Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الفقه والعرف

د.طه جابر العلواني

فقهنا الإسلاميُّ يحتل موقع القلب من تراثنا الحضاريِّ الإنسانيِّ, انبثق عن شريعة إلهيَّة قرآنيَّة، نزل بها كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنـزيل من حكيم حميد. وهو فقه غنيٌّ جدًّا في مضامينه وقواعده, أخلاقيٌّ قِيَمِيٌّ في مقاصده, دقيق في منطقه وفلسفته, واقعيٌّ عمليٌّ في مسائله ومباحثه، مستوعب في فروعه, متجدِّد في أصوله.

ومن حكمة الله أن جعل في أصل الشريعة ومنشئها -القرآن المجيد- مجموعة كبيرة من الخصائص والمزايا, في مقدِّمتها قدرات التصديق والهيمنة والاستيعاب والتجاوز. فبـ«التصديق» يُعيد القرآن المجيد تراث النبيِّين وكتبهم الموحاة إلى حالة الصدق التي نزلت بها، بعد تنقيتها من كل ما قد شابها من تغيير وتحريف أو مؤثِّرات إنسانيَّة. وبـ«الهيمنة» وضع القرآن تراث النبوَّات الخالص بين آياته, وجعله في حمايته؛ ليكون الدين الواحد لله الواحد؛ ولئلا يتعرَّض مرَّة أخرى إلى التدخل البشريِّ. وبـ«الاستيعاب» القائم على «إطلاقيَّة القرآن المجيد»، وما حمله خطابه المكنون من كليَّات عامَّة, وقواعد مشتركة، ومقاصد عليا، يستطيع القرآن أن يستوعب مشكلات البشريَّة عبر الأزمنة والأمكنة، فليس في البشريَّة مَنْ يرفض «التزكية الإنسانيَّة» التي هي قوام إنسانيَّة الإنسان، وليس فيها من يرفض العمران والمدنيَّة للكون الذي يعيش فيه، ولا يُتصوَّر وجود الإنسان الذي يُفضِّل أن يكون عبدًا مملوكًا -لبشرٍ مثله- على أن يكون عبدًا للخالق البارئ المصور الواحد، وهنا يقدِّم القرآن المجيد منطلقات صالحةً لبناء قواعد تفكير إنسانيٍّ مشترك تلتقي عليها البشريَّة؛ لتأخذ بيدها إلى الدخول في السلم كافَّة.

والقرآن المجيد توسَّل لإصلاح حال البشريَّة والوصول بها -إلى ذلك الهدف الذي ذكرنا- بمنهج إصلاح فعَّال متدرِّج، يبدأ من إصلاح وتزكية النفس والضمير؛ لينتهي بإصلاح الأرض كلِّها.

ولذلك فقد اعترف «المنهج القرآني» بأنَّ عادات الناس، وأعرافهم، وتقاليدهم, وما درجوا عليه -من احترام ماضيهم وآبائهم- يحتاج إلى مزيد من التأنِّي والتريُّث والحكمة؛ لتعالج وتصلح دون أن يقع الإنسان فريسة أعراض جانبيَّة، قد تجعل من محاولات الإصلاح وسائلَ لمعالجة أمراض اجتماعيَّة ومفاسد أسريَّة قد تُحدث أمراضًا أشدَّ فتكًا وأكثر ضررًا وإيذاءً.

ولذلك كان للعادات الشعبيَّة«Folk Way» والعادات الفرديَّة «Habits» والأعراف «Mores» أو «Custom» موقعها المتميِّز في «المنهج القرآنيِّ»، وتعتبر معالجته لعادات العرب قبل الإسلام؛ من شرب الخمر والتفنُّن فيها, و ممارسة الزنا والفجور، نموذجًا لكيفيَّة تغيير العادات لم تصل البشريَّة إلى مثله إلاّ في عصرنا هذا، حين صارت عمليَّات تعديل السلوكيَّات والعادات والأعراف والتقاليد علومًا سلوكيَّة واجتماعيَّة ذات مناهج متعدِّدة فاعلة، ومن بين معالم ذلك «المنهج القرآنيِّ» التدرُّج الحكيم، والتفريق بين الأعراف الحسنة والأعراف والعادات السيئة.

فحين يتحالف العرب على نصرة الضعفاء وحمايتهم من الاعتداء عليهم -خاصَّة في الحرم- يقول عليه الصلاة والسلام: «لقد حضرت في بيت ابن جدعان في الجاهليَّة حلفًا لو دُعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت»، ويقول حينما زارته ابنة حاتم الطائي الذي مات قبل الإسلام: «إن أباها كان يحب مكارم الأخلاق»، بل يجعل -عليه الصلاة والسلام- صُلْبَ مهمته النبويَّة إتمام مكارم الأخلاق: «إنَّما بُعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق»، وفي هذا اعتراف صريح بأنَّ هناك أخلاقًا حسنة امتزجت بأخلاق سيئة, وأنَّه جاء -صلوات الله وسلامه عليه- ليُنقِّي الحسن ويُنمِّيه ويبني عليه؛ وليميز السيِّء والخبيث من ذلك، ويُحذِّر الناس منه.

فما هي العادات والتقاليد والأعراف السيِّئة؟ وكيف عالجها «المنهج القرآنيّ» و«الحكمة النبويَّة في التطبيق»؟

رأي واحد على “الفقه والعرف”

  1. ان قبول الاسلام لاعراف مجتمعات مختلفة بشرط واحد وهو عدم مناقضة الدين يفسح المجال رحبا ليدخل الناس في الإسلام ويحافظوا في الوقت ذاته على ثقافاتهم المختلفة وهذا يعطي تنوعا مجتمعيا للمسلمين ويفسح المجال للتعارف ويمنع الصورة النمطية الواحدة للمجتمع المسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *