Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

درجة الرجال مسؤوليَّة وليست أفضليَّة

د.طه جابر العلواني

جاء مفهوم «الدرجة» في قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ﴾ (البقرة:228)، وهذه الآية الكريمة سُبقت بآية «الإيلاء»، وجاءت بعدها الآية التي حدَّدت عدد الطلقات بـ«مرَّتين»، لا يكون بعدهما -إذا أُجريتا على الوجه الشرعيِّ- إلاّ تراجع الزوج وإمساكه لزوجه بالمعروف، أو تسريحه لها بإحسان، على ألاّ يأخذ منها شيئًا مما قدَّمه لها، ثم يأتي في ختام الآية موضوع «الخلع» الذي تفتدي المرأة به نفسها لتُنهي زواجًا لم تعد تُطيق استمراره.

فالآية السابقة، التي سبقت آية «الدرجة» في «الإيلاء»؛ وهو حَلف الرجل على ألاّ يقرب زوجته، وقد كان عادة سائدة في الجاهليَّة، وهو من أيمان السفهاء التي تحول بين الحالف والبر والتقوى والإصلاح في شأن أسرته، وسنأتي له بالتفصيل في حلقة لاحقة إن شاء الله، ما يُهمُّنا منه -هنا- أنَّه يمين جاهليٌّ يختصُّ به الرجال، وهم مَنْ عليهم أن يقرِّروا الرجوع عنه أو الطلاق، والرجل يستقل بفعل الإيلاء والفيء؛ أي: الرجوع عنه والطلاق، أمّا المرأة فإنْ خافت أو خاف الأولياء ألاّ يقيما هذان الزوجان حدود الله؛ فلا جناح على الزوجة أن تفتدي نفسها، وتلجأ إلى «الخلع»، وهذا يعني أنَّ «الدرجة» الواردة في الآية المذكورة هي درجة المسؤوليَّة عن إيقاع «الإيلاء»، ومسؤوليَّة الرجوع عنه بالعودة إلى معاشرة الزوجة بالحسنى، تلك المعاشرة القائمة على «البر والتقوى والإصلاح»، ومسؤوليَّة التوبة وعدم مشابهة أهل الجاهليَّة فيما كانوا يمارسونه من أيمان بقصد الإضرار بالزوجات وتعليقهنَّ.

هنا تُصبح «الدرجة» ليست درجة علوٍّ أو أفضليَّة -بحيث تتعارض مع نصوص المساواة بين الرجل والمرأة في المكانة والمبدأ والمعاد، وغاية الحق من الخلق- بل درجة مسؤوليَّة تقوم على ضرورة تجاوز خصال الجاهليَّة، والتمسُّك بمبادئ القرآن المجيد في المحافظة على الأسرة ودعم بنائها، وأولها: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (النساء:19)، ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (البقرة:228)، إنَّ المفروض والمنتظر من المؤمنين أن يتَّقوا الله في أزواجهم وأسرهم، فبناء الأسرة رسالة اجتماعيَّة، فالأسرة هي الوحدة الصغرى في المجتمع، إذا صلح بناؤها، واستقام شأنها، وكانت العلاقات صحيَّة بين طرفيها الأساسيَّين -الرجل والمرأة- صلح المجتمع وصلحت مقوِّماته، وصلحت الدولة واستقامت على الطريقة، فالصلاح والتقوى والبر والمعروف يبدأون في النفس، وينعكسون -أولاً- على الأسرة، التي إذا هيمن عليها الأمن والطمأنينة والاستقرار، انعكس ذلك على سائر مكوِّنات المجتمع ومؤسَّساته، ولا يمكن لمجتمع أن يحظى بالتماسك والاستقرار والأمن النفسيِّ والاجتماعيِّ إذا كانت «مؤسَّسة الأسرة» فيه قلقة غير مستقرة؛ ولذلك فإنَّنا حين نتدبَّر القرآن، ونفهم آياته الفهم الصحيح، سوف ندرك أن آيات سورتي النور، وكثيرًا من آيات سورة الأحزاب، وما بثَّه الله في سور القرآن المجيد، كل تلك الآيات يمكن أن تفهم في إطار ذلك الهدف القرآنيِّ العظيم، ألا وهو تدعيم بناء الأسرة وحمايتها وصيانتها من العبث واللهو واللعب، فهي ميثاق غليظ, ومسؤوليَّة كبرى.

 فالله حين حرَّم الزنا ووصفه بأنَّه فاحشة ومقت وساء سبيلاً، ورتَّب على من يظاهر به عقوبة زاجرة، وحرَّم اللواط والسحاق, وما يعرف -اليوم- بالنكاح المثلي, وسائر الممارسات الشاذة، كل ذلك صيانة لكرامة الإنسان, والارتفاع به عن مستوى الحيوان الأعجم, وحماية للأسرة, ولم يكن القصد الشرعيُّ الحدَّ من حريَّة الإنسان، إذ إنَّ الممارسات المنحرفة لا يمكن أن تكون دليلاً على الحريَّة, بل هي دليل الانهيار والتدني إلى مستوى الحيوانيَّة.

فلنتَّق الله في أمتنا وشعوبنا ومجتمعاتنا ودولنا بتقوى الله في نسائنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *