Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

د. عبد الوهاب المسيري

تربطني علاقة شخصية بالدكتور/ طه جابر العلواني منذ عدة سنوات، وقد ساعدني ماديًا ومعنويًا كثيرًا في مرحلة كنت أقوم فيها بكتابة موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية. وقد نبهني كذلك إلى بعض الدراسات والكتب التي كان عليّ قراءتها لأعمق من رؤيتي الإسلامية، وكثير من هذه الكتب كانت من تأليفه. وبالفعل ساهمت هذه الكتب والدراسات في إثارة قلقي وتوسيع أفقي والإجابة على كثير من الأسئلة التي كانت تطاردني كمسلم يعيش في العصر الحديث.

إن الدكتور العلواني يمثل نموذجا إسلاميا عبقريا يكاد يكون متفردًا. فبعد مرحلة التكوين التقليدي هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ليقيم فيها ويعايش ثقافتها وحضارتها عن كثب. وهناك انفتح على علوم وثقافة العصر الحديث، وعايش مشكلات الحضارة الغربية خلال خمس وعشرين عامًا. هذا التفاعل الخلاق بين الماضي والحاضر جعلت خطاب العلواني التحليلي يتسم في عمومه بالنقد الجرئ الشجاع لكثير من المسلمات والنظريات المستقلة في الفقه وأصول الفقه، كرأيه مثلا في مسألة حد الردة، ومنهج التعامل مع السنة النبوية.

يرى العلواني أن الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تعاني منها الأمة إنما مردها إلى الأزمة الفكرية بالدرجة الأولى، كما يرى أن أي محاولة لتقديم أطروحات فكرية لحل هذه الأزمات دون العودة للقرآن الكريم هي محاولات لن تثمر. وإصلاح مناهج الفكر يعد خطوة أساسية في طريق تجديد الفكر وإصلاح الأمة ولذا فإن سؤال المنهج في خطاب العلواني يعد سؤالًا محوريا. فهو يرى أن القرآن الكريم هو خطاب مطلق خارج الزمان والمكان، معادل للكون وحركته، وبالتالي فهو يملك الأجوبة الدائمة لكل مشكلات البشرية في كل زمان ومكان، ولذا فهو يتوجه للقرآن الكريم بسؤال المنهج، ويؤكد على إمكانية الكشف عن منهج قرآني كامن من خلال البحث عن وجود رابط منهجي ناظم بين الوحي والكون. فالقرآن يقود إلى الكون ويمارس دوره في الهداية فيه، والكون يقود إلى القرآن ليسقط أسئلته عليه، فالجمع بين القراءتين (قراءة الوحي وقراءة الكون) إذًا هو جمع بين قراءة غيبية تنشأ في إطار الوحي بإتجاه الكون، وقراءة موضوعية  تنشأ في إطار الكون باتجاه الوحي. ولن تستقيم للإنسان رؤية فلسفية، يتزن فيها عنصرا الغيب والشهادة دون اعتبار القراءتين معًا، فتجاوز القراءة الأولى سيؤدي إلى طرح رؤى فلسفية وضعية منبتة الصلة بالله، وتجاوز القراءة الثانية سيؤدي إلى تعطيل الفعل الإنساني الحضاري.

ويرى العلواني أن أغلب مباحث الفقه الإسلامي المتشعب المتنوع الثري يجب أن يُدرس دراسة تاريخية، غير منفصلة عن إطاره الزمني والمكاني وإشكالياته الفكرية الخاصة به، فلا يمكن بحال قبول أحكام الفقه الموروث كأحكام مسلم بصحتها، دون نقد وتحليل، ولابد لفقه العصر أن يبنى على أصول جديدة، كما أن فقه الماضي لابد أن يراجع عبر عمليات تحليل وتفكيك وتركيب، يمكن تطويرها وتأسيسها لإرساء قواعد للمراجعة ومن ثم تأسيس علم للمراجعات. وقد قدم العلواني دراسة جادة بعنوان “لا إكراه في الدين” في مسألة الردة عن الإسلام وحد الردة.

ومن أهم الأصول التي أصلها العلواني لفقه عصري هي تأكيده أن القرآن الكريم هو المصدر المنشئ للأحكام والكاشف عنها، والسنة النبوية هي المصدر المبين للقرآن الكريم، وضرورة الاعتراف بحاكمية الكتاب وأسبقيته، وأنه قاض على على ما سواه بما في ذلك الأحاديث والآثار. وأنه لا يجوز النظر لآيات القرآن كجزيئات، وكذا السنة الصحيحة، فمن الضروري رد الجزئي للكلي.

وقد أكد العلواني أن الخطاب الموجه إلى عامل اليوم لابد ان يقوم على قواعد مشتركة وقيم مشتركة. ولذا لابد من التدقيق في الواقع الحياتي بمركباته المختلفة باعتباره مصدرًا لصياغة السؤال والإشكال الفقهي.

ويمكن ان أسترسل ولكن الحيز المتاح لا يسمح بذلك، والمطلوب هو عقد مؤتم لا لتكريم الدكتور العلواني بل لدراسة هذه الإسهامات وهذ التراث، وحت نحقق قدرًا من التراكم المعرفي الذي نفتقده في الحركة الفكرية الإسلامية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *