د.طه جابر العلواني
شهر رمضان المبارك لعام1430 هـ على الأبواب, وخير ما يُوصف به هذا الشهر الكريم أنَّه شهر القرآن، فهو يذكِّرنا, بل يحملنا على تلاوة القرآن وترتيل القرآن وتدبُّر القرآن ومدارسة القرآن, وفهم معاني القرآن ومقاصده ورسالته العالميه وخطابه الكوني, والتحلِّي بأخلاق القرآن; فحين سُئلت أم المؤمنين عائشة عن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: كان خلقه القرآن, والصيام موسم الصبر الجميل والصفح الجميل والهجر الجميل.
فالصبر الجميل تعبير عن تحمُّل سائر ما يصادف الإنسان من مصاعب ومصائب دون شكوى، إلا للقادر على رفع الضرِّ, ودرء الشر; ولذلك قال سيدنا يعقوب: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ (يوسف:86) مقترنًا ذلك بالصبر الجميل، حيث قال عليه السلام في الآية: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ ( يوسف:18)، فالشكوى إلى الله لا إلى سواه، لأنَّنا في الصبر الجميل; لأنَّ شكوى الإنسان لربِّه دليل إقراره لعبوديته له, ولجوئه إليه, وافتقاره له -سبحانه- بالاستعانه ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ (الفاتحه:5).
وقد ذكر القرآن المجيد كثيرًا من شكاوى الأنبياء إليه -سبحانه وتعالى وثناء الله سبحانه عليهم; لأنهم لم يشتكوا لغيره -تبارك وتعالى- وقد أثر عن موسي -عليه السلام- أنَّه كان يُكثر من ترديد قوله: «اللهم لك الحمد وإليك الشكر، وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان»، وعندما ردَّ أهل الطائف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجموه بالحجارة رفع رأسه الشريف بالشكوى إليه سبحانه، قائلاً: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلَّة حيلتي, وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربي, اللهم إلى مَنْ تكلني، إلى بعيد يتجهَّمني, أم إلى عدوٍّ ملَّكته أمري, إنْ لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي, أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخره أن ينـزل بي سخطك, أو يحلَّ عليَّ غضبك, لك العتبى حتى ترضى, ولا حول ولا قوة إلا بك»، ذلك هو الصبر الجميل الذي نواجه به مصائب الدنيا ومتاعبها.
أمَّا «الصفح الجميل» فهو أن تعفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك دون عتاب, أو جزاء بالمثل، إنَّما تصفح لوجه ربك: ﴿وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ (الشرح:8) طمعًا في صفحه –سبحانه- عنك يوم الدين. وأمَّا «الهجر الجميل» فهو هجر من يستحق أن يُهجر بلا أذى. والثلاثه قد جاء القرآن الكريم بها: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ ( يوسف:86), ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ (الحجر:85)، وجمع الصبر والهجر في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلا﴾ (المزمل:10)، فنسأله -سبحانه وتعالى- أن يوفِّق الصائمين جميعًا إلى الاستفادة من هذا الشهر المبارك لتعلُّم الصبر الجميل، والصفح الجميل, والهجر الجميل… إنَّه قريب سميع مجيب.