– أسعد الله أوقاتك فضيلة الشيخ د.طه العلواني..
أردت مراجع تخدم بحث بعنوان ( القواعد الأصولية الضابطة في فقه الأقليات)
بارك الله فيكم وفي علمكم
الجواب:
فقه الأقليات كان المتقدمون يعبّرون عنه بفقه النوازل، ولذلك تجد مؤلفات كثيرة في نوازل أهل الأندلس، نوازل أهل قرطبة إلخ، فحين يتحول المسلمون إلى أقلية لأي سبب من الأسباب حتى لو كان أكثرية في بلد ثم صاروا أقلية نتيجة حروب أو نحوها فإن ذلك يأخذ بالمفتي والمجتهد لمثل هؤلاء الناس إلى ميدان الفتوى أو الاجتهاد لأقلية مسلمة في بلد أكثريته غير مسلمة، لا تقوم نظم حياته على الشريعة، فليلجأون إلى قواعد الضرورات، وقواعد رفع الحرج، وقواعد اختلاف الدار، وما إلى ذلك، بالنسبة لي حين فرضت علي الظروف أن أشتغل في فقه الأقليات رأيت أن هذه القواعد تجعل الإنسان المسلم الذي يعيش بين أقلية في أمريكا أو أوروبا أو الصين أو اليابان يشعر بنوع من الدونية، بالإضافة إلى قلة العدد التي تحول بيه وبين الحصول على مراكز أو مواقع مهمة ومؤثرة في البلد ينظر إلى نفسه دائما على أنه قليل، وبالتالي فإنه يرى نفسه ضعيفا فيسيطر الخوف عليه، ويؤثر في طاقاته وتفتح قدراته، وينكمش، فيظل يعيش على هامش تلك المجتمعات، فكان لابد لي من اللجوء إلى قواعد أصولية أخرى غير قواعد الضرورات واختلاف الدار وما إليها، وهنا جعلت الأصل والمصدر المنشئ لأحكام فقه الأقليات الكتاب الكريم، وخاصة كليات القرآن المجيد، التي من شأنها أن تحرر الفقيه أو المجتهد من كثير من القواعد الأصولية التي أصلها علماء الأصول في القرن الرابع وما تلاه، وإذا كان لبعضها ورود في القرون السابقة وجرت ببعضها ألسن قراء الصحابة فذلك كله لا يجعلها تقدم على أنها كانت في عصر التنزيل وتلقي القرآن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلذلك لجأت إلى هذه القاعدة، محاولا الكشف عن أحكام الوقائع في الكتاب الكريم، وفي الهدي النبوي بعامة سنة وسيرة أقوالا وأفعالا وتقريرات وما إلى ذلك، فالقاعدة الأولى أن لا نجعل الأقلية في بلاد غير المسلمين تعيش منفصلة عن القرآن الكريم وشرعته ومنهاجه، بل نحقق نوعا من التلاحم بالقرآن الكريم، باعتباره المصدر المنشئ للأحكام والكاشف عنها، فمثلا قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (البقرة:29)
فهي دليل على أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد دليل محرم، والدليل المحرم لا نقبل فيه إلا دليلا قطعيا يصلح للاستثناء أو التخصيص للدليل القطعي الذي لدينا، كذلك كونه ﴿خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ إذا ضممناها إلى قوله تعالى:﴿ .. لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا .. ﴾(المائدة:48)، فمنكم هنا وموقعها في الجملة فيه تنبيه إلى الاجتهاد، سواء في تفسير النصوص أو الاستنباط منها أو في اقتراح الحكم، فسنخرج من هذه بضرورة ملاحظة كل ما يحيط بالأقلية المسلمة في بلاد الأكثرية غير المسلمة من تحديات بحيث تصاغ القواعد الفقهية التي تحكم هذه الجماعة بدراسة ظروفها المختلفة والتحديات التي تواجهها وسائر القضايا المؤثرة في نظر الفقيه أو المجتهد.