Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

د. عبد الحميد سليمان

كان انضمام الأستاذ الدكتور الشيخ طه جابر العلواني إلى فريق إسلامية المعرفة في الرياض بعد عودة مؤسسيه وباذري بذرته المؤسسية في الولايات المتحدة الأمريكية بإنشاء جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين عام 1972م؛ التي نشأت فرعًا من فروع نشاطات اتحاد الطلبة المسلمين في الولايات المتحدة وكندا.

وكانت الغاية من عودة الفريق إلى العالم الإسلامي دون أن يبقى من ورائهم من رجال الفريق إلا الأستاذ الشهيد الدكتور/ الأستاذ الشهيد الدكتور إسماعيل الفاروقي-يرحمه الله-؛ وذلك للعمل والكسب لتوفير المال؛ بهدف إعداد العدة لإقامة الوقف اللازم للعمل المؤسسي المستقل، ولبناء المؤسسة المستقلة التي تخدم فكرة إسلامية المعرفة بدءًا بالإشكال المنهجي الذي يوجد المعرفة الإسلامية “مقروءة” و “منظورة” ويجددها، والذي هو أساس الأزمة الفكرية التي هي –في رأي فرق إسلامية المعرفة- الأساس والمنبع الأساسي لتخلف الأمة الإسلامية.

كان تعرفي بالأستاذ الدكتور طه من خلال نشاط الندوة العالمية للشباب الإسلامي والذي كان جوهر رسالتها خدمة الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية بين شباب الأمة ومؤسساتهم وجمعياتهم الثقافية والطلابية في أنحاء العالم.

وكان أول تعفي به وتوثق هذه المعرفة حوالي عام 1975م؛ حيث كان الكتور طه معرفة وصديقًا للأخ الدكتور أحمد توتونجي الأمين العام المساعد للندوة العالمية للشباب الإسلامي آنذاك، وكذلك معرفة وصديقًا لبقية الإخوة أعضاء فريق إسلامية المعرفة الذين كانوا يزاولون الأعمال الحرة وهم الدكاترة المهندسين جمال برزنجي وهشام الطالب.

وتعرفت به، وتوثقت به المعرفة الشخصية والعلمية؛ لأنني وجدت فيه ضالة فريق إسلامية المعرفة الذي كان يضم في ذلك الوقت مختصين في العلوم الاجتماعية والإنسانية والهندسية، ولكن لم يكن من بين أعضائه بعد أحد مختص في العلوم الشرعية التراثية.

لم يكن الأستاذ الدكتور طه مجرد عالم مختص محقق في علم من أهم علوم الشريعة، وهو علم أصول الفقه، ولم تكن تلك الصفة وحدها لتسترعي انتباهي، فعلماء الشريعة وأصول الفقه من حولي كانوا –مع احترامي لهم- كثرًا، ولكن من عرفت منهم حينئذ كانوا مدرسين أصحاب اختصاص فقط.

ما استرعى انتباهي إلى الأستاذ الدكتور طه –إلى جانب اختصاصه العلمي- هو أبعاد شخصيته وخبراته المتعددة الأخرى التي تجعله على وعي بحال الأمة والأزمة الحضارية التي تم بها، وتجعله متيقظًا ناقدًا مدركًا للأزمة الفكرية التي تمر بها الأمة، ويمر بها الفكر التراثي، وكيف كان يتطلع إلى مخرج منها.

فكان اللقاء به لقاءً فكريًا وروحيًا جمعنا حتى اليوم في مسيرة جهاد إسلامية المعرفة، وإصلاح الفكر الإسلامي، وفتح الأبواب نحو إحياء روح الاجتهاد، وتجديد الفكر الإسلامي في مختلف وجوه حياة الإنسان المسلم.

ولست في حاجة إلى التعريف بجهود الأستاذ طه، فهي كثيرة مبثوثة في محاضراته ومقالاته وكتبه ودروسه وتلاميذه، ولا تخفى على أي أحد له اهتمام بالأزمة الفكرية.

ولكن المهم هنا هو أن ألقي  الضوء على خلفية تكوين الأستاذ/ طه، وتكوين قدراته الفكرية وإسهاماته العلمية؛ التي تفسر قدراته العلمية المتميزة في مجال إسلامية المعرفة وإصلاح الفكر الإسلامي.

فالأستاذ الدكتور طه نشأ في المدرسة الشرعية التراثية، وتمكن منها، من مرحلة الابتدائية حتى أعلى درجاتها العلماية الدكتوراة والأستاذية.

ولكن الدكتور طه لم يكن أستاذًا مدرسيًا منعزلا في قاعات البحث والدرس، بل كان عقلًا وروحًا قلقة متوثبة، عاش بين الناس وفي خدمتهم، بما في ذلك إمامة مساجد الجمعة والخلطة بجماهير الأمة، وكان شابًا حركيًا من أعضاء الحركات الإسلامية ورجالاتها، بكل ما تمثله تطلعات الشباب إلى الإصلاح والتجديد واستعادة مجد الأمة وتجديد طاقاتها.

وفي مسيرة العمل والحركة والتطلع إلى الإصلاح ألتحق بالجيش العراقي، وخالط رجالاته، وتعرف عليهم في مرحلة من أخطر المراحل التي مرت بالعراق، حتى إنه كان لعلميته وشعبيته مستشارًا مقربًا وناصحًا ناقدًا لأول رجالات الانقلابات العسكرية العراقية (عبد الكريم قاسم)، وهناك شاهد ما وراء الكواليس ودروسه ومآسيه.

ولم يسلم الدكتور طه ذاته، مثل كثير من غيره من رجال الحركة الإسلامية في العراق، من نقمة أنظمة العنف والقمع ومؤامرات المتآمرين وأحكامهم الجائرة وملاحقاتهم؛ ليترك بلاده ووطنه في ظلام الأفق، يحمل معه آلامه وآماله واحلامه في استنقاذ الأمة وإصلاح أحوالها، والذي لا يخفى عليه أن إعادة بناء الفكر الإسلامي ومناهجه هي الخطوة الأساسية التي يقوم عليها وبها أعادة بناء الأمة.

هذا الإعداد الأكاديمي التراثي، ومعرفة أسرار قوة وضعفًا، إلى جانب خبراته الحياتية الواقعية التي تعرف بها على حقيقة ما هي عليه الأمة، وما تواجهه من تحديات، مع ثقافة اجتماعية عامة واسعة، وتطلع لا ينقطع إلى مزيد من العلم والمعرفة والدرس والبحث.

كل هذا ما جعل الأستاذ طه يطلق للنشاطات السياسية الحركية من موضعه وإمكاناته العلمية والفكرية ليكون احد أعمدة مدرسة إسلامية المعرفة المعاصرة، وأحد أبرز رجالاتها، والمدركين لأبعادها، والعاملين من أجلها، وهو ما أعطى النكهة والتميز العلمي والشرعي لكتاباته واجتهاداته.  

الرياض في 15 رمضان 1428هـ

27/9/2007م   

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *