Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

مفهوم الزمن

د.طه جابر العلواني

«الزمن» مخلوق غامض لا نحسُّه ولا ندرك حقيقته، لكنَّنا ندرك علاماته؛ كالشمس والقمر والنجوم، وبها نقسمه إلى ساعات وأيام، وليل ونهار، وشهور وسنين، وما إلى ذلك، وبملاحظة حركتها ومواقعها وعوارضها -من حر وبرد ومواسم ومطر أو جفاف- وبمقتضى ذلك نمارس سائر شؤون حياتنا وأفعالنا العمرانيَّة وغير العمرانيَّة، وبها وعليها تتوقف عبادتنا ومواسمنا على اختلافها.

وللزمن آثاره -التي لا تُحصى- في أنفسنا ومداركنا وأبداننا وسائر التغيُّرات التي تكتنف حياتنا، فالزمن يُهيمن على حركتنا ونحن في أصلاب الآباء وترائب الأمهات، فإذا خرجنا من أرحام أمهاتنا يبدأ الزمن بتداولنا، فنكون أطفالاً في سنِّ الطفولة وزمنها، ثم ندخل سنَّ التمييز، ثم المراهقة، فالشباب، فالكهولة، فالشيخوخة، ثم الوفاة، ليبدأ الزمن حسابًا جديدًا؛ فيُقال: توفي منذ عام ثم عامين… وهكذا. فنحن -إذًا- أبناء الزمن.

وأحيانًا ما يُفكر الإنسان بنوع من التحكم بالزمن، فيحاول أن يحمِّله مَا يتمنَّى أن يحمل، فيكتشف الإنسان –بعد فترة- أنَّه إن تحكَّم بشيء فإنَّما تحكَّم بخياله، لكنَّه لم يتحكَّم في الزمن ولا في أيَّة دعامة من دعائمه، ولذلك بُهت الَّذِي كفر: ﴿لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة:258)، وحين يُقرِّر الإنسان تقديم شيء من الزمن أو تأخيره فإنَّه لا يؤثر في ذات الزمن تقديمًا أو تأخيرًا، فعرب الجاهليَّة حين اخترعوا فكرة «النسيء» لم يؤثِّروا في الزمن ذاته، فلم يستطيعوا أن يجعلوا مَا هُوَ محرَّم غير محرم ولا العكس، وكشف الله -عزَّ وجلَّ- عن تحايلهم وسذاجة عقولهم في قوله تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ*إنّما النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ (التوبة:36-37).

وقد بيَّنت الآية الكريمة ثبات الزمن كما خلقه الله تعالى، وامتناعه عن تدخُّل الإنسان وتغييره، فهو مرتبط بخلق السموات والأرض، والالتزام به كما خلقه الله –تعالى- هُوَ «الدين القيم»، ففي المحافظة على مفهوم «الزمن» -كما خلقه الله تعالى- وعدم الخروج على مَا سنَّه فيه «دين قيِّم»، ويظهر في هذا الجانب مبدأ «الجمع بين القراءتين» -قراءة الوحي وقراءة الكون- بشكل في غاية القوة؛ فمفهوم «الزمن» وحقيقته ظاهرة كونيَّة، وعدم التحايل فيه وإيقاع الفرائض، والامتناع عن المحرمات المرتبطة به أفعال إنسانيَّة لها أحكام شرعيَّة.

إنَّ الزمن أهم مقومات الحضارة والعمران، وما أحوج المسلمين إلى معرفة قيمته والمسارعة إلى احترامه وإيقاع أهم وأفضل الأعمال الفرديَّة والجماعيَّة فيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *