Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

نسب الطلاق والعالم الإسلامي

أ.د/ طه جابر العلواني

نسب الطلاق في العالم الإسلامي تتزايد بشكل مريع، فقد كنا في الفترة الأولى في إقامتنا في أمريكا نفاخر الأمريكان بأنَّ الأسرة المسلمة متماسكة، وأنَّ ذلك يرجع إلى نظام الإسلام ومنهجه في بناء الأسر، وكان هذا المدخل من أهم المداخل التي ينتشر بها الإسلام بين العنصر النسوي بصفة خاصَّة، فمقابل كل ثلاثة يسلمن من النساء يسلم واحد من الرجال، وبعد أن مرت على الوجود الإسلامي بعد الستينيَّات هذه العقود الخمسة إذا بنا نفاجأ بأنَّ نسبة الطلاق بين الأفروأمريكان أو الأمريكان من جذور أفريقيَّة زادت عن الخمسة وسبعين في المائة، ونسبة الطلاق لدى البيض وقفت عند خمس وخمسين في المائة، ولم تكن هناك إحصاءات دقيقة بين المسلمين يمكن الاستناد إليها، ودراسة الظاهرة بمقتضاها، لكنَّنا على وجه التقريب كنَّا نعدها بحاولي عشرة في المائة إلى خمسة عشر بقطع النظر عن اختلاف الناس في خلفيَّاتهم الثقافيَّة والعرقيَّة التي جاؤوا منها، مثل الهنود والباكستانيين والأفغان والإيرانيين والأتراك وأبناء شرق أسيا ثم العرب ومن إليهم، لكنَّنا اليوم وجدنا النسبة ترتفع خاصَّة في الأجيال الجديدة من أبناء المسلمين، والطلاق في السنة الأولى أكثر منه بكثير من الطلاق بعد السنة الأولى.

 فإذا عدنا بالنظر لرصد هذه الظاهرة في بلاد المسلمين والعرب بقطع النظر في المستوى المعاشي، نجد أنَّ الظاهرة منتشرة بحيث تنافس نسبة الطلاق لدى البيض في الولايات المتحدة، التي اقتربت منها كثيرًا نسبة الطلاق بين المسلمين، وذلك يعني أنَّ النظرة إلى الزواج قد تغيَّرت كثيرًا، ولم تعد الأسرة محضنًا مقدسًا آمنًا يباركه الله (جل شأنه)، ويحنو عليه، ويقود مسيرته أبوان متفاهمان زوج وزوجة، بل صار نوعًا من العلاقة الهشة، التي لا تحيطها أيَّة قدسيَّة، ويتحكم فيها غالبًا الجانب المادي، بعد سقوط فكرة القداسة عن كل شيء في إطار هذه الحضارة، فما هي الأسباب الحقيقيَّة وراء هذه الظاهرة التي انتشرت في البلدان الفقيرة مثل أو أكثر من انتشارها في البلدان الغنيَّة؟

أولًا: انهيار مفهوم الأسرة، وفقدان الثقافة والمنابع التي تحيي هذا المفهوم وتنميه وتعززه في نفوس الشباب والشابات.

ثانيًا: سهولة الحرام وصعوبات أمام الحلال، فإذا كانت فكرة الأسرة قد انهارت وأصبح الغرض الأساس تلبية دواعي الغرائز، ووجد الذكر والأنثى لغرائزهما سبلًا محرمة، ولكنَّها يسيرة لا تحمل مسؤوليَّات ولا تكلِّف في الماديَّات، وبهت الشعور بيوم الدين والجزاء، وتقلص الإحساس بالحلال والحرام؛ رأى الناس –آنذاك- والشباب بخاصَّة أنَّ الأرخص لهم تلبية دواعي الغرائز بالسبل المحرمة، فلابد من العمل على جعل الحرام أصعب من الحلال، وأكثر مؤنة وتكلفة.

ثالثًا: تأثير النزعة الفرديَّة السائدة في الحضارة المهيمنة على أيَّة أمور أخرى، فأصبح الإنسان يدور حول نفسه، والمركز عنده ذاته ورغباته، فلم يعد يتحمل أيَّة ضغوط تحد من فرديَّته، أو لا تسمح له بتلبية متطلباتها.

رابعًا: اختلال النظم التعليميَّة والإعلاميَّة ومواقفها من مؤسَّسة الأسرة، وعنايتها بالبرامج ذات التأثيرات السلبيَّة على رابطة الزواج المقدسة.

خامسًا: فقدان التقوى؛ ولذلك فإنَّنا نجد القرآن المجيد حفيًّا جدًا بالتأكيد على التقوى، وأطلق على عقد النكاح الميثاق الغليظ: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾ (النساء: 21)، وأمر الرجل أولًا والمرأة ثانيًا باحترامه، وصيانته، وتقوى الله فيه، والعلم بأنَّ الله سيحاسب كل منهما على مدى احترامه لهذا الميثاق ووقوفه عند حدود الله فيه.

سادسًا: لابد من إعادة النظر في الرؤية الكليَّة للنكاح عند الجنسين، وإيجاد ثقافة بديلة تسمح لكل منهما أن يبني رؤية متخصصة في هذا الجانب الخطير من جوانب الحياة.

سابعًا: نحتاج إلى إحياء ثقافة الوالديَّة والأمومة ولا نتركها للتنشئة العفويَّة، فلابد من معرفة كل من الزوجين أنَّ النكاح هو اتفاق يرعاه الله (جل شأنه) ويحاسب على صيانته، ونشر هذه الثقافة بدءًا من الدراسة الابتدائيَّة. وليس لقائل أن يقول: كيف نفتح الأذهان من الطفولة إلى هذا الأمر أو على هذا الأمر؟ ولهؤلاء نقول: إنَّنا حين نفعل ذلك فإنَّما نفعله تلبية لضرورات لابد من مراعاتها، فنستطيع أن نشعر بالفرق بين البنات والأولاد بطرائقهم في اللعب واللهو في مرحلة الطفولة، وكيف تكون الطفلة منذ بداية نشأتها حريصة على اللعب التي تشعرها بأنَّها ستكون ذات يوم أمًا، وما يمثله الأطفال من أدوار وهم في سن مبكرة جدًا وهم يشاهدون آباءهم وأمهاتهم، وقد يرون أشياء لا تفسر لهم ولا يدركون معانيها فيسيئون فهمها أو تترك آثار سيئة في أذهانهم، فالأولى أن يكون ذلك بطريق التعليم الراشد الذي يستطيع أن يبني لديهم المفاهيم الأساسيَّة حول مؤسَّسة الأسرة وضرورة احترامها منذ الصغر وينشئون على ذلك.

إنَّ القرآن المجيد قد أولى مؤسَّسة الأسرة عناية فائقة لم تحظ من أي كتاب سماوي أو أرضي بمثلها، ونجد هذه الأحكام في سورة البقرة وغيرها من سور القرآن، ويمكن أن تقدم لنا آيات الكتاب الكريم كثيرًا من المبادئ والقواعد والسنن التي إذا تم استيعابها وتثقيف الناس بها فإنَّها سوف تساعد على حماية هذه المؤسَّسة ووقايتها وإعادة بنائها على أقوى الداعائم وحمايتها من الأعاصير.

ومن المفيد أن نختم هذا بهذه القصة الرائعة قصة زينب بنت جرير التي تزوج منها شريح القاضي والقول له:

عندما دخلت بها قلت: إنَّ من السنَّة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم ويصلي ويسأل الله تعالى أن يمنحه ما فيها من خير، وأن يجنبه ما فيها من شر، قال: فتوضأت فإذا هي تتوضأ بوضوئي وصليت فإذا هي تصلي بصلاتي فلما قضيت صلاتي أخذت ثيابي، وألبستني ملحفة قد ضيعت بالزعفران، فلما خلا البيت دنوت منها فمددت يدي إلى ناصيتها فقالت: على رسلك يا أبا أميَّة، ثم قالت: الحمد لله أحمده، وأستعينه، وأصلي على محمد وآله، أمَّا بعد.

فأنِّي امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك فبين لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأجتبيه، فإنَّه قد كان لك في قومك من تتزوج منها، وكان لي في قومي من أتزوج منه، ولكن إذا قضى الله أمرًا كان مفعولًا، وقد ملكت فاصنع ما أمرك به الله تعالى، إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم، لي ولك ولجميع المسلمين.

قال: فأحوجتني والله إلى الخطبة في ذلك الموضع فقلت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد وآله، أمَّا بعد.

فإنَّك قلت كلامًا إن ثبت عليه يكن ذلك حظًا لي، وإن تدعيه يكن حجة عليك، أحب كذا وأكره كذا، وما رأيت من حسنة فبثيها، وما رأيت من سيئة فاستريها.

فقالت: كيف محبتك لزيارة الأهل.

قلت: ما أحب أن يملني أصهاري.

قالت: فمن تحب من جيرانك يدخل دارك حتى آذن له؟ ومن تكره حتى لا آذن له؟

قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء.

قال: فبت معها أنعم ليلة.

ومكثت معي حولًا لا أرى منها إلا ما أحب، فلما كان رأس الحول، جئت من مجلس القضاء فاذا أنا بعجوز في الدار تأمر وتنهي.

قلت من هذه: قالوا: فلانة أم خليلتك.

قلت: مرحبًا، وأهلًا وسهلًا، فلما جلست أقبلت العجوز فقالت: السلام عليك أبا أميَّة.

فقلت: وعليك السلام، ومرحبًا بك وأهلًا.

قالت: كيف رأيت زوجتك؟

قلت: خير زوجة، وأوفى قرينة، لقد أدبت فأحسنت الأدب، وريضت فأحسنت الرياضة، فجزاك الله خيرًا، فقالت: يا أبا أميَّة: إن المرأة لا يرى أسوأ منها إلا في حالتين.

قلت: وما هما.

قالت: إذا ولدت غلامًا، أو حظيت عند زوجها، ووالله ما حاز الرجال أسوأ من الزوعاء المدللة.

فقلت: والله لقد أدبت فأحسنت الأدب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *