Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الإمام الباقلاني ورده على من استدلوا بروايات لا تصح

أ.د/ طه جابر العلواني

الإمام الباقلاني يرد على الذين استدلوا بروايات لا تصح أو في أسانيدها ومتونها مقال، فإذا استكثروا أن يذهب أحد مثل الدكتور طه جابر العلواني؛ لأنَّه من المعاصرين (والمعاصرة حجاب) فليردوا على إمام الأشاعرة والمتكلمين القاضي أبو بكر الباقلاني أقواله في هذا التي ننقلها نصًا من كتابه العظيم الانتصار للقرآن، وإذا رغب أحد أن يصف أم المؤمنين عائشة وأمير المؤمنين عمر وغيرهم من قراء الصحابة بالقرآنيين إضافة إلى كبير الأشاعرة وإمام الأصوليين وعميد البلاغيين القاضي أبو بكر الباقلاني بالقرآنيين فيشرفنا ويسعدنا أن نضم إلى هذه الكوكبة من الأصحاب والعلماء في نظر هؤلاء، ولعل ذلك ينبه إلى دور بعض السياسيين في الترويج للأحاديث الضعيفة والتي عليها كثير من المآخذ عند أصحاب هذا الفن لإضعاف دور القرآن ودور العامة في محاسبتهم، وإضاعة الأمور عليهم بإضفاء ثياب الشرعيَّة على كل ما يذهبون إليه، ودعم شرعيتهم الزائفة بأحاديث شغلوا الناس بها عن القرآن وأبعدوهم عنه وفتحوا كثيرا من أبواب الفتن والريب على كتاب الله بهذه الحجج، وإليكم ما قاله الباقلاني في هذا:

باب ذكر ما يتعلقون به من الروايات عن عمرَ بن الخطّاب رضوان الله عليه والإبانةُ عن فسادِه
وأما ما يروونَه عن عمر بن الخطاب من أنه قال: “لقد قُتِلَ يوم اليمامة
قوم كانوا يقرؤون قرآنًا كثيرًا لا يقرؤه غيرُهم فذهب من القرآن ما كان
عندهم”، فإنه أيضا من الأماني الكاذبة والترهات الباطلة، وممّا لا يذهبُ
فسادُ التعلق به على ذي تحصيل، لأننا قد رَوينا فيما سلف من تظاهر أبي
بكر وعُمر وجماعة الصحابة على جمعِ القرآن وعرضِه وتدوينِ عُمرَ له
وعرضه عرضةً ثانيةً وضبطِه في الصحيفة التي خلَّفها عند ابنته حفصةَ زوج
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخذه الناسَ بذلك وتعريفهم أنّه جميعُ الذي كان أنزلَه اللهُ سبحانَه ما هو أظهرُ وأشهرُ وأثبتُ من هذه الرواية، بل هو الثابتُ المعلوم من حاله ضرورةً فثبت بذلك تكذُّبُ هذه الرواية على عمر، وأنها لا أصلَ لها، وأقل ما في ذلك أن تكون هذه الرواية معارضةً بالروايات التي ذكرناها، فلا متعلق لأحد فيها ولا سبيل له إلى تصحيحها عن عمر.
ثم يقال لهم: إن هذه الرواية لو صحَّت عن عمرَ لكانت محتملةً لتأويلٍ
صحيحٍ غير الذي قدمتموه، وذلك أنّ قوله: “لقد قتل يومُ اليمامة قومٌ كانوا يقرؤون قرآنًا كثيرًا لا يقرؤه غيرهم، فذهب من القرآن ما كان عندهم .”
يُحتمل أن يكون أراد به أنَّهم كانوا يكثرون دراسةَ القرآن وتلاوتَه والتهجدَ
به والانتصابَ لقراءته في المحاريب وغيرِها في آناء الليل وأطراف النهار
ويقدرون من ذلك على ما يثقُل ويتعذَّرُ على كثير ممن بقي من الأمّة، وإن
كان منهم اليسيرُ ممّن يساوي من قُتل باليمامة من هذا الباب، ويكون قوله:
“فذهبَ من القرآن ما كان عندَهم” محمولا على أنّه ذهبَ أكثرُ درسة القرآن
وتلاوته وتركِ التهجد والابتهال به ما كان عندهم، وهذا هو الذي أرادَه
وقصدَه إن صحَّ هذا القولُ عنه دون ذهاب شيء من القرآن على سائر من بقيَ من الأمَّة.
وكيف يقولُ ذلك وهو يعلمُ أنّ القومَ الذين قُتلوا إنما أخذوا القرآن عن
أبيّ وعبد الله وأمثالهما، وأئمتُهم باقون، أو أخذوه عن الرسول والرسولُ قد أقرأَه وحفظه عن أبيّ وعبد الله بن مسعود وستة من أمّته حفّاظ، وأنّ العادةَ مستقرّةٌ موضوعةٌ على إحالة انكتام أمر قرآن كثيرٍ وذهابِ حفظِه عن مثل من بقي من أمَّة محمّدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم) وفيهم أبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ وعلي وأبيٌّ وعبدُ الله بن مسعود وزيدُ بن ثابتٍ لولا غباوة من يظن أنّ في التعلُّق بمثل هذه الرواية شبهة، فوجبَ بما وصفناه بطلان هذه الرواية أو حملها على التأويل الذي وصفنا إن سلمنا صحتها يوما ونظرا.

وأما ما يتعلّقون به في هذا الباب من الرّواية عن عمر بن الخطاب من أنه
خطبَ وقال على المنبر: “أيّها الناسُ إياكم أن تهلكوا عن آية الرّجم فلقد
رأيتُ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد نزلت وقرأ بها، ولولا أن يقول الناسُ زاد ابن الخطاب في كتاب الله، لكتبتُ فيه أو لألحقت في حاشيته: والشيخُ والشيخة فارجُموهما ألبتَّة”، وأنّه قال في موقف آخر: “إنّ اللهَ تعالى بعث محمدًا (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحقِّ وأنزلَ عليه الكتاب، وكان مما أنزل إليه آيةُ الرجم فرجم رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورجَمنا بعده، ألا وإنّ آية َ الرجم في كتاب الله حق: “والشيخُ والشيخةُ فارجُموهما ألبتّة جزاءً بما قضيا من الشهوة نكالًا من الله، والله عزيزٌ حكيم”.

وقولهم إنَّ هذا تصريحٌ منه بنقصان القرآن وسقوط آية الرّجم، فإنّه أيضًا
جهلٌ من المتعقق به وذهابٌ عن الواجب، لأنّ هذه الروايةَ بأن تكون عليهم
وحجة على فساد قولهم أولى من أن تكون دلالة لهم.
وذلك أنّه لمّا كانت هذه الآية ُ مما أنزلَه اللهُ تعالى من القرآن لم يذهبْ
حفظُها عن عمر بن الخطاب وغيره، وإن كانت منسوخةَ التلاوة وباقية
الحكم، وقد زالَ فرضُ حفظ التلاوةِ مع النسخِ لها ولم تنصرف هممُ الأمّةِ
عن حفظِ ما نزلَ ممّا تضمَّن حُكما خيف تضييعُه، وأن يحتجّ محتجّ في
إسقاطه بأنه ليس من كتاب الله تعالى، فلو كان هناك قرآنٌ كثير منزلٌ غيرُ
الذي في أيدينا ثابتٌ غيرُ منسوخٍ ولا مزالٍ فرضُه لم يجزُ أن يذهبَ حفظُه
على عُمرَ وغيره من الصحابة، كما لم يجز أن يذهبَ عليهم حفظُ هذه الآيةِ
الساقط فرضُ تلاوتها بالنسخ لها، بل العادةُ موضوعةٌ جاريةٌ بأنهم أحفظُ لما
ثبتَ حكمُه وبقيَ فرضُ حفظِه وتلاوتِه وإثباتِه، وأنهم إذا لم يجز أن يذهب
عليهم حفظُ القليل الزائلِ الفرض، لم يجزُ أن يذهبَ عليهم حفظُ الكثير
الباقي فرضُ حفظه وتلاوته وإجزاء الصلاة به، وإذا كان ذلك كذلك كانت هذه الرواية من أدل الأمور على إبطال قولهم بسقوط شيءٍ كثيرٍ من القرآن
وذهاب الأمة عن حفظه.

والدليلُ على أن هذه الآية كانت محفوظةَ عند غير عمر من الأمّة قوله:
“كنا نقرؤها”، وتلاوتُه لها بمحضرٍ من الصحابة وترك النكير لقوله والرد له.
وأن يقولَ قائل في أيّام حياتِه أو بعده أو مواجها له أو بغير حضرته متى نزلت
هذه الآية ُ ومتى قرأناها، والعادةُ جارية بمثل هذا في قرآن يُدعى إنزاله لا
أصلَ له ويُدعى فيه حضورُ قومٍ نبلٍ أخيار أبرار، أهلِ دينٍ ونسكٍ وحفظٍ
ولسنٍ وبراعة، وقرائح سليمةٍ وأذهانٍ صافية، فإمساكُهم عنه أوضحُ دليلٍ
على أن ما قالَه وادّعاهُ كان معلوما محفوظاَ عندهم، وكذلك سبيلُ غيرهم لو
كان هناك قرآن أكثرُ من هذا قد نزل وقُرىء على عهدِ رسولِ الله صلى الله
عليه، ولا سيما مع بقاء رسمه ولزوم حفظه وتلاوته، وهذا واضح في سقوط
قولهم.
وأمّا ما يدلّ على أنّ هذه الآية منسوخة برواية جميع من روى هذه
القصّة، وأكثر من تكلم في الناسخ والمنسوخ: أن هذه الآية كانت ممّا
أنزلت ونُسخت فهي في ذلك جارية مجرى ما أنزلَ ثم نُسخ، وهذه الروايةُ
حجة قاطعة في نسخ تلاوة الآية في الجملة، فإنها لمّا كانت قرآنا منزلًا
حُفظت واعترفَ الكلُّ بأنها قرآن منزل، وإن خالف قوم لا يُعتَدُّ بهم في
نسخها، فكذلك يجبُ لو كان هناك قرآن منزل غيرُ هذا أن يكون محفوظا لا
سيّما مع بقاء فرضه وتجبُ الإحاطة به، وإن اختلفت في نسخ حُكمه وتلاوته
لو اتفق على ذلك.

ومما يدلُّ أيضا على أن آيةَ الرّجم منسوخةُ الرسم قولُ عمرُ بنُ الخطابِ
في الملأ من أصحابه: “لولا أن يُقال زاد ابنُ الخطاب في كتاب الله لأثبتها”، ولولا علمه وعلم الجماعة بأنّها منسوخةُ الرسم لم يكن إثباتُها زيادةَ في
كتاب الله تعالى، ولم يحسُن من عمرَ أن يقول ذلك، ومن يقولُ هذا في
قراَنٍ ثابت التلاوة غير منسوخِ فإظهارًا لهذا القول، وتركُ أن يقولَ له القومُ
أو بعضُهم كيفَ زيدَ في كتاب الله إذا أثبت ما هو باقِ الرسم والحكم.
أوضحُ دليلِ على أنّه وإياهم كانوا عالمين بنزول هذه الآية ونسخِ رسمها.
وبقاء حُكمِها، وكل هذا يُنبي عن أنّ القومَ يجبُ أن يكونوا أحفظَ لسورةِ
الأحزاب التي رووا أنّها كانت توازي سورة البقرة ولغير ذلك ممّا أسقطَ من
كتاب الله تعالى لو كان هناك شيءٌ منزلٌ غيرُ الذي في أيدينا، فبانَ بهذه
الجملة كونُ هذا القولِ من عمرَ حجة عليهم وبرهانا على بطلان دعواهم.
وبالله التوفيق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *