Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الثقافات وحاجتها إلى المراجعة

أ.د. طه جابر العلواني

طولب المسلمون من أبنائهم ومن أعدائهم في وقت واحد ومن أصدقائهم كذلك بأن يراجعوا ثقافتهم، وأنَّ ثقافتهم -خاصَّة ما كان لها أصل ديني- هي ثقافة معوجة منحرفة، تحرِّض على العنف وتدعو إليه، وتصنع نفسيَّته وعقليَّته بمختلف الأشكال؛ ولذلك قد ارتفعت الأصوات قبل 11 سبتمبر وتعالت بعدها وقبل شارلي إيبدو وتعالت بعدها بأنَّ المسلمين يجب أن يجبروا على تغيير ثقافتهم، والتحول عنها، وتمَثُلِ التجارب الغربيَّة في التنوير والإصلاح الديني، وتبني مواقف الاعتراف اللاهوتي الذي دخل الثقافة المسيحيَّة من بوابة الاعتراف بالذنب والخطيئة.

 وكل حادث يحدث في العالم اليوم يزيد في نسبة الأصوات المطالبة للمسلمين بالاعتراف بذنوبهم، وأصبحت كلمات الشجب والتنديد، والسكوت، والتأييد وعدم التنديد، كل أولئك أصبحت مفاهيم تبنى عليها مواقف، ففي بادئ الأمر كان كافيًا لكي يحصل المسلم على لقب المسلم المستنير أو المتبني للإسلام الحضاري أن يشجب العنف، ويرفضه، وبعد شارلي إيبدو قالوا: ذلك لا يكفي، بل لابد من اعترافات صريحة بعدم صلاحية الإسلام.

 فإن لم يقف المسلمون –من وجهة نظرهم- صفًا واحدًا، حكامًا ومحكومين، علماء ومشايخ، آيات الله وحجج الإسلام، وأصحاب الفضيلة والسماحة، وكبار الأئمة وصغارهم، ليشجبوا العنف الإسلامي ومصادره، ويعترفوا اعترافًا صريحًا واضحًا بأنَّ العنف رديف التخلف دون تفريق، وأنَّ العنف مرفوض، ومرفوض أي أمر يصدر بممارسته من أيَّة جهة، سواء صدر الأمر بالعنف من الله (تعالى) مثل قوله: ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا * الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (النساء:75-76)، أو قوله (تعالى): ﴿.. فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (التوبة:12)، أو يصدر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو عن الأمَّة كلها بإجماع، كل ذلك ينبغي أن يشجب، ويرفض، ويعترف المسلمون بوجوده في قرآنهم، وسنة نبيهم، وتراثهم كله، ثم يعلنون بعد ذلك، وبعد الاعتراف بالطريقة “اللاهوتيَّة”، تخليهم عن هذا النوع من النصوص، وأيَّة نصوص مماثلة أخرى، ورفضهم لها، والتنديد بها، وشجبها.

 ثم المسارعة إلى مدارس الاستشراق الغربيَّة وتسجيل طلبات لها بأن تعلمنا التجربة الغربيَّة في التنوير والإصلاح، وندفع الرسوم، ونقف طوابير على أبواب فصول نتلقى فيها أصول الحداثة والتنوير على أيدي البابا وﭬـولتير دفعة واحدة، فالمقاعد محدودة، والوقت قصير، والأجور الدراسيَّة غالية، تقتضي أن نسلمهم البترول كله، وسائر المعادن في أرضنا، بالسعر الذي يريدون، وأن نعلن أنَّنا معترفون بأخطائنا، مقرُّون بخطايانا، مسؤولون عن ذنوب آبائنا وأجدادنا، وأنَّنا سوف نقرأ آيات القرآن آية آية؛ لنفصل ما بينها وبين العنف من صلات، وكذلك سنفعل في الأحاديث النبوية، فلا يصبح الحديث عندنا ما صح سندًا ومتنًا، أو رواه البخاري ومسلم، بل الحديث ما صححته الحداثة، وتقبَّلته الليبراليَّة، واتسعت له أبواب العلمانيَّة، وكذلك كل قواعد أصول الفقه، والفقه، والبلاغة والأدب والنقد، والنحو الصرف، والتفسير، والتوحيد، نعرضه كله فما قبله البابا وﭬـولتير معًا أخذنا به، وما رفضه أي منهما فهو مرفوض.

وإلا فالعرب والمسلمون جميعًا مذنبون، مسؤولون عن كل ما تقدم، بما فيها إخراج البيزنطيين من جزيرة العرب، والحروب الصليبيَّة التي لم نسمها صليبيَّة بل هم الذين سموها، والحروب الاستعماريَّة الحديثة أو الاستحماريَّة، وأن نعترف بأنَّ ما انبثق عن الغرب وعاش فيه من لاهوت و  Jewish Christian، يهودي مسيحي، والحداثة والليبراليَّة، والعلمانيَّة وسواها، خير كله، نتعبد به بعد التعميد الذي يتفضل الباباوات علينا به، وبعد ذلك يحق لنا أن نعود إلى الأسرة البشريَّة التي ستربت على أكتافنا الممزقة المريضة، وتتقبلنا آنذاك.

إنَّ أي مطَّلع مثلي ضاق اطلاعه أو اتسع على الديانات الثلاث؛ يجد أنَّ اليهوديَّة أجدر بذلك التجديد أو الإصلاح من أي دين آخر، أليست اليهوديَّة هي من جلب إلى منطقتنا كل الشرور والآثام بإقامة دولة إسرائيل، والمناداة بكذبة كبرى: بأنَّ أرض كنعان أو فلسطين أرض خالية من السكان تحتاج إلى شعب يسكنها، وأنَّ الله قد وعد شعبه المختار بأن يمنحها له، وهم بمقتضى وعد إلهي زرعوا مختلف الشرور والآثام على مستوى العالم لتحقيق ذلك الوعد المزعوم المدعى.

 وكذلك المسيحيَّة التي تؤمن بأنَّ المسيح قادم مرة أخرى، بعد أن أحبطت يهود محاولته الأولى للإصلاح؛ لكي يملأ الأرض عدلًا بعد أن ملئت جورًا، ويحكم الأرض ألف عام، وباسم العودة الثانية للمسيح والوعد الإلهي قامت الحروب، ونشأت صناعات الأسلحة، وأبيدت شعوب، وارتكبت ذنوب، وها هو العالم اليوم على شفا جرف هار، قد ينهار به في أيَّة لحظة في نار جهنم.

ولقد كتبت قبل فترة في ذنوب الشعوب، وبينت عدالة الإسلام حين كان يأمر الجماعة بالإنجازات العمرانيَّة، وبالفعل العمراني، وأمَّا الجزاء فإنَّه يعلقه على الفعل ونتائجه، ونصيب فاعله فيه، ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (الزلزلة:7-8)، وأنَّه ليس من قبيل التوبة الانتحار: ﴿.. فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ .. (البقرة:54)، بل: ﴿.. وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (النور:31)، إنَّنا نعلم أنَّ تراثنا في حاجة إلى مراجعة؛ ولذلك كتبنا في مقالة سابقة بيدي لا بيدك يا عمرو.

 ونطالب اليوم هؤلاء بأن يلتفتوا إلى ما لديهم، فلم يتحدث أي منهم عن حرمة سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باعتباره نبيًا ورسولًا، وأنَّه وعيسى وموسى وسليمان وداود ونوحا وإبراهيم وغيرهم لهم على البشريَّة حق الاحترام، والفنان إذا كان فنانًا حقيقيًّا فإنَّ بين يديه ملك الله الواسع، الطبيعة بكل ما فيها، والأمم بكل من ينتمي إليها، يستطيع الفنان الصادق أن يعبر لو شاء بالكاريكاتير أو غيره عما يريد، فلما يختار شخصًا من الأنبياء والرسل تعظمهم الأمم، وتتخذ منهم نموذجًا ومثلًا وأسوة؛ ليحطم ذلك المثل، ويدمر ذلك النموذج؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *