Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

العمل والإعمار

د.طه جابرالعلواني

وُجد الإنسان في هذه الأرض لمهمة حدَّدها الله -تبارك وتعالى- بدقة، ألا وهي مهمة إعمار الأرض ومنع أيِّ فساد أو إفساد فيها؛ لأنَّها بيت الإنسان الآمن المطمئن الذي ينبغي له أن يُعمره وأن يصونه من الفساد والعبث، وينأى به عن أيِّ نوع من أنواع الفساد.

وقد جعل الله -تبارك وتعالى- الفرق بين المؤمنين والملحدين أنَّ المؤمنين يُصلحون في الأرض ولا يُفسدون، أمَّا غيرهم فيفسدون في الأرض ولا يصلحون. فالأرض أمانة بأيدينا، أيُّ جزء منها يُهمل، فلا يُحرث ولا يُزرع ولا تُقام عليه المصانع ولا يُسكن، هو جزء مقتول يسأل قاتله يوم الدين عن سبب قتله أو وأده، وهو الإنسان الذي قصَّر في إعماره واستثماره واستنباته، وحرم نفسه وعباد الله من خيراته، ولذلك فإنَّ المؤمن لا يفتُر ولا يكسل ولا يتوانى عن الإعمار والبناء وإحياء الأرض الموات وإعمارها، وجعلها مصدر رزقه ورزق من يشاركونه العيش عليها من أهل الدار والوطن، والمؤمن محاسب على كل دقيقة أو ثانية من ثواني عمره؛ لأنَّ الحياة لا تعدو أن تكون هذه الأنفاس التي نتنفسها، والدقائق والثواني التي نعيشها، ولذلك قال شاعرنا:

دَقَّاتُ قَلْبِ الْمَرْءِ قَائِلَةٌ لَهُ   إِنَّ الْحَيَاةَ دَقَائِقٌ وَثَوَانِي

إنَّ الله -تبارك وتعالى- قد اقتضت حكمته -وهو الحكيم الخبير- أن يُقدِّر في الأرض أقواتها وأرزاق أبنائها بتقديرات دقيقة جدًّا، في الماء والطعام والأرزاق، وهي كافية للحياة والأحياء: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ (مريم:64)؛ لكن الإنسان يخلد إلى الراحة أحيانًا والكسل واللهو واللعب، فلا يبذل الجهد الملائم والمناسب لزراعة الأرض واستخراج كنوزها ومياهها وخيراتها، واستصلاح وإحياء مواتها، وأحيانًا يجور الإنسان على غيره ويظلمه حقَّه، فيأخذ أكثر مما يستحق، ويتجاوز حقَّه الكافي له إلى حقوق إخوانه وجيرانه في الدار وفي الوطن، فتختلُّ الموازين ويظهر الاستئثار والرغبة في الاكتناز وفي الربح أيًّا كان مصدره، ولذلك جاءت شريعة الله -تبارك وتعالى- بالميزان، ليقوم الناس بالقسط، فلا يعتدي الغني على الفقير، ولا يتجاوز الفقير الحدَّ فيُعطِّل طاقاته ويخلد إلى الكسب الرخيص ولو كلَّفه كرامته: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحديد:25).

فالصناعة والزراعة أمانة في أعناق البشريَّة، بها تصل إلى ما قدَّر الله -تبارك وتعالى- لها من أرزاق وأقوات في هذه الأرض، وبها تتمكن من الكسب الحلال، وتستطيع بها أن تكتفي الأمة اكتفاءً ذاتيًّا؛ بل قد تنفع أممًا أخرى بما يفيض عن احتياجاتها، وتحوِّل إيراداتها إلى وسائل إنماء وبناء وتطوير.

والحضارة إنَّما هي تراب وزمن وإنسان؛ والإنسان أهم الأطراف الثلاثة في عمليات العمران وبناء الأمم والحضارات، فلا بد من العناية به وتطوير إمكاناته وتجديد خبراته باستمرار ليكون قادرًا على مضاعفة الإنتاج والإضافة إلى ثروات الدار والوطن وسدِّ خلة وحاجة أهله.

إنَّ الأرقام التي تنشرها الأمم المتحدة وغيرها عن مدى جديَّة العمال في بلدان الدول الأعضاء تضع العامل المسلم في آخر قائمة العمال الجادين، فهناك عمال إذا اشتغلوا ثمانية ساعات يعني أنهم ينفقون تلك الساعات بالإنتاج الوفير والعمل الغزير، وهناك عمال قد لا يعمل أحدهم عملا جادًّا خلال النهار كلِّه لأكثر من ساعة واحدة. ومن المؤسف أنَّ كثيرًا من بلدان المسلمين في آسيا وإفريقيا وجنوب شرق آسيا يندرجون في قائمة العمالة التي تعوزها الخبرة والقدرات الفنية من ناحية، وتنقصها الجديَّة في ممارسة العمل، وهذا أمر يُسبب إحراجًا للإسلام والمسلمين، نرجو ونحن نتهيأ لاستقبال عيد العمال في مايو أن نرى الإحصاءات قد تغيَّرت، وأنَّ العمال المسلمين يتصدرون قوائم العمال المنتجين في عالم اليوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *