Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

أدب السؤال

د.طه جابر العلواني

السؤال دليل حياة، وما دام الإنسان يسأل فذلك يعني أنَّه حيٌّ قارئ، متعلِّم مستعدٌّ لأن يزداد علمًا ومعرفة. والأسئلة أنواع؛ فهناك السؤال التقريريُّ: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (البقرة:106)، وهناك الاستفهام الإنكاري: ﴿قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ﴾ (البقرة:140). وهناك سؤال تقرير وشهادة إلى الغير: ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ (المائدة:116)، وهناك السؤال الاختباري، كسؤال الأستاذ لطلابه اختبارًا لمعلوماتهم، وللاطمئنان على استيعابهم لما تعلَّموه، وهناك سؤال التعلُّم والتأكد من صحة واستقامة ما تعلَّم، كأسئلة الطلاب لأساتذتهم والعامَّة لعلمائهم، وهناك أنواع أخرى، مثل سؤال التحدي والتعجيز.

ولكل نوع من هذه الأنواع أسلوبه وصياغته ودلالاته وظروفه، وزمان إثارته وتوجيهه، وكيفيَّة السؤال وصياغته تُبيِّن طبيعته وتُشير إلى مستوى عقليَّة مَنْ أثاره؛ ولذلك قالوا: «السؤال نصف الجواب»، و«سؤال التعلُّم» بالذات إذا حسنت صياغته فإنَّه بذلك يُحدِّد المسؤول عنه بدقة، ويُبيِّن غرضه والفائدة منه بحكمة، وما قد يسمِّيه القانونيُّون بـ«تكييف الواقعة أو المسألة»، أو ما يُسمِّيه الأصوليُّون بـ«تحرير موضع النـزاع»، ويجعل مهمة المسؤول سهلة ميسَّرة تنحصر في بيان حقيقة ما سُئل عنه بحسبه، سواء أكان شأنًا سياسيًّا أو لغويًّا أو اقتصاديًّا أو اجتماعيًّا أو قانونيًّا أو فقهيًّا أو شرعيًّا، وقد يُبيِّن قيمة وأهميَّة ما سُئل عنه أو أيَّ شيء أو جانب وُجِّه السؤال نحوه.

وللمجيب أن يُحاور السائل حتى يُعينه على إيضاح مراده؛ ليُحسن ويُتقن الإجابة عنه، وللسائل -بعد ذلك- أن يستوضح حتى يطمئن إلى أنَّه حصل على الجواب الشافي؛ لأنَّ هناك أجوبة غير شافية، وكلَّما ارتقى مستوى أسئلة الناس ارتقت إجابات المجيبين، ودلَّ ذلك كله على رقي المستوى المعرفيِّ والثقافيِّ في تلك البيئة، وبين تلك الأمَّة من الناس.

ومن مظاهر الانحراف الخطيرة هبوط مستوى الأسئلة التي تُثار، أو تجاوزها معالي الأمور إلى سفاسفها، وعلى الأستاذ والعالم والمسؤول أن يعلِّم المتعلِّمين كيف يرتقون ويرتفعون بمستوى أسئلتهم: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْءَانُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ (المائدة:101)، وأن يتلطَّف في تعليم الناس كيف يسألون وعمَّ يتساءلون.

والأمم التي تتوقف عن السؤال، أو لا تعرف كيف تصوغ أسئلتها، لا تعرف أولويَّاتها، ولا تدرك مآلاتها. جاء بعض الحجاج من أرض السواد -العراق- إلى الحج فأشار بعض الناس على عبد الله بن عمر -صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن صاحبه، وأحد كبار قرَّاء الصحابة- فاغتنموا الفرصة وجاؤوا إليه يسألونه عن أمور دينهم!! فأقبل عليهم، فإذا بهم يسألونه عن دم «البرغوث»؛ أيُصلَّى بالثوب إذا أصابه دم البرغوث؟ فأشاح -رضي الله عنه- بوجهه عنهم، وقال: «أيُقتل ابن بنت رسول الله في أرضكم فلا تسألون عن دمه، وتسألون عن دم البرغوث؟» وحين تهبط الأمَّة إلى هذا الدرك فإمَّا «التجديد وإمَّا الاستبدال». وإذا تجاوز الأمر الأفراد والعامَّة إلى الخاصَّة فتلك هي الكارثة، وعلى مستوى الأسئلة الفقهيَّة ومجامعها وندواتها لم ترَ من بين ما يُثار من أسئلة موضوع «وحدة الأمَّة»، خاصَّة عند التحدِّيات والمخاطر، ولم نرَ أسئلة عن المعادن والثروات في باطن الأرض، أهي ملكيّة خاصَّة للذين يعيشون على تلك الأرض أم هي ملكيَّة للأمَّة؟! والتصرُّف بالأموال وضوابطه، وموقف الأمَّة والشريعة منه، تُرى هل أخطأ أبو العلاء المعري حين قال للديك: «استضعفوك فوصفوك، هلا وصفوا شبل الأسد»؟!

وفي الأسئلة -أيضًا- أسئلة استضعاف واستحمار واستكبار… !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *