Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الوحدة ضرورة حتميّة

أ.د/ طه جابر العلواني

بعض الناس شغوف بالأمور الصعبة، فإذا خُيَّر بين أمرين اختار أصعبهما، في حين أن سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ما خُيَّر بين أمرين إلا أختار أيسرهما – ما لم يكن إثما -، نحن نرى في واقعنا أن الأمة المسلمة والشعب العربي كلاهما في حالة تفسخ وتشتت وفردية وأنانيّة وتفضيل للعدو على الأهل والأصدقاء.

ونبذ الأخوة والأشقاء هي حالة كلنا نشهدها، وكلنا نعرف الدركات الهابطة التي بلغتها؛ ولذلك فإننا ننادي دائما بالميسور، وهي قاعدة فقهية تقول: “الميسور لا يسقط بالمعسور” فإذا تيسر لإقليم من أقاليمنا العربية أو بلد من بلداننا أن يحقق وحدة إقليمية تعزز من روابط مواطنيه وتشد بعضهم من البعض الآخر وتحمي كيان ذلك البلد من التمزق والتفتت، فلا ينبغي لنا أن نستنكرها ما دام ليس لنا بديلا عنها. وإذا تيسرت وحدة إقليمية وقامت دواعيها ووُجدت مسوغاتها ووجدنا المناداة بها تُلاقي قبول من الناس وإقبالا، فعلينا أن نشجع الداعين إليها ونشد من أزرهم ونعينهم على تحقيق ذلك؛ لتكون خطوة على الطريق، وهكذا يفعل العقلاء، أما أن نقول لا ننادي بالوحدة إلا إذا كانت إسلاميّة شاملة أو عالميّة، فليس من السياسة ولا الكياسة في شيء، والإسلام يخدمه الأقوياء الموحدون القادرون على مواجهة التحديّات، الذين يتمتعون بالصلابة المطلوبة والاستقامة المشروطة لمثل هذه الأمور، ونحن نعلم أن مراحل سيادة الاتجاهات الغربية قد أدت إلى تكريس الإقليمية وتدعيم الوطنية وإبعاد الناس عن بناء الكيانات الأكبر خاصة من العرب والمسلمين وأهل البلاد المستعمرة، أو التي كانت تقوم على وحدة أو اتحاد فيدرالي أو كونفدرالي بين مصر وليبيا والسودان، فإن الحدود المشتركة والمصالح المتداخلة والفوائد الظاهرة للعيان لكل من الأقطار الثلاثة تجعل هذا النداء غير مرفوض في البداية، فمصر والسودان قبل خمسين عاما كانت بلدًا واحدًا شمال الوادي وجنوبه، وكان ملك مصر يحمل لقب ملك مصر والسودان، ولو بقيَّ السودان موحدًا مع مصر لما خسر السودان جنوبه اليوم، فهو مهدد بخسران أقاليم أخرى، وقد قامت به حكومات أعلنت أنها إسلاميّة وتريد تطبيق الشريعة، ولكنها لم تتقدم خطوة واحدة؛ لإعادة بناء الوحدة، فكانت النتيجة أن السودان مهدد بالتفكك، فهل التفكك هذا في صالح المصريين أو السودانيين أو المسلمين أو النصارى؟!  إنه في صالح أعداء البلدين.

 وليبيا كان القذافي يجري وراء حكّام مصر، يريد توحيد ليبيا ومصر، وقد لاقى إعراضًا، فقد طلب منه عبد الناصر التريث، وطلب ذلك في عهد السادات، وتشكك الكثيرين في نواياه وذهب القذافي، وهذه ليبيا مطمع الأوربيين يسترعون على بترولها وثرواتها، فلو أن القيادات والشعوب كانت لديها إرادة وأوجدت وحدة بين الأقطار الثلاثة مصر ليبيا والسودان لما آلت الأوضاع في ليبيا بهذا الشكل المفجع الذي نراه.

 كذلك العراق، لقد قيل أن وحدة الهلال والخصيب مؤامرة – ليتها نجحت -ولو نجحت لأصبح العراق وسوريا كيانًا واحدًا، ولما ضاع العراق ولما تمزقت سوريا ولما خسرنا ما خسرناه.

 لو تَعلّم أبناؤنا هذه القاعدة الذهبية “الميسور لا يسقط بالمعسور”. فنبادر إلى المتيسر الذي نستطيع أن نقنع به ونسارع إلى تبنيه؛ لأنقذنا الكثير مما ضيعناه.

 بعض الناس قد يفضل الشعار، يرفعه وينادي به – وإن لم يتحقق -، أنه لابد من خليفة واحد؛ ليكون للمسلمين وزنهم في هذا العالم، وأنا أتمنى أن يكون للمسلمين وزنهم في هذا العالم وفي المستقبل، وإذا لم يكن هذا ممكن في هذه المرحلة المعينة، فعلينا لنقبل هذا الأقل ونسعى لاستكماله، ذلك ما يقوله المنطق الإسلاميّ وما تعلمناه من كتاب الله (جلّ شأنه) ، وهو يرسي دعائم سُنة التدرج وما تعلمناه من سُنة رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم).

وحين نقول للعرب أسسوا بين بلداننا العربيّة شبكة مواصلات واتصالات ومصالح زراعية وتجارية واقتصادية، فإننا نريد أن يتعارف الناس ويتآلفوا؛ ليتحقق بعد ذلك التعاون وصولا إلى دائرة الأخوة التي لابد الوصول إليها.

وأقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *