Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الطائفيَّة مقبرة الأوطان

أ.د/ طه جابر العلواني

لو أنَّنا نمتلك الوعي الكافي لطالبنا كل أولئك الذين يتشدقون بالطائفيَّة من أيَّة طائفة كانوا بإثبات كونهم مسلمين أولًا، وأنَّهم ملتزمون بالإسلام كله، فهم مؤمنون مسلمون محسنون، وبعد أن يثبتوا اتصافهم بالإيمان والإسلام والإحسان لهم أن يقولوا: انتمينا إلى هذه الطائفة أو تلك لأنَّها هي الأقرب للإيمان والإسلام والإحسان، وابتعدنا عن الطائفة الأخرى لأنَّها بعيدة عن الإيمان والإسلام والإحسان، لكن ذلك كله لا وجود له، عند أي طائفي من أي طائفة من الطوائف كانت؛ ولذلك فإنَّ من السذاجة بمكان أن نصدِّق دعاوى الطائفيين أيًّا كانوا بأنَّهم يدافعون عن طوائف أو يدافعون عن مذاهب أو عن أديان تلك الطوائف، فهم إنَّما يسعون إلى مصالحهم، ويعبدون ذواتهم، دينهم دنانيرهم، ومذهبهم دراهمهم، وكل شيء بعد ذلك هم على استعداد لأن يرفضوه ويتهموه ويتجروا به ويبعون ويشترون.

الغربيون اليوم والإعلاميون المحليون والخارجيون كلهم يتحدثون عن أنَّ المنطقة العربيَّة الإسلاميَّة أو ما يطلقون عليه الشرق الأوسط يعاني من حرب طائفيَّة بين الشيعة والسنة، والحق أنَّ هذه الحروب وإن استغلت فيها شعارات طوائف لكنَّها أبعد ما تكون عما يسمى بالطائفيَّة، فالليبيون الذين يقتتلون في بنغازي وغيرها كلهم سنة، يغلب عليهم اتباع المذهب المالكي، ومع ذلك هاهم يقتل بعضهم بعضًا، لماذا؟ لأنَّ أصحاب القرار في نيويورك يرون في بترول ليبيا مطمعًا يريدون الوصول إليه، والقوى الإقليميَّة المحليَّة تحاول أن تقوم بدور السمسرة للشركات الكبرى وتجار البترول والأسلحة وباعة الدماء ومصاصيها؛ فلابد أن ينشبوا فتنًا وينشؤوا حروبًا.

 عشيرة البو نمر وداعش كلاهما سنة، ينتمون إلى المذهب السني، وداعش تبيد في شباب البو نمر إبادة لم تشهدها هذه القبيلة العربيَّة المسلمة في أيَّة مرحلة من مراحل التاريخ، وما من طرف شيعي بينهما، ومحافظة الأنبار عانت وما تزال تعاني من مذابح داعش، وكذلك كثير من القرى والمدن السوريَّة وقبائل دير الزور وغيرها قتل منها الآلاف بل عشرات الآلاف، والذي نعرفه أنَّه ليس بينها اختلافات مذهبيَّة، وهناك شيعة استدرجوا لإيجاد تنظيمات تقاتل السنة تحت عناوين مختلفة، توهمًا منهم أنَّهم إنَّما ينتقمون من صدام السني؛ للمقابر الجماعيَّة، ولضحايا الثورة الشعبانيَّة، وصدام رجل ينتمي إلى حزب تأسس على المركسيَّة اللينينيَّة بتطبيق عربي، كما كانت تنص مادته الأولى في دستوره الأسبق، الذي تم تغييره وتعديله عندما نادوا تحت ضغط العزلة عن بقيَّة فصائل الأمَّة بتعديلها، وتفعيل شعارات قوميَّة بل وشعارات دينيَّة، في حين أنَّ المسألة الدينيَّة لديهم فيها كتب عديدة ومؤتمرات كثيرة، تطلب من الأعضاء القياديين عدم التهاون في مقاومة الاتجاهات الدينيَّة، وعدم جواز التظاهر في ارتياد المساجد وأداء الصلاة؛ لئلا تنخدع الجماهير وتظن أنَّ الحزب حزب متدين، ينتصر إلى الدين.

 وقد قتل من علماء السنة على أيديهم من قتل، وأول شهيد من أهل العلم استشهد كان من السنة هو الشهيد الشيخ/ عبد العزيز البدري -يرحمه الله، سجن في عهد الرئيس أحمد حسن البكر، حيث أختطف ليلاً وهو في طريقه إلى داره، وأخذوه إلى معتقل قصر النهاية وتم تعريضه للتعذيب الشديد في السجن ثم قطعوا له أجزاء من جسده وقيل إنه قطعوا له لسانه، ولفظ أنفاسه الأخيرة في السجن، وتوفي في شهر ربيع الأول سنة 1389 هـ، الموافق شهر حزيران سنة 1969م، وبعد مرور سبعة عشر يومًا حمل الجلادون جثته وتركوها أمام بيته، وأخبروا أهله، أنَّه مات بالسكتة القلبية، وأمروهم بدفنه دون الكشف عليه، ولكن انتشر الخبر، وحمل نعشه إلى جامع أبو حنيفة للصلاة عليه، وهناك قام شقيقه بالكشف عن جثته أمام جموع المشيعين، حيث شاهدوا آثار التعذيب على سائر بدنه، فضلًا عن نتف لحيته. وبعد ذلك شردوا طه جابر وحاولوا قتله، وأنجاه الله منهم، وبدأت السلسة. وفي النهاية التفتوا إلى أهم علماء الشيعة المعاصرين الشهيد/ محمد باقر الصدر، صاحب الكتب الهامة، والدراسات القرآنيَّة المتميزة، فقتلوه وأخته نور الهدى، ولكن بعد أن قتلوا من علماء السنة عدد كبير، من العرب، ومن الأكراد، وشرد منهم الكثير.

 فيا قومنا إنَّ الصراع الدائم اليوم ليس صراعًا شيعيًّا سنيًّا بل هو صراع سياسي، صنعت أدواته كلها سياسات خارجيَّة تريد السيطرة على المواد الخام، وفتح أسواق لبيع منتجاها من الأسلحة، وتوسيع مناطق نفوذها، تساعدها في تأجيج ذلك قوى أقليمية تتزلف إليها، وتطلب رضاها، وتعمل على كسب حمايتها، ولو علم هؤلاء أنَّ الحماية بيدي الله، وأنَّ هؤلاء لا يشكلون حماية بل هم شياطين إنس مثلهم مثل شياطين الجن، ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (إبراهيم:22)، ولو أنَّهم يحرصون على نظام موالٍ أو يحمونه لحموا شاه إيران، الذي كان شرطيهم في المنطقة، ولحموا النظام الملكي في بغداد، وأنظمة أخرى كثيرة، لكنهم لا يحمون إلا مصالحهم محققة أو موهومة، وستبلونهم وتبلون أخبارهم وتتحققون يوم الحسرة أنَّ سيركم وراءهم وإنفاقكم لأموالكم سيحول كله إلى حسرة، يوم لا تنفع الحسرة ولا الندامة، فاتقوا الله في الأطفال وفي النساء، وأمسكوا عن إشعال الوقود في نيران الفتن، فالله (جل شأنه) ما خلق السموات والأرض إلا بالحق، واتقوا يوم ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *