Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

النهوض يبدأ بتصحيح مناهج الفكر والعودة للجذور

“جريدة الخليج”

29/10/1993م

رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي

النهوض يبدأ بتصحيح مناهج الفكر والعودة للجذور

نزع القدسية عن الاجتهاد من ضرورات الإحياء:

ابتعدت الأمة الإسلامية كثيرًا عن منهج الفكر الإسلامي.. وتخلت عن عقيدتها إلا في أمور العبادة فقط.. وتداعت عليها الأمم تنهش فيها وتفرض عليه تجاربها في السياسة والثقافة والعلوم والفنون والآداب.. فذاقت الأمة مرارة التمزق وضياع الهوية وأصبحت تمر بفترة من أصعب الفترات.. ومن هنا كان لا بد من التغيير.. ولكن يبقى السؤال الهام: من أين يبدأ التغيير؟ وعلى أي أساس يتم تصحيح مناهج الفكر لدى المسلمين؟ وهل “اليقظة الإسلامية” الحالية تصلح كنقطة بداية؟ وأخيرًا ما الدور الذي يلعبه المعهد العالمي للفكر الإسلامي للإجابة عن هذه التساؤلات خاصة وأنه قد أخذ على عاتقه مهمة إصلاح مناهج الفكر لدى المسلمين؟

هذه التساؤلات وغيرها كانت محور حديثنا مع المفكر الإسلامي الدكتور طه جابر العلواني رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن وأحد المفكرين البارزين في هذا المجال.

أهمية التغيير الفكري:

يتفق الجميع على أن الأمة الإسلامية تمر بمرحلة صعبة من التمزق والتفكك وضياع الهوية وانهيار المؤسسات كما يتفقون أيضًا على أن التغيير؟

بعد فترة صمت قصيرة قال الدكتور العلواني: لقد ذاقت الأمة الأمرين من إخضاعها للتجارب الأجنبية ومحاولة تطبيقها قسرًا على مدى أكثر من قرنين.. ولقد قلدت خلال هذه المدة تجارب الآخرين في السياسة والحكم والثقافة والإدارة والآداب والاجتماع والعلوم والفنون ولكنها اكتشفت أنها ما زالت تدور في مكانها واتسعت الفجوة بينها وبين الأمم الأخرى.

ومن خلال التأمل الطويل في هذا الأمر.. وبعد تقويم هذه التجارب تقويمًا دقيقًا أمينًا وموضوعيًا، أرى أن النقطة الصحيحة في عملية التغيير يجب أن تبدأ بالفكر لأن الفكر هو المقدمة الطبيعية لكل عمل ينبع منه صحيحًا كان أم خاطئًا.. ومعنى ذلك أن الفكر الصحيح هو الذي يوجد النهضة الصحيحة وهو الذي يأخذ بيد الأمة للخروج من أزمتها الخانقة وإقالتها من كبوتها ولما كان الإسلام هو الذي يشكل للأمة الإسلامية الفكر الأساسي الصحيح ويمثل روح الأمة ويوقد فيها الطاقة المحركة القادرة على الإبداع والتصدي والمقاومة والعطاء.. فإن الفكر الصحيح هو بالضرورة “الفكر الإسلامي” وقد عالج المعهد هذه القضية في كتاب أصدره بعنوان “أزمة العقل المسلم” للدكتور عبد الحميد أحمد أبو سليمان.

أنتم بذلك ترون أن القضية الفكرية هي أهم القضايا التي يجب البدء بها؟

الذي لا مراء فيه هو أن القضية الفكرية قضية أساسية شديدة الأهمية بإجماع مفكري الأمة ثم أن وضعها في المقام الأول لا يعني إلغاء القضايا الأخرى التي لا بد من توافرها جميعًا من أجل الوصول إلى نهضة صحيحة تقوم على أساس الإسلام كما أنه لا ريب في تصحيح مناهج التفكير والعودة إلى جذور الأمور والانتقال من الجزئي إلى الكلي ومن ظاهر المشكلة على حقيقتها وبناء القواعد العامة والضوابط الكلية وتصحيح المنطلقات وفق هدى الإسلام هو الضمان الحقيقي الذي يجعل عملية التغيير الفكري عملية صحيحة ناجحة تضع الأمة به أقدامها على بداية الطريق الصحيح.

اليقظة الإسلامية:

يمتلك ديننا الحنيف القدرة على التجديد والنهوض رغم ما يعانيه المسلمون من صعاب هذه القدرة يترجمها البعض بلفظ “اليقظة الإسلامية” فماذا يعني هذا اللفظ لديكم؟

أجاب د. طه العلواني قائلاً: لقد شاءت الإرادة الإلهية لهذا الدين أن يحتل من مراتب الشرف أعلاها ومن معاني الخير والحق أسماها ولقد شهدنا في العقدين الأخيرين “يقظة إسلامية” شملت بقاع العالم الإسلامي بل تعدته إلى مناطق وجود الأقليات المسلمة في العالم تسري بوادر الحياة والحركة في جسده وتقيم مساجدها ومراكزها في عواصمه ولا غرو ولا عجب في ذلك، فكما انبلج فجر الهدى المحمدي وسط ظلام جاهلية العرب وانسابت وسط الصحراء المقفرة جداول الغيث الرباني نرى اليوم منائر الحق ترتفع شامخة في سماء الشرق والغرب على سواء والحق يوطن قديمه على أرض صلبة لا تلين.

ولقد طفقت الجماعات الإسلامية المتعددة تنظم جهودها وترص صفوفها وتعد برامجها وتصوغ مشاريعها داعية إلى الله بالكلمة والقلم والساعد والروح.. بيد أن هذا الخير لم يخل من بعض الإصابات والانحرافات والأخطاء التي شوهت شيئًا من الصورة وألحقت غبشًا في بعض الرؤى فاختلطت بعض الأمور أمام الأمة واختلت مقاييسها وموازينها وغابت منطلقات أساسية في مشروع بعثها الحضاري.

وما الدور الذي يلعبه المعهد العالمي للفكر الإسلامي في هذا الشأن؟

المعهد يتابع هذه المسيرة ويحاول في الوقت نفسه أن يسهم في تسديد الخطى وتقويم مسيرة العمل وبيان مواطن الإصابة وأسباب الخلل وينبه على ضرورة المسارعة في العلاج ويدعو إلى إحياء جديد قوامه المراجعة والمناصحة والتصويب لا مجرد البحوث الأكاديمية التي تصدر على شكل بحث أو مقال أو كتاب ذلك أن الحركة الإسلامية بالنسبة له ليست مجرد مادة ومحلاً للبحث العلمي والدراسة الأكاديمية والاهتمام بها لا يقف عند حد اهتمام المفكرين والفلاسفة والمحللين الاجتماعيين بظاهرة اجتماعية أو سياسية أو دينية وإنما يعتبر نفسه عضوًا من أعضاء هذا الجسد الكبير ينفعل بانفعالاته ويتألم بألمه، غير أن عمليات المراجعة والنقد والتصويب والتقويم اليوم تبدو وكأنها أمر جديد على الحركة الإسلامية حتى أصبحنا نجد بعض شرائح العمل الإسلامي يزعجها النقد والتقويم إذ تعتبره تجريحًا وتهجمًا وتشهيرًا.

وحتى الشرائح التي أدعت إدراك أهمية المراجعة وترحمت على من أهدى إليها عيوبها.. نجد أن قولها شيء وممارستها شيء آخر فما أن يوجه إليها نقد أو تساؤل حتى ترى أعضاءها يرفضون قبوله أو إعادة النظر فيما هم عليه، ويكون كل جهدهم أن ينفوا الخطأ ويتهموا المنتقد في نيته فيحرمون بذلك أنفسهم والأمة من تجارب الماضي وخبرات الحاضر في محاولة لاستئناف البناء من حيث انتهى الآخرون.

تجديد الفهم:

ولكن ماذا قدمتم من نقد حقيقي لو مراجعة حقيقية للحركة والعمل الإسلامي ولمسيرة الأمة عمومًا؟

قال: إن عملية “المراجعة” في حقيقتها هي جزء أساسي من العمل على تجديد أمر الدين الوارد في الحديث الشريف “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”(رواه أبو داود في الملاحم) والتجديد هنا لا يعني التغيير لمبادئ الدين كي تواكب التطور لك التجديد هو تجديد الفهم له، والإيمان به وتنزيل تعاليمه في ضوء ظروف المجتمع والمشكلات التي يعاني منها والتجديد يعني محاولة العودة به على ما كان عليه يوم نشا وظهر وإزاحة ما تراكم عليه بحيث يبدو كأنه جديد وذلك بإبراز ما خفي وترميم ما بلي ورتق ما انفتق حتى يعود اقرب ما يكون على صورته الأولى.

وهكذا فعملية المراجعة في أساسها نفي للخبث ونزع لنابته السوء وخلاصتها إعادة بناء الإسلام بصورته الأصلية الناصعة والمعهد في هذا الإطار على سبيل المثال قدم كتابًا بعنوان مراجعات في الفكر والدعوة والحركة لعمر عبيد حسنة وعددًا من الدراسات التقويمية آملاً الإسهام في تقديم بعض ما تحتاجه الأمة من مراجعات تتناول الإنتاج الفكري الإسلامي بالتحليل والدراسة والبحث والتقويم والتصويب والمراجعة في محاولة لتأصيل مناهج التفكير السليم وفتح المجال أمام الحوار والمناقشة والتداول والتفاكر الجاد والمخلص الهادف.

توجيه العقل المسلم:

وما الخطوات التي تنوون العمل على تحقيقها في إطار هذه المراجعة؟

نأمل في توجيه العقل المسلم إلى أهمية دراسة نواميس الكون وسننه وشروط قيام الحضارات وانهيارها ورسم معالم العلاقة بين الوحي والعقل وبيان الآثار الوخيمة التي لحقت بالأمة من جراء اختلال المعادلة بين قيم الوحي الخالدة ومدارك العقل. فالحضارة الإسلامية هي الوحيدة التي استطاعت ولا تزال قادرة على حل المعادلة الصعبة بين معارف النقل ومدارك العقل حيث اعتمدت العقل وسيلة وندا للمعرفة الدينية.

كما ندعوا إلى تدريب العقل المسلم وتمرينه على الحرية في التفكير وتخليصه من عقدة الخوف من الخطأ والتأكيد على أن المولى عز وجل لم يثب على الخطأ إلا في حالة الاجتهاد الفكري “إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر” (رواه البخاري)، وندعوه أيضًا إلى قبول الرأي الآخر والأخذ والرد. والتأكيد على أهمية نزع القدسية عن الاجتهاد والفهم البشري وتسويته بالنص الديني المعصوم فكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- ذلك أن إنتاج فكر معين في عصر معين لا يغني عن ضرورة الإنتاج لفكري المتجدد والاجتهاد المستمر في كل عصر ومكان بهدف تجسيد العلاقة بين قيم الوحي الموحاه وواقع البشرية المعاش لتكون برهانًا عمليًا على خلود دعوة الإسلام وربانيتها وعالميتها وشمولها وصلاحها لكل زمان ومكان.

وكيف يمكن إنهاء حالة التمزق الفكري التي تعيشها الأمة الإسلامية اليوم؟

بعد حرب الخليج وصور التبعثر والتمزق والانفراط والسقوط الهائل لكثير من (الايدولوجيا) والأفكار والشعارات فإن الأمر يستدعي مزيدًا من الدراسات المعمقة لأسباب الإصابات وكيفية تدارك وإعادة تشكيل العقل المسلم خاصة وان الاستعمار الحضاري والغزو الفكري والاستلاب الثقافي قد لبدت سماء الأمة الإسلامية فأمطرت مطر السوء على الأرض المجدبة فنبت لفيف من الأقوام المتصارعة المتدابرة وأصبح العقل المسلم غير قادر على تمييز الحق من الباطل وتمزقت الأمة فتداعى عليها الأكلة من كل جانب.

والناظر في الأفق ليلمح وجوه جيل مسلم جديد قادم ينهل من تراث الأنبياء يعض عليه بالنواجذ يقيل العثارى ويفيد من التجارب ويقوم خططه وخطواته ويكون شعاره قوله تعالى: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود:88).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *