Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

تجديد الثقافة الإسلاميَّة فريضة وضرورة

د.طه جابر العلواني

منذ التاسع من سبتمبر وهناك دراسات وندوات، ربما تجاوزت في أعدادها الآلاف، لم يكد يخلو أيُّ ركن من العالم من هذه الندوات، وكلُّها تنادي بتجديد الثقافة الإسلاميَّة، باعتبارها المسؤولة عن سيادة روح العنف، ونبذ التعدد، ونفي الآخر، ورفض الحداثة، والحيلولة دون تغلغل الليبراليَّة، وبناء الديمقراطيَّة، وتأسيس المجتمع المدنيِّ لا الدينيِّ ولا العسكري، إلى آخر تلك الأهداف.

وقد لاحظنا أن مصطلح الغزو الفكريِّ، الَّذِي كان يتردد في الأوساط الثقافيَّة المسلمة منذ القرن الماضي، لم يعُد يُستخدم أو يُتداول إلا نادرًا، وأصبحت الأبواب كلّها مشرعة -بأشكال مختلفة- لإيجاد حال تغيير ثقافيِّ، تأخذ أحيانًا اسم «التجديد» -وهو مفهوم إسلاميٌّ هام- ولكنَّها محاولة لمسخ بعض المفاهيم الإسلاميَّة، وتحميلها بمعانٍ لم تُوضع لها، ولم تكن تشتمل عليها، فصرنا نسمع هذا المفهوم يتردد في ندوات السياسيِّين والإعلاميِّين والتربويِّين، وسائر فصائل المثقفين.

وفي السنوات الثلاث الماضية، وهذه السنة، لم يخلُ بلد من ندوات أو مؤتمرات في التجديد والاجتهاد والتغيير والإصلاح، وما إلى ذلك، ولا شك أن التجديد مطلوب، ولكنَّ التجديد الحقيقيَّ تقوم الرغبة فيه وتنطلق من ضمير الأمَّة وعقول وضمائر مفكِّريها ونُخبتها.

أمَّا التجديد الَّذِي ينجم تحت ضغوط خارجيَّة، لها ظروفها، ولها أوضاعها، وقد يعمل على تحقيق أجندة أخرى، لا بد لنا من الوقوف عنده، والتحقُّق من هويَّة ذلك التجديد أو الإصلاح أو التغيير، ومدى جدِّيته واتصاله بأصولنا.

إنَّ مفهوم التجديد والنهوض عندنا، وفي حقيقته المجردة، تعبير عن التطلع الدائم لدى الإنسان -في زمانه ومكانه- لأَنْ يستوعب خطابه كل مَا يمثل له الواقع الَّذِي يعيشه، ويبرز الإمكانات التوليديَّة لتحقيق ذلك الاستيعاب في خطابه؛ ليكون قادرًا على التعامل مع مستجدات الحياة وتحديَّاتها، وهذا النوع من التجديد الإسلاميِّ الذاتيِّ يقتضي أن تكون أول خطوة في طريق التجديد والإصلاح والتغيير خطوة لتصحيح الفكر، وتجديد الرؤية؛ بحيث تؤدي تلك المحاولات كلّها إلى إصلاح مناهج التفكير لدى الأمَّة، وتصحيح عالم أفكارها، وإعادة ربط أفكارها ومناهج تفكيرها ونماذجها المعرفيَّة، ومن ثَمَّ ثقافتها بأصولها.

وفي حالة أمَّتنا: تلك الأصول هِيَ كتاب الله وهدي وسنَّة وسيرة وتطبيقات وتأويلات سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلَّم- فلقد أدى سوء فهم البعض لتلك الأصول، وهجر بعض آخر لها إلى اغتيال قدرات الأمَّة وطاقاتها، وفتح أبواب عقولها وقلوبها إلى مجموعة من الأفكار السامَّة والقاتلة والمميتة، منها على سبيل المثال: الجبريَّة والتواكل، وعدم فهم وظائف الأسباب، والعجز عن إدراك طبائع السنن الإلهيَّة في الكون والحياة والإنسان، فقتلت في أمَّتنا روح الاجتهاد والإبداع، وأضعفت العقل البرهانيَّ لصالح عقليَّة التقليد، فتوقفت في أمَّتنا الدافعيَّة الحضاريَّة، وعجزت عن النهوض وتحقيق حالة الشهود الحضاريِّ، في أيِّ مستوى من المستويات.

فالتجديد الحقيقيّ يبدأ في البحث عن جذور تلك الأفكار السامَّة المميتة، والأفكار الميتة والمريضة، والتراكمات المعرفيَّة التي بُنيت عليها، وحفل بها تراثنا النقليُّ والعقليُّ، وظلَّت متوارثة تستعصي على التغيير والتعديل بحماية مجموعة من العوامل، لعلَّ من أبرزها عجز العلماء وجهل الأبناء، وتكاتف أصحاب الشهوات مع الأعداء.

ولذلك فإنَّ هذه الأمَّة مطالبة -اليوم- بإعادة النظر في منظومتها الفكريَّة والمعرفيَّة والثقافيَّة، والتصديق عليها بكتاب ربها، والهيمنة عليها به، وإنارة سبيل التجديد والإصلاح والتغيير بهدي سيد المرسلين، فذلك هُوَ التجديد الَّذِي يمكن أن يؤتي أُكله، ويحقِّق ثماره، لكن لذلك شروط كثيرة، لا بد من استيفائها لبناء مشروع حضاريٍّ يمكن أن يفجِّر طاقات الأمَّة، ويجعلها تقف وراء مشاريعه، أمَّا المشاريع المقترحة من الخارج فلن تكون قادرة على تفجير طاقات الأمَّة، ولا إيجاد روح الإبداع والاجتهاد والمبادرة عند نُخَبِها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *