Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

حق الطريق

د.طه جابر العلواني

العلاقة بين النفس الإنسانيَّة والبيئة التي تعيش فيها وتحيط بها علاقة وطيدة، لا أبالغ إذا قلت إنَّ هناك نوعًا من الجدل والتفاعل بين النفس الإنسانيَّة والبيئة. يحسُّ الإنسان أحيانًا بنوع من الانقباض النفسي، فينعكس ذلك الانقباض النفسي على كل مَا حوله، فتراه لا يُعنى بملابسه ولا بترتيب وتنظيم غرفته أو مكتبه أو موقع جلوسه، ولا يهتم بنظافة مَا حوله، وكأنَّ ذلك الانقباض النفسي ينعكس على البيئة التي يعيش الإنسان فيها، فتتضامن معه وتنقبض لانقباضه، وأحيانًا يقوم أحدنا من نومه منشرح الصدر طيِّب النفس، فإذا به يحاول أن يجعل كل مَا حوله يُشاركه ذلك الانشراح والانبساط النفسي، فيُحسن اختيار ملابسه ويهتم بنظافته وينسِّق مَا حوله، وإذا كان لديه شيء من الخضرة فقد يسقيها، وينظر فيها ويشذبها، يفعل ذلك -كلَّه- بنوع من الخفة والدقة والانطلاق. وما من أحد ممن عرفته البشريَّة من قياداتها أدرك هذه العلاقة وشعر بها مثل سيدنا وحبيبنا خاتم النبيين -صلى الله عليه وآله وسلَّم- ولذلك فقد خصَّ البيئة بكثير من عنايته، وترك لنا من سيرته وسنته تراثًا ضخمًا في ضرورة العناية بالبيئة بكل عناصرها، فالماء -سواء أكان في أنهار أو برك- ينبغي التأكد من طهارته ونظافته وحمايته من وقوع أيِّ أذى فيه؛ لئلا يتضرر الإنسان والحيوان بالمياه الملوثة، كما أنَّه أُمر بحماية مَا يُحيط بالأشجار المثمرة من أيِّ أذى، فنهى عن تخلي الإنسان تحت الأشجار المثمرة أيًّا كانت، سواء أكانت الحاجات الطبيعيَّة أو مَا يتعلق بالدماء والأمور الصحية، إذ كل ذلك يمكن أن يسبب أذى لإنسان قد تحمله حاجته إلى الطعام لتناول ثمرة ساقطة، تكون قد تلوثت مما يؤذيه، كذلك أمر بحماية الأماكن العامَّة، وفي مقدمتها المساجد من البصاق والمخاط وما إلى ذلك، ومن أحس بالحاجة إلى عطس أو تثاؤب فهو في حاجة إلى أن يُجنِّب الناس التأثر بذلك.

وعد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلَّم- وعلَّم المسلمين أن النظافة في الثوب والبدن والبيئة عبادة من العبادات، ولعلَّ من أهم مَا ورد في التأكيد على هذا أن اعتبر -صلوات الله وسلامه عليه- إماطة الأذى عن الطريق مستوى من مستويات الإيمان، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: “الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان” رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. وبهذا تُصبح إماطة الأذى -أي إزالته- عن الطريق شعبة من شعب الإيمان، والمسلمون اليوم قد نسوا أو تناسوا هذه الشعبة من شعب الإيمان؛ ولذلك فقد صار اهتمامهم بنظافة البيئة أمرًا لا يُبالي فيه الأفراد، ويعتبرونه من واجبات الدولة، ولقد أزعجني جدًّا مَا نُشر يوم الثلاثاء عن أنَّ القمامة قد انتشرت وتراكمت بشوارع إمبابة، وذلك لعزوف عمَّال الشركة الإيطالية الملتزمة بذلك عن رفعها من عند البيوت، فبدأ الأهالي يُلقون بالقمامة من منازلهم إلى شوارعهم، والذي يلفت النظر في هذه الواقعة ويزعجنا أننا حتى في نقل القمامة من منازلنا أصبحنا نعتمد على شركات وجهات أخرى لا على أنفسنا. كما أنّ مَنْ يُلقي بالقمامة من منـزله إلى الشارع لا يشعر بانتماء الشارع إليه وانتمائه له، وأنه جزء من بيئته، وأن قمامة المنـزل إذا أُلقيت إلى الشارع فسوف تعود كل مَا فيها من أخطار على أصحاب المنازل وبشكل أعم. الأمر الثالث: إنَّ هذا التصرف دليل فرديَّة وأنانيَّة، فكأن صاحبة المنـزل همُّها الأكبر أن تُخرج القمامة من منـزلها، حتى لو عادت إليها مع الرياح أمراضًا وغبارًا وتلوثًا وذبابًا وفئرانًا وغير ذلك مما يعلمه الجميع.

أود أن أُذكِّر أنَّني كنت أسكن في حي من أحياء ﭬرجينيا، وكنا زوجتي وأنا مشغولين باستمرار ببحوثنا ودراساتنا، فأهملنا الحديقة الصغيرة أمام منـزلنا، فتلقينا عدة رسائل من متطوعين من الجيران أبدوا استعدادهم لمساعدتنا في تنظيف وإعادة زرع مَا قد يكون تلف، وترتيب تلك الحديقة الصغيرة، قالوا في رسائلهم: “لأنَّنا نعلم أنَّكما مشغولان جدًّا، وفي الوقت نفسه لا نريد لكما ولا لأنفسنا وأبنائنا التضرر بمنظر الحشائش التي لم تحظ بتصفيف وتنظيم وقطع منذ فترة طويلة”، هذا تصرف أناس وجيران كان فيهم ملحدون وغير مسلمين، وكان المنـزل الوحيد الَّذِي يعيش فيه مسلمون هُوَ منـزلنا، ومنذ تلك اللحظة أصابنا الخجل وصرنا ننفق في كل إجازة نهاية أسبوع بعض الوقت في العناية بحديقتنا الصغيرة، وكان المسلمون أولى وأجدر بأن يكون لديهم هذا الإحساس بالبيئة والنظافة.

إنَّنا في حاجة إلى أن نسخِّر إمكاناتنا التعليميَّة والثقافيَّة في إحياء معاني الإحساس بالجمال والذوق العام والمسؤوليَّة المشتركة، ماذا لو خصَّصنا يومًا في العام للعناية بنظافة البيئة بواسطة السكان أنفسهم، وبقيادة شيوخ الحواري وأئمة المساجد ومسئولي المدارس؛ لكي نتعلم كيف نُعنى بنظافة بيئتنا، ونعتمد بعد الله على أنفسنا، ونوفر مَا يُدفع من أموالنا للشركات لفقرائنا ومعوزينا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *