Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الأمن الغذائيُّ فريضة واجبة

د/ طه جابر العلواني

خلق الله الإنسان جسدًا ونفسًا، لجسده حاجات ذات مستويات عديدة؛ منها الضروريُّ ومنها ماهو بمنـزلة الحاجة الملحَّة, ومنها ما هو كماليٌّ، وخلق الله للإنسان الأرض, وسخَّر له الكون, وأسبغ عليه نعمه؛ ليقوم بتحقيق غاية الحق من الخلق، فهو سبحانه الذي خلق لنا ما في الأرض جميعًا, وأمرنا أن نستثمر ما أودع الله في الكون مِنْ نِعَم, ونعمِّره ونستمتع بخيراته، ونشكره -سبحانه وتعالى- على ذلك، ونقيم الحق والعدل فيه.

والطعام والشراب من الضروريَّات لبقاء الحياة وتمكين الإنسان من أداء دوره فيها، إلى ضروريَّات أخرى؛ من تنفس الهواء النقيِّ، والاستفادة من سائر الطيبِّات, فمن استطاع الكسب فذلك واجب عليه، ومن لم يستطع الكسب لموانع تسلبه القدرة على ذلك كان على القادرين من أبناء الأمة أن يساعدوه في الحصول على ما تقوم به حياته؛ ولذلك صار العمل لتأمين ضروريات الإنسان وما يحتاجه، وبعض الكماليَّات، من مقاصد الشارع التي تناولتها أوامره وتوجيهاته بمستويات مختلفة؛ وذلك ليتحقق للإنسان الإحساس بالأمن والطمأنينة إلى أنَّه يجد ضروريَّاته، فما صار يُعرف في أيامنا هذه «بالأمن الغذائيِّ» إنَّما هو فريضة شرعيَّة لا يحق لأمة أن تتهاون فيها، ولا يجوز لأبناء الأمة أن يُفرِّطوا فيها، أو يتهاونوا في توفير ما يحقق لهم ذلك الأمن والطمأنينة إلى أنَّ ضروراتهم واحتياجاتهم مؤمَّنة، وأنَّه لن يجوع أحد من أبناء الأمة.

وتوفير هذه الأمور يُعدُّ من العبادات الداخلة فيما تعارف الفقهاء على تسميته بـ«فروض الكفايات»، وهي الفروض التي فرضها الله على الأمة كلها, وكلها تصبح مسؤولة أمام الله، وتستحق ذلَّ الدنيا وعقاب الآخرة لو لم توفِّر لكل أبناء الأمة تلك الضروريات، وتعتمد الأمة آنذاك على جهودها -بعد الله تعالى- في توفير هذه الأمور، وتطمئن إلى أنها تأكل مما تزرع وتربِّي وتُنمِّي, وتشرب مما في أرضها من وسائل تجعل الماء موفورًا للإنسان والحيوان والنبات، وتلبس مما تُنتج.

وقد نصَّ كثير من الفقهاء على وجوب توفير هذه الأمور على مجموع الأمة –كل بحسب قدرته- لتحقيق هذه الأمور التي لا يستطيع الإنسان أن يؤدى دوره في الحياة إن لم يطمئن على توافرها، ولا ينبغي لأمة أن تكل هذه الأمور إلى غيرها حتى لو كانوا أصدقاء؛ لأنَّ ذلك لن يُعطيهم الطمأنينة الكافية التي تمثِّل أهم شروط الاستقرار النفسيِّ والأسريِّ والمجتمعيِّ، حيث يطمئن الناس وتوضع العلاقات بينهم جميعًا موضع السلامة والاستقرار.

ولقد رزق الله الأمة الإسلامية بإمكانات طبيعيَّة هائلة، إضافة إلى الطاقات البشرية، بحيث لو تكاملت أقطارها لانتفى الجوع والعري والعطش، وتبدَّدت مخاوف شعوبها وعوامل القلق التي تزعجها.

إنَّ من المزعج تمامًا أن تُشير بعض التقارير إلى أنَّ أكثر البلدان التي تحصل فيها وفيات نتيجة نقصان الضروريَّات هي بلدان تنتمي إلى المحيط الإسلامي، في حين أنَّ لبعض هذه البلدان أراضٍ خصبة ومياه وفيرة تتحول في بعض المواسم إلى فيضانات كاسحة, فمتى نستطيع أن نرى أسماء هذه البلدان المسلمة تُحذف من قائمة البلدان التي تحدث فيها وفيات كل يوم نتيجة النقص في المواد الغذائية وعدم تحقيق «الأمن الغذائيِّ»؟

تُرى لو أدرك أبناء تلك الشعوب المسلمة أنَّ توفير الضروريات فرائض -لا تقلُّ أهمية عن فرائض الصلاة والصيام والحج والزكاة، فتُحيي الموات من أرضها وتتكامل فيما بينها- هل كانت أسماء تلك الشعوب المسلمة في آسيا وإفريقيا تتصدر قوائم البلدان المنكوبة بالمجاعات؟ أملنا كبير أن نجد من العلماء وقادة الرأي والفكر ووسائل الإعلام اهتمامًا خاصًّا بالتوعية على هذا الفرض من الفروض المنوطة بعاتق الأمة كلها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *