الفقيه والمفكر الدكتور طه جابر العلواني في حواره مع إسلام أون لاين. نت (2)
مراجعات الجهاد تحمل المنهجية والأدوات السابقة
حوار- إسلام عبد العزيز فرحات.
في حلقته الثانية يأتي هذا الحوار الذي يؤكد فيه الدكتور طه جابر العلواني –رئيس المجلس الفقهي لأمريكا الشمالية سابقا، ومدير المعهد العالمي للفكر الإسلامي –على مجموعة من الأخطاء ارتكبتها جماعات العنف في البلاد الإسلامية.
العلواني تحدث عن أن رموز جماعات العنف وأفرادها لم يكونوا مؤهلين مطلقًا لقراءة القرآن واستنباط الأحكام منه، مشيرًا إلى خطأ ما أسماه القراءة الأيدلوجية للقرآن الكريم، “بمعنى أن تأتي للقرآن بفكرة معينة، محاولا استنطاق القرآن بما يؤيد تلك الفكرة”.
وأوضح العلواني أن من أكبر الأخطاء التي وقعت فيها تلك الجماعات كذلك هو استدعاؤهم للتراث الفقهي وتنزيله على الواقع والحكم به على الوقائع المستجدة، دون امتلاكهم مؤهلات فهم هذا التراث.
واعتبر العلواني أن استدعاء تلك الجماعات بعض أحداث السيرة والحكم بها على الواقع هو “أكبر خطيئة ارتكبها قياديو الجماعات الإسلامية”، فقد ألغوا بها “الفوارق بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطوا أنفسهم الحق في أن يتصرفوا كتصرفاته”.
ولعل أهم ما أشار إليه العلواني في هذا الحوار هو تأكيده على أن سيد إمام “لم يتراجع عن فقه ولا تراجع عن قواعد ولا اكتشف أنه مخطيء، هو لا يزال سالكًا نفس الآليات والمنهجية، ولكنه يقول بالاستضعاف”. مؤكدًا أن قوله بالاستضعاف وترتيبه أحكاما عليه هو منتهى الانتهازية ومنتهى الإساءة إلى المنهج الإسلامي.
وفي الحوار تفاصيل أخرى …
القراءة الأيديولوجية للقرآن
*عودة إلى ما قررته فضيلتك من حاكمية القرآن الكريم بقراءة بشرية، تبرز هنا إشكالية الاجتهاد في قراءة القرآن، وخصوصًا مع ارتباط تلك القراءة بالدماء والأموال التي لها حُرمة في الإسلام، السؤال الملح: هل تتسع رقعة ضوابط هذا الاجتهاد؟ وهل يمكن أن يقرأ النص بأكثر من قراءة، تبعا لطبيعة القارئ واختلاف الظرف والحدث؟
-دعني أؤكد لك بداية أن القرآن الكريم قد أودع الله (عز وجل) فيه إعجاز نظم وأسلوب، ومنهج سياق، ومداخل للقراءة، ولذلك “رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه”.
فمنهج قراءة القرآن لا بد فيه من الجمع بين القراءتين، فهو أُنزل ليكون كتاب استخلاف، يُعلمنا كيف نمارس الخلافة في الأرض، وبلا تشبيه، مثله مثل أن تشتري سيارة أو ثلاجة ويعطوك معها “كتالوج”، فالقرآن “كتالوج” للكون كله، يعلمك كيفية السير فيه، وكيفية تحقيق مهمتك الاستخلافية بالشكل الملائم، الذي يحقق غاية الحق من خلقك.
لذلك لا بد من الجمع بين القراءتين، قراءة الكون والواقع وفهمها فهما جيدًا بأقصى ما تستطيع، وتدخل إلى القرآن الكريم في إطار ذلك السقف لتستنطقه، وترجع بعد أن تقرأ القرآن إلى الكون مرة أخرى، فلا بد من هذه القراءة المتبادلة حتى تصل إلى الفقه، لا يمكن أن يقرأ أحد القرآن ليستخلص منه الفقه دون الجمع بين الاثنين؛ لأن القرآن يعالج حركتك في الكون ويعلمك حركة الكون والقوانين والسنن التي تحكم هذا الكون، فلن تحسن القراءة إلا إذا أدركت ذلك، ولذلك أول ما أنزل: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ (العلق:1-2). وضع الخلق في البداية، قراءة الخلق كله، نفسك أولا ثم الكون.
ثم بعد ذلك يأتي أمر غاية في الأهمية وهو وحدة القرآن البنائية، أكبر خطأ ارتكبناه في تعاملنا مع القرآن حينما فصلنا الآيات في القرآن، لنعد آيات الأحكام في القرآن، بعضنا قال 240 وبعضنا قال 340 وبعضنا قال 500 إلى آخره، في حين أن الإمام الشافعي قال: “ألا وإن في الأنفال أحكاما كثيرة” .. أئمتنا الكبار .. الفارسي مثلا أُثيرت أمامه قضية أن هذه الآية ذكرت المبتدأ ولا نعرف أين الخبر، فقال لهم الخبر بعد صفحتين من القرآن؛ لأن القرآن له أسلوبه المتميز، له عاداته في التعبير، أحيانا يكون عندك نص مضمر يجب أن تبحث عنه، فإذا قرأت القرآن عضين ضللت وأضللت، لكن عليك أن تقرأه في وحدته الكاملة، فحين تواجه مشكلة تقرأ من الفاتحة إلى الناس وتكتب ملاحظاتك، ويمكن ألا تصل للكثير من القراءة الأولى، فتقرأ ثانيا وثالثا ورابعًا إلى أن تدخل في جو القرآن، وتكون قد عرفت المواقع التي فيها اتصال مباشر في موضعك، فتصنف الآيات لمستويات حسب إتصالها، وليس لأي أحد أن يقرأ القرآن لاستنباط الأحكام، الفرد يأخذ 22 سنة حتى يتخرج من الجامعة ومثلهم ليعرف كيف يتعامل مع القرآن.
* بعض الجماعات التي مارست العنف مثلا كانت تستند إلى قراءة للقرآن: ﴿ .. وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ ..﴾ (المائدة:44)، هل تتعدد القراءات؟
-هذا لا أسميه تعدد قراءات، ولكن أسميه قراءة أيديولوجية، هذا أصلا لا يصلح لقراءة القرآن، إذا أتيت القرآن بتراث محمل من خارجه لتستنطقه فسوف تضل في فهمه وفي قراءته، وإذا جئت القرآن مجردًا من كل شيء وقلت للقرآن علمني مثلما كان الصحابة يأتون إلى الرسول فيأتي القرآن يعلمهم.
الفارق بين عصر النبوة وعصرنا أننا نواجه أسئلة الواقع ونستنطق بأجوبتها القرآن، أما في عصر النبوة فكان القرآن ينزل بالجواب على الناس، نحن ننزل السؤال على القرآن ونأتي بالإجابة؛ فلذلك يكون عبؤنا أكبر، لا بد أن نقرأ القرآن كله، نظمه وأسلوبه وسياقه ووحدته البنائية ومداخل القيم ومداخل الغيب والشهادة، كل هذه الضوابط هي محددات منهجية من داخله، حتى أتقدم إليه وقد درست الواقعة وصغتها في سؤال أبحث عن إجابته في القرآن، ولا أمل من قراءة القرآن، وساعة ما يخالطني اليأس فقد انتهت العلاقة بيني وبين القرآن، المطلوب الكشف عن المنهج القرآني وهو ما ينقصنا الآن.
القراءات التي نتحدث عنها قراءات مسبقة وأيديولوجية، وجل فقهائنا عبر العصور قرءوا القرآن بهذه الطريقة، أعني أن يصوغ القضية الفقهية خارج النص، ثم يأتي للنص ليعضد قضيته، فأصبح النص شاهدًا وليس منشئ الحكم.
مثلا الإجماع في أصول الفقه والقياس، والقصة المشهورة أن الإمام الشافعي سئل ما الدليل من الكتاب على الإجماع، فاعتكف 3 أيام يقرأ القرآن حتى وصل ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا﴾ (النساء:115). إن صحت هذه القصة أن الإمام الشافعي قال بحجية الإجماع بغير دليل، وعندما طولب بالدليل ذهب ليأتي به.
والدليل على القياس من القرآن ﴿.. فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾(الحشر:2).
لا سياق ولا مراعاة للنظم فكيف تجعلها دليلا للقياس بدون علاقة بين النص الذي وردت فيه وبين الموضوع.
معنى ذلك أن أصوليينا وفقهائنا اتخذوا القرآن شواهد معضدة لما يذهبون إليه من قضايا فقهية، تبعا للقواعد الأصولية التي أسسوها، ولذلك تجد حتى في القواعد الأصولية معظم الاستشهادات التي تأتي من السنة بأحاديث ضعيفة، والاستشهادات التي تأتي من القرآن لا تجد دلالة مطابقية مع ما يذهبون إليه، ولهذا نحن في أزمة حقيقية، البداية لا بد أن يكون منشأ الأحكام من القرآن الكريم؛ لأنه المصدر المنشئ للعقيدة، ومعه السنة الصحيحة الثابتة، وهي الاتباع والتطبيق للأحكام التي تأتينا من أتباع القرآن وتطبيقه وتحويله لواقع نعيشه.
حاكمية الفقه!
*على ذكر التعامل مع القرآن، هناك مشكلة أخرى وهي التراث .. تراث الفقهاء بما يضمه من مصادر كثيرة، وعملية تنزيل هذا التراث على الواقع، من هو المؤهل لذلك؟ وما آليات هذا التنزيل؟
-أنا فقط أريد أن أسأل بعد هذا العرض وقبل الإجابة على هذا السؤال: هل نحن الآن متفقون على أن الإخوان تجاهلوا حاكمية القرآن وتجاهلوا ختم النبوة كما قلنا قبل ذلك؟ وأقصد هنا الإخوان في تنظيم الجهاد وغيره من جماعات العنف …
نتفق أنهم تجاوزوا حاكمية القرآن لحاكمية الفقه والفقهاء، تجاوزوا عملية ختم النبوة واعتبروا المد مفتوحا لينتقل من النبوة إلى فقه الفقهاء؛ لأن هذه الأمَّة مرت بثلاثة أجيال، جيل تلق مباشر للقرآن الكريم على يد الرسول الكريم، وجيل جمع الروايات لتكون منهجا بديلا عن سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعد التحاقه بالرفيق الأعلى، ثم جيل الفقه.
الجيلان الأولان تجاوزوهما إلى جيل الفقه، واتخذوا من القرآن والسنة أدلة معضدة لما يذهب الفقهاء إليه، سواء استدلوا به أم هم يستدلون للفقهاء الذين تبنوا أقوالهم، وقد أخذوها خارج سياقها في غير وحدتها البنائية، مع عدم وجود إيمان بحاكمية القرآن الكريم ولا ختم النبوة، وفي وجود أدوات ضعيفة تعتمد على نسج بعض القواعد الأصولية بالطريقة الانتقائية، حتى على مستوى الأحكام الفقهية لم يأخذوا فقها كاملا ولم يتبنوه، لم يأخذوا فقه إمام من الأئمة وقالوا نحن نتبع هذا الإمام .. قاموا بعمليات انتقائية وبجولات في الفقه بمراحله المختلفة في مراحل الاجتهاد، وفي مراحل ركوده، وفي مراحل منع الاجتهاد، وفي مراحل التقليد، ينتقون منه ما يشاءون في عملية عشوائية لا تعتمد على أي منهج أو دليل، فقط تستجيب لأيديولوجية تبنوها، وتعزز الأهداف التي يريدونها.
*هل نعتبر ما قلته فضيلتكم عن آلية قراءة القرآن يمكن تطبيقه في آلية استدعاء التراث، يعني ابن تيمية الذي قلت عنه فضيلتك إنه مظلوم يفهم كلامه خارج السياق التاريخي الذي عاش فيه، نريد أن نضع آليات محددة يتم من خلالها استدعاء التراث، ومن له الحق أولا، وما هي الآليات التي يتخذها لفهم حقيقة هذا التراث؟
-أولا يجب أن نفهم أن التراث الفقهي بصفة خاصة لا يمكن أن يعمم .. لماذا؟ لأن الفقه يقوم على وقائع حال ووقائع عينية، الفقيه حينما يتكلم في قضايا فكرية يستند في الغالب على وقائع حال ووقائع عينية، وهو ابن عصره، ففقيه القرية يتأثر فقهه بالقرية وحالها وأزماتها وظروفها، وابن المدينة كذلك.
الفقه مرتبط بالزمان والمكان ارتباطا وثيقا للغاية، فعندما تنقل القول الفقهي من عصر لآخر فإن أول شرط تستحضره هو الفوارق بين هذا العصر وذاك، وابن القيم –رحمه الله- يقول: “المفتي الذي يفتي إنسانا قبل أن أن يعرف من أي بلد جاء فهو مخطيء حتى لو أصاب”.
إذًا المفتي إن لم يستطع أن يدرك أن فقه فلان قد تأسس في ظل الظروف المعينة، ووفقا للأدلة المعينة فلا يمكن أن يستخدمه، ولهذا الفقه الشافعي في بغداد غيره فيما وراء النهر غيره في مصر وهكذا، فقه الحنفية وهي مدرسة واحدة في المغرب وتونس غير فقه الحنفية في بغداد وإيران.
الشرط الأول عندما تعالج قولا فقهيا قديما تجيب به عن مسألة معاصرة يجب تحديد الفارق الزمني والثقافي والمكاني، وحتى تعرف حينما أفتى ما هي مداركه ومصادره، وما مآلات الفتوى، قد تكون ظهرت مآلات أخرى وأنت لم تلتفت إليها، فليس لك أن تأخذ به هكذا دون نظر هذا شرط.
الشرط الثاني أن تعرف الأدلة وكيف تعامل بها ذلك الفقيه، هل كان استدلاله صحيحًا؟ هل كانت أصوله سليمة؟ هل كان فهمه ملائما أو لا؟ التعليل إذا كان ما قاله استند فيه إلى تعليل ما، هل الواقعة التي عرضت لك وتريد الفتوى فيها تحمل نفس العلة أم مختلفة؟
الفقه نسبي يرتبط بالزمان والمكان وثقافة المجتهد ومرجعيته والظروف، فلا تستطيع أن تنقل فتوى من عصر لآخر، ولكن يمكن تسميتها سابقة فقهية، فتجتهد أنت تبعًا لعصرك مستحضرًا تلك السابقة الفقهية.
هذه الشروط ليس للفقيه المعاصر أن يتجاهلها وينقل القول مجردًا، فالضابط الأول أن ينظر كيف قاله ولِمَ قال، والسؤال ومآلات الفتوى، والأمر الثاني أن يعرف العصر وأن يعرف كيف استدل وأي الأدلة استخدم ويناقش التعليل، فإذا وُجدت هذه الشروط فعندئذ يجب أن يكون مستيقنا أن ما قاله الإمام السابق لم يكن بناء على قياس، ولكن بناء على نص قرآني انشأ بمقتضاه ذلك الحكم.
بغير ذلك ليس من حقه استدعاء التراث، وليس مخولا بهذا، القضايا المستجدة تحتاج إلى اجتهاد جديد، ويجب أن يكون جماعيا، فإذا كان هناك أناس مؤهلون لذلك فالأمر متاح، وإذا لم يكن فليس لفرد أن يأتي بعد خراب مالطا بعد أربعين سنة من الدماء ونهب الأموال ليقول أنا راجعت وتبين لي .. أين كنت قبل هذا؟
نقد منهجية المراجعات
*دعنا يا دكتور ننتقل إذًا لصُلب المراجعات ذاتها .. الرجل تحدث في مراجعاته عن ولاية الأسير موجها الحديث إلى جمهور معين، إلى جماعات العنف في مصر والعراق ورجال القاعدة على رأسهم بن لادن والظواهري .. فهو معتقد أن الناس يمكن أن تعترض عليه؛ لأن الأسير من الممكن أن يتعرض للإكراه، ففند هذا الأمر .. فبرؤية الفقيه والسياسي هل ترى بالفعل هذا الرجل تعرض لإكراه حقا، وكيف ترى ردود فعل الجماعات على هذا؟
-هم لهم خطابهم الخاص ولهم جمهورهم ولهم طرائقهم في التعالم مع التراث، وهم لم يسألوا الأمة ولا أهل العلم ولا قيادات الجماعات الإسلامية فيما فات، هم فهموا فهما واستبد بهم ذلك الفهم واستبدوا بمقتضاه، فهم يحملون ما فيه من وزر بشكله الكامل، هو يعطي هذا النوع من التفكير التبريري يتنافى مع أي اجتهاد آخر، المجتهد يجب أن يكون حرا حرية مطلقة، يفرض نفسه خاليا من أي ظواهر لا من فوق ولا من ثقافته ولا من أي شيء، حتى يتمكن من الوصول إلى كنه الدليل ويقول بمقتضاه.
*يعني حضرتك تعتبر كلامه عن ولاية الأسير وتبريره لهذا هو أقوى دليل على تعرضه للإكراه؟
-لا بد لأنه هو بذكاء كالذكاء الذي صاغ فيه هذا، أعاد تقريب جميع تلك القواعد التي بنى عليها فكره الذي يقر بإنحرافه الآن، ولكن برر هذا بأننا في حالة استضعاف، وأشارإلى ذلك، إذًا هو لم يتراجع عن فقه ولا تراجع عن قواعد ولا اكتشف أنه مخطيء، هو لا يزال سالكا نفس الآليات والمنهجية، ولكنه يقول بالاستضعاف، ولما رفض هاني السباعي فتاواه أخذ يفتي فتوى جديدة تؤسس لجواز ولاية الأسير، يعني يصدر رئيس الجمهورية قرارات وهو في سجن العدو .. هل نقبل ذلك؟ بالطبع لا، لكنه يفتي بجواز ذلك، يعني لنفرض أن أي رئيس دولة دخل حربًا وأُسر وأجبرته القوات التي تحتجزه على إصدار أوامر لقواته بالهجوم حتى تقضي عليه، فهل رئيس الدولة يبقى رئيسا حتى في الأسر، هو لا يشعر بما يقول على مستواه لأنه مجرد كلام.
*هناك عدة مصطلحات أوردها الرجل في مراجعاته، والبعض يرى بينها وبين الإكراه الذي تعرض له الرجل لتقديم هذه المراجعات والتأثير بها على الجماعات في العراق وأفغانستان وغيرها، فمثلا يتحدث عن الجزية المنعكسة، ويورد عن محمد بن الحسن الشيباني أنه يجوز للمسلمين دفع أموال لأعدائهم في حالة عدم قدرتهم على دفع أذاهم، ويقرر أنه يختلف النظر إلى الفقه في حالة ما قبل التمكين وفي حالة التمكين، ما تعليقكم؟
-هذه منتهى الانتهازية، ولهذا لا يثق الغرب في مسلم أبدًا، لأنهم يرون المسلم بوجهين دائما، وجه للتعامل به في حالة القوة، وآخر في حالة الضعف، في حالة القوة سيفتك بك، وفي حالة الضعف سيستخزي وينام تحت رجليك، ولهذا فهم لا يصدقون المسلم في الحالتين.
الله (سبحانه وتعالى) لم يقل لنبيه صلى الله عليه وسلم أنت في مكة في حالة ضعف واستضعاف، لا توجد أدنى إشارة إلى ذلك، فالاستضعاف حالة طارئة لا يؤصل لها؛ لأنها تبنى على الضرورات، ولهذا قال النبي (صلى الله عليه وسلم) لعمّار “وإن عادوا فعد”؛ لأنه ضرورة لا تحكمها قواعد.
فترى الأخ يؤصل لها، ويحولها إلى ثقافة للأمة، وتحويلها إلى مجموعة من الانتهازيين، حتى في أمثالنا العامية “الأيد اللي ماتقدرش تقطعها بوسها” هذه عقلية “البوس” و “ولو ليك عند الكلب حاجة قول له يا سيدي” هل هذا منطق العالمية الإسلامية؟!
*لكنه يستدعي من التراث والسيرة ما يعضد استنباطه، يستدعي صلح الحديبية وما حدث فيه مثلا؟
-هذا كله لا يصلح له؛ لأن هناك في الحديبية سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ينزل عليه الوحي من السماء، ومع ذلك نوقش في صلح الحديبية، وجرى مثل التمرد عليه، هذه الخطيئة التي ارتكبتها معظم الجماعات الإسلامية أنها لاستعلائها واستكبارها، أعطت القيادات لنفسها صفة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، واعتبرت نفسها بهذا القياس لا فرق بينها وبينه، فيتحدث عن صلح الحديبية وكأنه مثل ما هو فيه الآن، يا أخي أين أنت وأين صلح الحديبية هناك فروق جوهرية.
الحديبية .. عشرة آلاف من الصحابة مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المُنزل عليه الوحي ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ .. ﴾ (النساء:64) أكبر خطيئة ارتكبها قياديو الجماعات الإسلامية هي إلغاؤهم الفوارق بينهم وبين الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وأعطوا لأنفسهم الحق أن يتصرفوا كتصرفاته، فلا هو إمام ولا مسئول ولا عنده جند .. أنت مجرد إمام لفئة قليلة .. هو اعتبر الإسلام هو منهج جماعته، والأمة قد اختزلها كلها في الجماعة التي يرأسها، ونصب نفسه في منزلة الرسول (صلى الله عليه وسلم).
*الرجل تحدث أيضا عن المعارك غير المتكافئة، في نفس السياق حديثه يدور حول سؤال أيهما أولى بالحفظ النفس أم الدين؟ ووصل في النهاية إلى استدعاء التراث من خلال غزوة مؤتة؟
-سؤال أيهما أولى بالحفظ هذا لا يجيب عليه فرد أبدا .. يجب أن تستدعي أولا علماء الاجتماع والسياسة والاقتصاد وعلماء النفس إضافة إلى الفقيه حتى يقرروا أولوياتنا كأمة، الآن المال أم العرض أم النفس؟. هذه المراتب تحتاج إلى استقراء، لا تحتاج إلى أقوال فقهاء قيلت في مواقف ويأتي ليخلط الأمور في سلة واحدة وينتقي منها ما يعجبه، هذه الأمور لا يمكن القول فيها سلبا ولا إيجابًا بدون استقراء، والذي يقتضي جمع علماء الأمة، علماء الاجتماعيات والسلوكيات والطبيعيات بالإضافة إلى الفقهاء لتحديدها.
