Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

العنوسة تلك القنبلة المتفجرة

أ.د/ طه جابر العلواني

خلق الله الإنسان من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساء، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (النساء:1) فكانت الأسر والقبائل والشعوب وتكونت الأمم،  وربنا (تبارك وتعالى) قد بين لنا أنَّ الوحدة الصغرى ليست النفس الواحدة، وإنَّما ذكر وأنثى فكل منهما نصف الآخر؛ ولذلك ورد أنَّ المرأة نصف الدين فاتقي الله في النصف الآخر، وأظن أنَّ الرجل بالنسبة للمرأة يمثل نصف الدين كذلك، وبالتقائهما في منزل الزوجيَّة في ظل الميثاق الغليظ الذي هو عقد النكاح يجعل منهما مخلوقًا متكاملًا، فكأنَّ كل منهما نصف إلى أن يجد النصف الآخر.

 والله (تبارك وتعالى) حكيم حليم ستار، لو أنَّ الشعوب تركت وشأنها لربما تكافأ فيها عدد النساء والرجال، وصار لكل رجل امرأة ولكل امرأة رجل، لكن بغي الإنسان وحسده ونزواته وانحرافاته وانغماسه في الحروب والمشاكل والفتن والمجاعات وما شاكل ذلك يؤدي في كثير من الأحيان إلى اختلال التوازن؛ فنجد في بلد زيادة في عدد النساء على الرجال، وفي بلد آخر زيادة في عدد الرجال على النساء، وتختلف المستويات العمرية كذلك، ويحدث خلل، فإذا أضيف إلى ذلك أعراف وعادات وتقاليد تكونت عبر الزمن وتراكمت وصارت قيدًا على ارتباط الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل فإنَّنا سوف نجد أنَّ هذه السنَّة الألهيَّة في الخلق يصيبها كثير من الأخطار، وبالتالي يختل التوازن، فيلجأ الإنسان إلى الانغماس في الانحرافات، فيتقبل فكرة الأسرة المؤلفة من جنس واحد شاذين، سواء أكانا رجلين أو امرأتين، وهذا قد حدث وبدأت ولايات أمريكيَّة عديدة تعتبر العلاقة بين الشواذ علاقة شرعيَّة، وتعدهما أسرة واحدة، أو تسمح بعلاقات لا يحكمها الميثاق الإلهي، وهي علاقات الأخدان، الرجل الصديق والمرأة الصديقة، وهناك علاقات المسافحين والمسافحات الذين يبتغون الزنا، وتتحول الغريزة –آنذاك- من وسيلة للإنجاب ودوام النوع وتوثيق الرابطة بين الزوجين وإقامة أسرة محترمة إلى علاقات منحرفة شاذة، لا تؤدي إلى توازن إنساني، ولا إلى سكن نفساني، ولا إلى مودة ورحمة؛ لأنَّها لم تبن على الأسس السليمة؛ ولذلك نجد الغرب المتحضر قد أعاد تعريف الزوجيَّة عدة مرات إلى أن حولها إلى زوجيَّة عدديَّة لا تليق بالإنسان، بل هي أقرب إلى زوجيَّة الحيوان.

في بلداننا نحمد الله ونشكره قد لا نجد اعترافات رسميَّة بتلك التعريفات الفاسدة للأسرة، كما لا نجد اعترافًا بجل الأنواع السائدة في العالم، ولكنَّنا في إطار عمليَّة الانتقال من حالة لشعوبنا كانت توصف بالحالة التقليديَّة أو المتخلفة إلى حالة الدخول في الحداثة وما بعد الحداثة، ومسايرة العالم فيما هو فيه، وجدنا أنفسنا نفقد ذلك الحصن الحصين الذين بناه القرآن لنا لبنة لبنة، ألا وهو البيت والأسرة، فمن ناحية أثقلتنا تقاليدنا وأعرافنا بأعباء ما أنزل الله بها من سلطان، وأضيفت إليها مشكلات التحولات الاجتماعيَّة وتيارات العولمة السائدة، والانحرافات الموجودة في العالم، لكي نجد أنفسنا نعاني من ثغرة لم نكن نرى أو نتوقع أن تفتح علينا بهذه السرعة، وهي ثغرة الأسرة، نعم احتلت معظم ديارنا ودخلت إليها سياسات الاستحمار والاستعمار، وانتشر في بعضها الاستبداد، وخسرنا اقتصادياتنا، وتفككت روابطنا، لكن رابطة الأسرة كانت تعد هي الحصن الآمن الذي نلجأ إليه لحماية أنفسنا ومجتمعاتنا، وإذا بهذه الأسرة عبر القرن الماضي وبدايات هذا القرن يتم اختراقها كذلك، فتعالت الأصوات تردد من رجال ونساء ما تطلقه “النسوية الغربية” (feminism) من أفكار وآراء، وجاءت عمليَّات الفنون التي أدرجت في ثقافتنا، والتي كانت شرائحنا الاجتماعيَّة تأنف من الانخراط فيها، لكنَّها بعد العديد من التطورات والتغيرات إذا بها تستجيب وتنغمس في فنون هابطة تقوم كلها على جسد المرأة، وإغراء الرجل به، أو على صوتها في غناء هابط، ورقصها، وفي كل ذلك إهانة للمرأة، وتحويل لها إلى وسيلة لتزجية الوقت وإلى المتعة.

وجاءت الروايات والمسرحيَّات والمسلسلات والأفلام لتهيئ لتحول خطير في حياتنا، بلغ من خطورتها وخبثها أنَّها كانت تستتر وراء ستار الانتصار للمرأة لهدم كيانها وتدمير مستقبلها، فلم تعد المرأة المسلمة تنظر إلى النكاح والأسرة والحمل والولادة والرضاع والحضانة وما إليها على أنَّها جزء من أنوثتها، ومكون من مكونات وجودها، وللرجل صفات أخرى أيضًا تحمله مسؤوليَّات وواجبات تناسب تلك الصفات.

 إذا بنا نجد أنفسنا اليوم قد بدأ التفكك يسري في أسرنا، فانتشرت نسب الطلاق وكثرت، حتى صارت تنافس نسب الطلاق في كثير من البلدان التي لم تنظر يومًا إلى تكوين الأسرة على أنَّه رسالة إنسانيَّة، وقيام بواجب الاستخلاف والعمران ودوام الحياة وبقاء النوع والحصول على السكن والمودة والرحمة، والاستجابة لكل الدواعي النفسيَّة، والغريزيَّة لدى الإنسان، ووجد كثير من الرجال والشباب في معظم بلداننا الإسلاميَّة عجزًا عن القيام بمتطلبات تأسيس الأسرة، والمحافظة عليها بعد التأسيس، فكما ذكرت هناك تقاليد وأعراف تطالب بأن لا يتم الارتباط إلا بعد تقديم شبكة ثمينة غالية ومهر قد يبالغ به، وشروط قد تكون قاسية، فجرى بخبث جعل الحياة الزوجيَّة وبناء الأسر ثقيلًا مرهقًا مكلفًا لا يقدم عليه إلا المجازفون في نظر البعض.

وخدعت المرأة في هذا الأمر كما خدع الرجل، ولم يلاحظ ذلك التوزيع الذي قام الله (جل شأنه) به حين خلق الناس من ذكر وأنثى، فمرة يرفض ذلك ويعد إهانة للرجل أو للمرأة أو لكليهما. وبالوقت نفسه تم تيسير الحرام، فصار الحرام وإشباع الرغبات والشهوات ميسرًا بل رخيصًا، وزاد ذلك في العزوف عن تحمل المسؤوليَّات، ولم تعد الشهوة أو الغرائز عبارة عن الدوافع الطبيعيَّة التي تدفع كل شق أو نصف للبحث عن النصف الآخر، بل صارت متعة، ورغبة، يسعى للحصول عليها والوصول إليها بأبخث الأثمان، وصار الإنجاب عبئًا، فبعض النساء يرين فيه صداع وعبئًا في الحمل والرضاع والرعاية وما إلى ذلك، وكذلك الرجال كثيرون منهم بدأوا يشعرون بأنَّ تربية الأولاد أمر مرهق ماديًّا ومعنويًّا، يصادر حرياتهم في التنقل بين مواخير الشهوة السهلة دون تحمل المسؤوليَّات.

وصارت معظم بلادنا تعاني من ملايين العوانس، يقابلهن ملايين من الملايين من الشباب العاجز عن القيام بمتطلبات تأسيس الأسرة، وتحولت هذه الظاهرة إلى إشكاليَّة كبرى تحتاج إلى عناية، وإلى وقاية، وإلى تدبير قبل أن يقع الزلزال، ونجد أنفسنا فجأة بدون أسرة، وبدون مجتمعات، وبدون أيَّة رايات نستطيع الاجتماع حولها. فما هي الحلول؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *