Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

قبس من نور

أ.د/ طه جابر العلواني

يعلم الله (جل شأنه) أنَّني لا أسعى إلى شهرة، ولا إلى تميز على أحد، وأخاف الله (جل شأنه) واتقيه، وأحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أكثر مما أحب نفسي ومالي وولدي وأهلي كلهم، ولكنَّني أحب القرآن كذلك؛ لأنَّ الله يحبه، وهو من نطق به، وأنزله على قلب نبيه، ونبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أحب القرآن، وأحسن تلاوته، وزكى الناس به، ورباهم على الالتزام به، وعلَّم أصحابه القرآن والعمل معًا، ما فاته شيء من ذلك، ولا حرَّف ولا تقوَّل ولا أضاف، ومع سعة رحمته بأمته ثبت أنَّه (عليه الصلاة والسلام) لم يقم حدودًا طيلة حياته، ولم يكن يشهد إقامتها، وما روي عنه في ذلك يحتاج إلى فطاحل العلماء الخبراء بالأسانيد وبالمتون ليبينوا للناس صحة ودقة ما ذهب إليه الإمام الشافعي (رضي الله عنه وأرضاه) من أنَّه (صلوات الله وسلامه عليه) لم يقم حدًا، ولم يشهد حدًا طيلة حياته؛ لأنَّ ذلك يتنافى ورحمته (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (التوبة:128)، والله (تبارك وتعالى) ربما يأمره بالغلظة والشدة؛ لأنَّ الرأفة والرحمة هي صفة وعلامة من علامات نبوته؛ ولذلك قال له: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (التحريم:9)؛ لأنَّه لم يكن فظًا، ولم يكن غليظ القلب، ولا قاسي الوجدان (صلى الله  عليه وآله وسلم)؛ ولذلك امتدحه الله (جل شأنه) بقوله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (آل عمران:159)، وكان (عليه الصلاة والسلام) إذا جاءه المذنبون يعترفون بين يديه ربما يلقنهم الرجوع عن الإقرار؛ لئلا يقام عليهم حد وهم قد تابوا عن الذنب توبة نصوح.

فيا أبناء الإسلام اتقوا الله في كتاب ربكم، لا تهملوه ولا تهجروه، واتقوا الله في رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، واقدروه حق قدره، واعلموا أنَّه أخشى الناس لله وأتقاهم له، لا يخالف أوامره ولا يستدرك عليه، ويؤمن أنَّه (جل شأنه): ﴿.. وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (مريم:64)، وأنَّه لو شرع الرجم لذكره في كتابه، كيف لا، وقد ذكر من الأحكام العظيم والصغير، وجاء فيه جزاء الصيد والوضوء والتيمم، فكيف يتجاهل القرآن الكريم أمرًا مثل الرجم، ويجعل الأمَّة فريسة للاختلاف، فالله قد أنزل الكتاب، وأرسل محمدًا (صلى الله عليه وآله وسلم) ليبين للناس ما كانوا يختلفون فيه، لا ليزيد في خلافاتهم، ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (النحل:44)، ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (النحل:64).

  كل ما نرجوه أن يعيرنا الناس عقولهم، وأن يعودوا إلى الوحي الذي أوحي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والقرآن الذي نزل على قلبه، يتلونه حق التلاوة، ويفهمونه ويفقهونه، فما أحل من شيء أحلوه، وهو لا يحل إلا الطيبات، وما حرم من شيء حرموه، وهو لا يحرم إلا الخبائث، ونزل ليضع عنهم أصرهم والأغلال التي كانت عليهم ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الأعراف:157).

 فهذه الأصوات التي تقدم أخبارًا تحتاج إلى جهود وأعمار تزيد على عمر الإنسان العادي لتوثيقها إمَّا أن نأخذها تقليدًا وسنجد فيها الموضوع والضعيف وما وثق بالسبر، وإمَّا أن نعرضها على كتاب الله القطعي في ثبوته القطعي في دلالاته؛ لكي يصدق عليها ويهمن، فما صدَّق القرآن عليه وهيمن قبلناه، وما رفضه الله فلن يقبله رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولن يدعو الناس إليه، فما هو إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ .. (آل عمران:144)، الله شرع له من الدين ما وصى به من سبقه، والله (تبارك وتعالى) حسبنا وكافينا، نعم المولى ونعم النصير، فاتقوا الله وعودوا إلى كتابه واستمسكوا به خيرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *