Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

ظاهرة رجوع الأصوليين للقرآن الكريم في نهاية مراحلهم البحثية والعلمية

-لماذا في التاريخ تجد أكثر الأصوليين:كالرازي والغزالي والجويني والباقلاني… وفي عصرنا الحالي أنتم والشيخ الزحيلي والبوطي وأبوغدة وعبدالكريم زيدان.كلكم بعد خوضكم غمار أصول الفقه والفقه والعقيدة….. تجعلون مراحلكم في النهاية القرآن والدراسات القرآنية….ما سبب هذه الظاهرة يا شيخنا الحبيب؟

الجواب:

أصول الفقه علَّمتنا فنون الرياضيات الذهنية، فما من قاعدة أو تعريف أو دعوة تطرح إلا ويفترض أنها مطروحة بين مستدل ومعترض، وطالب الأصول أحيانا يقوم بدور المستدل وأحيانا أخرى بدور المعترض، وتتغير المواقع في اليوم والليلة عدة مرات بحسب ظروف التعليم والتعلم، فهو يستدل لشيء ويعترض عليه بعد أن يقرره ويستدل له، وقد يخيل لمن يسمعه أنه هو رأيه ومذهبه وما يتبناه، فإذا جاء إلى وقف المنع والاعتراض تبدل الأمر وتغير، ونسف كل ما كان يستدل به وهو مستدل وهدمه، مقدمات ونتائج، فإذا جاء إلى التعريفات أو الحدود والرسوم تجده يقف عند الكلمة والنقطة والحرف، ويناقش ويستدل ويعترض كذلك، حتى إذا أسقط التعريف عاد وبناه من جديد بشكل قد لا يختلف كثير عن ذلك الشكل الذي نقضه قبل قليل، وإذا جاء إلى الفقه وتطبيقاته فعل في الفقه المقارن شيئا قريبا من ذلك، فمرة يتبنى هذا المذهب ويستدل له ويقويه حتى يظن سامعه أن ذلك هو مذهبه لا مذهب له غيره ثم يكر عليه بالهدم والدفاع عن المذهب الذي كان يهدم به قبل قليل، ويسمي ذلك فقها مقارنا، وإذا ابتلي بمنصب إفتاء أو نحوه تراه يتخير وينتقي وقد يجتهد بحجة أن العامي لا مذهب له، بل مذهبه مفتيه.

 هذه التغيرات والتقلبات والمواقف قد تليق بمرحلة الشباب، والسنوات الأولى من الكهولة، فإذا طعن في السن واقترب من الدار الآخرة يشعر بأن ما كان فيه أضاع فيه وقتا كثيرا فردد:

نهاية إقدام العقول عقال ** وآخر سعي العالمين ضلال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ** سوى أن جمعنا فيه قيل وقال

وكم من جبال قد علت شرفاتها ** رجال فزالوا والجبال جبال.

وصار على قناعة بأنه بعد أن مر بكل تلك المراحل وأضاع نفائس الأوقات وزهرات الأعمار ليته أنفق ذلك كله في تدبر القرآن وخدمة القرآن ودراسة القرآن، ففيه الصفاء والنقاء، والحكمة والقول الفصل، لا يزيغ من اتبعه ولا يضل من اهتدى به، ومتدبره في مأمن من السقوط في الضلال والانحراف، حتى لو وقع في خطأ ما في الفهم أو التدبر أو التفسير أو التأويل، إضافة إلى عائد ذلك التدبر على القلب والوجدان والعقل، فأقول عن نفسي الآن أنفقت في تحقيق المحصول للإمام الرازي ما يزيد عن ست سنوات من عمري، لو أنفقتها في كتاب الله (جل شأنه) لجئت بخير كثير، قد يستوعب المحصول ويتجاوزه.

 فمن هنا تجد هذه المشاعر عن الآخرين كما هي عندي، فأنا أحاول أن استدرك ما فات، وأعوض ما ذهب، وأترحم على أساتذتي الذين شغلوني بغير القرآن عنه، وكم أتمنى لو أن لي بالقائمين على مؤسسات التعليم النقلي والشرعي قوة لتحويلهم نحو الدراسات القرآنية بدلا من تشقيق المسائل وتفريع المداخل، ومناقشة التعريفات والرسوم وفقا لمنطق أرسطو الذي لم ينهض العالم الغربي إلا بعد تخليه عن ذلك المنطق، ونبذه له، وما يزال الأزهر وغير الأزهر مشغولا بهذا المنطق، متن السلم، وشرح الخبيصي على السلم، وحاشية العطار والأخضري، وإيساغوجي وشرح إيساغوجي، وما إلى ذلك، فأين ذلك كله من سور القرآن المعدودة، وآياته المرقومة، مع الإحاطة بكل شيء، وجلاء العقول وتطهير النفوس وطمأنة القلوب؟ فلعلي أجبتك وشفيت غليلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *