع الله له في كل شيء، حتى في شأن بيته وعواطفه ومشاعره والجانب الإنساني من حياته.
وكيف يشرع والله (جل شأنه) يقول له: ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ﴾(الإسراء:73-75).