فتوى التترس
*مصطلح آخر تحدث عنه هو التترس، فما تعريفه وما أصله، وما حدود تطبيقاته وضمانتها؟
-هذه مسألة ذكرها الغزالي في كتابه المستصفى، لو أن العدو ونحن في حالة قتال أسر بعضنا وتترسوا بمجموعة من المسلمين، فإن قتلناهم قتلنا مجموعة من المسلمين قبلهم، وإذا لم نقتلهم هُزمنا، فما الحكم؟ فقال: الحكم أن نضحي بهؤلاء ويحسبوا شهداء ونهزم الكفار، بدلا من أن يهزمنا الكفار ويستبيحوا أموالنا وديارنا، فقاسها بحجم الضرر والمفسدة، ومن هنا أجاز قتل التترس .. وهي بهذا التوصيف مسألة محدودة وتطبيقاتها في العراق أو أفغانستان ليس لها أصل.
*مسألة الخروج على الحاكم .. يعني هو يدعو الآن إلى عدم الخروج على الحاكم مطلقا ويفرق بين العلم بكفر الحاكم وبين الخروج عليه؟
-أؤكد ما قلته آنفا .. مرجعيتنا في الداخل هو حديث أبي ذر، منع العنف بالداخل مطلقا مهما كانت المبررات، الأمور تتطور بأسرع مما نتخيل، اليوم فيه ديكتاتور غدًا يأتي من يعطي حق الانتخاب ويحدث تبادل للسلطة ولو محكومة ببعض الضوابط.
فما دام هناك أمل ولو واحد في المليون العنف لا يدخل أبدًا في المجتمع الإسلامي، لا بد من حل المشاكل بشكل سلمي محض، وقضية الخروج ارتبطت بإمامة المتغلب، هل يجوز الخروج عليه أم لا؟ وهي لها ضوابط، والفقهاء مالوا إلى القبول بإمامته إذا ما ترتب على دفع هذا المتغلب فتن، فيقبلونها ويخضعون لها مؤقتا؛ لأنهم في البداية أيضا كانوا مكرهين، أحكام شرعية كثيرة في تعاملات الناس ستعتبر باطلة لبطلان حكم المتغلب.
*سيد إمام في مراجعاته طالب الجماعات الإسلامية التي قتلت مدنيين أثناء صراعها مع السلطة وخصوصا في العراق حاليا بدفع الفدية، ما تعليقكم؟
-هذا لا يجوز لأنه من الممكن أن ولي الدم يريد القصاص، يقال لو أن أولياء الدم الذين قُتل أبناؤهم من قبل هذه الجماعة أصروا على القصاص هل تسلم لهم رؤوس الجماعة بما فيهم رأسه هو؟ يجب أن يسأل عن حاله لو طلب منه ذلك.
*من وجهة نظر فضيلتك هل لهذه المراجعات أثر على تنظيم القاعدة في العراق أو أفغانستان خصوصا أن سيد إمام كان شيخ الظواهري وله مكانته بين الجماعات الإسلامية؟
-اعتقد أن كل ما هنالك حدوث بعض الانشقاقات، وهي في هذا النوع من الجماعات أمر طبيعي سواء بالفتاوى أو بالتنازع على القيادة، أو لأن كل هذه التنظيمات لا تخلو من مندسين من أجهزة مخابرات أخرى، أم المصالح.
وبالتالي فلا أعتبر أنه سوف يؤدي إلى أن يلقى هؤلاء السلاح، فمثلا هاني السباعي في لندن قال: “إن المراجعات لا قيمة لها فهو سجين وتم التأثير عليه”. سوف يرفضون كل كلامه، والذين يريدون أن ينسحبوا بحجة حتى أمام زملائهم سيقولون إنهم أخذوا بفتوى سيد إمام، المهم ستحدث انشقاقات وسيقتل بعضهم بعضا نتيجة هذه الفتاوى؛ لأن من شأن هذا النوع من المراجعات إحداث فتنة داخلية وإنشطارات في الداخل، لكن الأثر العام لن يحدث .. الصحافة الآن هي التي تروج له كثيرًا وربما جهات أخرى ذات مصلحة لإنهاء المقاومة في العراق وأفغانستان.