أ.د/ طه جابر العلواني
الأحاديث الموضوعه هي أحاديث افتراها وضَّاعون، احترفوا فبركة أقوال يطلقون عليها أحاديث، وما هي بأحاديث لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بل هي أحاديث خرافيَّة يصنعونها، كما يفعل بعض الإعلاميين المعاصرين، الذين احترفوا فبركة الأخبار أو الإضافة عليها والمبالغة فيها أو الحذف منها، بحثًا عن الإثارة، ونيل الإعجاب، أو تملق من لهم مصلحة لديه.
ومنذ أن تأسست بغداد بأوامر وتخطيط من أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي الذي يعد المؤسس الثاني لدولة بني العباس (754 – 775م) وضعت مجموعة هائلة من الأحاديث من معارضي العباسيين السياسيين؛ للانتقام من أبي جعفر المنصور وأسرته من بني العباس، وإفشال سياساتهم في كسب الجماهير بطريق الإنجازات، ونيل إعجابهم بها، ولا شك أنَّ تأسيس العاصمة المدورة بغداد كان يعد إنجازًا في غاية الأهميَّة، ومشروعًا ضخمًا في ذلك الوقت، فوضع الوضَّاعون للتنفير من بغداد أحاديث عديدة، ونشروها بين الجمهور، ووضعوا لها أسانيد، على رأي العامة: “متخرش المية”.
من تلك الأحاديث، أحاديث وردت عند جامعي الموضوعات مثل ابن الجوزي في الموضوعات، وكتاب السيوطي اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، الذي أورد عشرين حديثًا من هذه الأحاديث في دمار بغداد، وهلاك أهلها، من هذه الأحاديث حديث يقول: “تُبْنَى مَدِينَةٌ بَيْنَ دِجْلَةَ وَالدَّجِيلِ، وَقُطْرُبُّلَ وَالصَّرَاةِ، تُجْبَى إِلَيْهَا جَبَابِرَةُ الأَرْضِ وَجَبَابِرَتُهَا تَخْسِفُ بِأَهْلِهَا، فَلَهِيَ أَسْرَعُ هَوِيًّا مِنَ الْوَتِدِ الْحَدِيدِ فِي الأَرْضِ الرِّخْوَةِ” وتلك حدود بغداد آنذاك، وفي حديث آخر بعد ذكر الحدود يقول: “بلدة يبنيها بنو عمك العباس -وكأنَّه يخاطب علي (رضي الله عنهم أجمعين)- يجتمع فيها كل جبار عنيد، يخسف بها آخر الزمان، إنَّها لتسيخ في الأرض كما يسيخ الوتد في الأرض السبخة”، وحديث ثالث يقول: “يزجر الناس قبل قيام القائم عليه السلام عن معاصيهم بنار تظهر لهم في السماء، وحمرة تحلل السماء، وخسف ببغداد، وخسف ببلدة البصرة، ودماء تسفك بها، وخراب دورها، وفناء يقع في أهلها، وشمول أهل العراق خسوف لا يكون معه قرار”. حتى إنَّ ابن كثير وضع في تفسيره واحدًا من هذه الأحاديث، زعم فيه أنَّ رجل سأل عبد الله بن عباس عن تفسير (حم عسق) الشورى، فتهرب من الإجابة ثلاث مرات، وفي الرابعة قال أحد جلسائه للسائل: “إنَّ ابن عباس لا يحب أن يجيبك على هذا السؤال؛ لأنَّ الآية نزلت في واحد من أهل بيته، سوف يملك مدينة يقسمها النهر إلى شقين، اسمه عبد الله أو عبد الإله -وكان عبد الإله آخر ولي للعهد في النظام الملكي العراقي- يجتمع فيها جبابرة الأرض، يحترق الجانب الشرقي منها فيتعجب الجانب الغربي كيف أفلت من الحريق”، وقد انتشر هذا الحديث وشاع بعد انقلاب 14 تموز، الذي أطاح بالعهد الملكي في العراق، وبالفعل في الأسبوع الثاني من الانقلاب شب حريق هائل في مطافي بترول “الدورة” وكان اللهب والدخان إذا ما تحركت الرياح يكاد يعبر النهر من “الدورة” إلى جانب “الرصافة”، وما بقي أحد في العراق يشك في صحة وصدق ذلك الحديث، اللهم إلا بعض المناكفين أمثالي، وكاد يطيح بالانقلاب ورجاله لو كان لهم معارضون.
هذه الأحاديث رغم كذبها وفبركتها لكن من الواضح أنَّ الذين فبركوها كانوا أذكياء جدًا، ولهم خبرة إعلاميَّة وقدرة هائلة على التأثير في الجماهير، واختيار ألفاظهم وموضوعاتهم بعناية فائقة، لم أجد ما يشبهها إلا ما تصنعه أجهزة المخابرات العملاقة المعاصرة مثل (CIA)، و(KGB) و (SIS) Secret Intelligence Service، الذين يستعملون القصص الخياليَّة المصنوعة في الوقت الحاضر، ففي مثل هذه القصص رأينا المخابرات تطلق قصصًا مثل: (The mahdi in Islam)، و (invasion in a good friday)، وهكذا، وهناك أكثر من خمسين رواية وقصة من التي تزيع في الغرب بالملايين يقرأها الناس في المطارات والقطارات، ووسائل النقل للتسلية، لكنني أعتبرها بالونات اختبار ومقاييس تقيس إلى أي مدى يكون لدى الشعوب ردود أفعال تجاه موضوعات مهمة، كالتي يطلقونها.
فهذه الأحاديث الموضوعه المصنوعة في ذلك الزمان أو في تلك الأزمنة كانت تقابل مثل هذه الروايات والقصص، فبعد انتهاء الحرب المفروضة بين إيران وصدام حسين ومن حوله انتشرت روايات من هذا النوع، حول العراق، وإيران، والكويت، والسعوديَّة، والخليج بعامَّة، ومن الواضح أنَّ تلك الروايات والقصص كانت تحبك في مخابر تلك الأجهزة، ولم يكن قومنا يلتفتون إلى ما فيها، ويندر أن يطلع عليها من أبنائنا من يدرك مغازيها ومقاصدها.
واذكر أنَّ موشي ديان سئل قبل أن يُذهب به إلى حيث يستحق، كيف استطاع أن يباغت العرب في خمسة يونية؟ فقال: لم تكن مباغتة أبدًا، ولو أنَّ العرب يقرأون لاستطاع أي عريف في جيش من جيوشهم له خبرة بالحروب أن يدرك أنَّنا سنفاجئهم بحرب في صيف 1967، وأشار إلى أنَّ راديو إسرائيل كان يذيع مسلسلًا لقصة بعنوان: “موتى بلا قبور”، مشيرًا إلى المقابر الجماعيَّة التي ألقوا بها شهداءنا من قتلاهم وأسراهم، بأنَّها كانت هي المقصودة بهذه الرواية التي استمر راديو إسرائيل يذيع حلقاتها شهورًا عديدة، ولم ينتبه إليها في حينها أحد.
وأظن أنَّ الأحاديث الموضوعة هي موضة العصور المتقدمة أو السابقة، التي استبدلت بما يعرف بال(Fiction) وبالوانات الاختبار من قصص وروايات وما إليها، والذين يقومون بهذه الأعمال فيهم من يفعلها كما يفعل الكهنة والعرافون ومن إليهم.
هذه أمريكا تعود إلى العراق في أواخر عهد أوباما، كما فعلت بريطانيا حين خرجت سنة 1928 وعادت في 1941 وكيف يتركون العراق في حاله ولأهله، وهم يعلمون أنَّ آخر قطرة من البترول يستخرجونها من الأرض العراقيَّة، وأنَّ بترول الأرض كله سينضب لكن آخر ما ينضب هو بترول الأراضي العراقيَّة، وكذلك المعادن الكثيرة التي اشتملت عليها أرض العراق، إنَّهم قد قرروا بعد دخول صدام الكويت بثلاثة أشهر أن يعيدوا العراق إلى العصر الحجري، أو إلى أواخر القرن الثامن عشر، وبدايات التاسع عشر، وكان أحد السيناريوهات المطروحة تهجير سكان العراق ونقل ملايين من سكان الولايات المماثلة للمناخ العراقي ليعيشوا على الأرض العراقيَّة.
فلا أمل إذًا في عودة الأمن والاستقرار إلى العراق والعراقيين، وسيبقى هذا الشعب مهما تغيَّرت حكوماته تحت أنظار ونفوذ هؤلاء القوم، وبدون أن يرجع العراقيون رجعة رجل واحد وامرأة واحدة إلى الله (تعالى)، ويتمسكون بكتاب ربهم، وهدي وسيرة نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأسلافهم الذين حملوا رسالة الإسلام إلى شعوب آسيا كلها، بعد الانتصار الساحق في معركة نهاوند؛ فلم تقوم لهم قائمة، ولن يتخلصوا من هذا الذل الذي يعيشون فيه. وعليهم أن يتخلصوا من جنون الطائفيَّة، ومشاكل الفرقة، ويضع كل منهم يده في أيدي إخوانه، لعل الله (جل شأنه) يشمل هذا البلد مرة أخرى برحمته، ويعينه على استرداد حريته، وإعادة بناء ذاته وشخصيَّته، ولنا إلى هذا الموضوع عودة -إن شاء الله.