Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

دردشة حول فقه المرأة 2

 

أ.د/ طه جابر العلواني

يبدأ طريق العودة إلى الكتاب الكريم بمعالجة قوى الوعيّ الإنسانيّ كلها معالجة دقيقة تجمع بين الجراحة والمعالجة والدواء، الخطوة الأولى تكون بتقدير هذا الكتاب الكريم حقّ قدره واليقين بأنّه كلام الله (جلّ شأنه) ألقاه على قلب نبيّه (صلى الله عليه و آله وسلم) ليس لنبيه فيه ولا لجبريل ولا لأيّ أحد التدخل ولو بحرف واحد فضلا عن الآيات والسور، وحين يغمض الإنسان عينه ويفتح قلبه ويردد من واحد إلى ألف: هذا كلام الله بين يديّ .. هذا كلام الله بين يديّ ..هذا خطاب الله إليّ.. هذا خطاب الله إليّ، حتى يستقر في قلبه ووجدانه أنّ الذي بين يديه في هذا المصحف كلام الله حتمًا وحقًا فما أجلّ كلام الله وما أعظمه وما أحكمه وما أقربه إلى القلب والعقل والوجدان، إنّ بينه وبين أيّ كلام آخر مسافة شاسعة فلا يشاركه أيّ نوع من الكلام كما لا شريك لله (جلّ شأنه)، وفصاحة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) وبلاغته لا تلغي المسافة بينها وبين الكتاب فكلامه (صلى الله عليه و آله وسلم ) مهما عَلت فصاحته وبلاغته فإنّه لا تحدّي فيه ولا إعجاز كما أنّ المسافة بين خطاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولغته وفصاحته وبلاغته لا يدانيها أيّ كلام عربيّ آخر أو خطاب آخر وكل خُطب العرب والصحابة بمن فيهم الخلفاء الراشدون لا يمكن أن تسمو إلى لغة أفصح مَن نطق بالضاد رسولنا الكريم (صلى الله وعلى آله وسلم) فيجب أن تقدّر المسافات وتُعرف المقامات ويزول الخلط والغموض؛ ولأنّ الكلام كلام الله ولأنّ القرآن كتاب الله فإنّه ينزل على القلب في حين ينزل كل كلام آخر على الأذن ويأخذ دورته ويشق طريقه عبر المخ والدماغ ليصل إلى القلب، أمَّا كلام الله (جلّ شأنه) فإنّه ينزل على القلب أولا ومنه يفيض إلى الأعضاء الأخرى ولكي ينزل على القلب لابد من إزالة كل الأغلفة والأقنعة والأكنَّة التي تحيط بالقلب؛ لأنّ الله (تبارك وتعالى) جعل على قلوب الكافرين أكَّنة تحول بينهم وبين فقهه بعد أن اعرضوا عنه ولم يقبلوا عليه ولم يقدّروه حق قدره وهذه الأكنَّة أو الأغلفة التي تغلف القلب تأتي من ذنوب يقترفها الإنسان ولا يتوب عنها فتتحول إلى رَين يحيط بالقلب ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾(المطففين 14).

فلابد من إزالة هذه الأكنَّة وتنقية القلب وتطهيره من كل الشوائب وإعداده بملأ جوانبه كلها بحب القرآن الكريم وتقديره حق قدره والوعيّ بأهميته وأنه روح للجسد وروح للقلب وطهارة للوجدان ونور للعين فإذا اطمأن إلى أنّه قد طهر قلبه وأزال عنه الأكنَّة وهيأه لاستقبال القرآن فليتجه نحو آذانه إذا أراد أن يسمع القرآن أو عينيه إذا أراد أن يتلو ويقرأ فالعين يصيبها العشا -ضعف البصر- وكلالته وعدم قدرته على الإبصار ليلا أو الإبصار الحاد القويّ نتيجة إدمان النظر في المحرمات أو النظر إلى ما عند الآخرين وحسدهم أو إلى أيّ شيء من ذلك فإذا قام بتنقية البصر وتطهيره وكشف الغطاء عنه يستعيد البصر قوته وقدرته على التفاعل مع كلمات الكتاب الكريم وهنا يتجه إلى الأذن وأمراضها فيزيل الوقر منها، فالوقر يمنع الأذن من استقبال الأصوات وبحسب قوته أو ضعفه فقد يحول بينها وبين الاستماع بشكل كليّ وقد يضعف السمع وذلك إذا أكثر الانسان الاستماع إلى الباطل والكذب والغيبة والنميمة واللهو والعبث وما إلى ذلك من أمور تحدث الوقر في الأذن فإذا تطهر من ذلك كله فليستقبل القبلة وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم وليسمي الله (جل شأنه) وليبدأ التلاوة وقد استحضر كل عظمة القرآن الكريم واستشعارها في قلبه ويسأل الله أن ينفعه بها، وللقرآن الكريم مداخل ومفاتيح لابد عليه أن يمهر بها ويستخدم منها ما يجعل سبيل قوى وعيه سالكة إلى القرآن المجيد مهيأة لتلقي حِكَمِه مستعدة للتفاعل مع كلماته فإذا علم الله (جلّ شأنه) من عبده ذلك جعل بينه وبين شياطين الإنس والجن حجابًا مستورًا، فيقرأ ويتدبر وسيفيض القرآن عليه من حكمته ونعمه وأحكامه ما يزيل عنه العنت والحرج ويفتح له أبواب اليسر والخير والحكمة، وكلما داوم على القراءة تجددت له من المعاني ما يشعره بسعادة غامرة لا يمكن أن يحصل عليها من أيّة قراءة أخرى، صاحب هذه القراءة سيؤتيه الله (جلّ شأنه) من فضله ويفتح له أبواب رحمته ويعالج مشكلاته ويخرجه من الفتن ما ظهر منها وما بطن ويضعه على صراط مستقيم وطريق واضح قويم وسيجد من الفقه والحكمة والفهم والنور ما لا يمكن أن يجده لو قرأ آلاف الكتب الأخرى فإذا استشكل عليه أمر أو توقف في فهم آية لجأ إلى القرآن نفسه، فما يحكمه القرآن في سورة يفسرها في سورة أخرى وما يبدو للوهلة الأولى أو في القراءة الأولى صعبًا سيتيسر ويكون سهلا في التلاوة الثانية والثالثة و يستطيع الربط بينها وبين آيات القرآن الكريم الأخرى، وعليه أن يدرك أن القرآن الكريم تجمعه “وحدة بنائيّة” فقد بناه العليم الخبير بكل ألفاظه؛ ليكون بمثابة الكلمة الواحدة أو الآية الواحدة وقد فصّله الله على علم ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ (الأعراف 7) أيّ على علمنا المطلق، وعلم الله محيط شامل في كل شيء وما أوتينا منه إلا القليل وأهم سبل زيادة هذا العلم هذا القرآن الكريم وآياته ﴿وَقُل رَّب زِدْنِي عِلْمًا﴾ (طه 114) وليتذكر القارئ سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وكيف كان يتلو هذا القرآن على جيل التلقي منه وكيف كان يعلّمهم الكتاب والحكمة ويعلّمهم ما لم يكونوا يعلمون.

وإذا كان القرآن المجيد في عهده (صلى الله عليه و آله وسلم) يتنزل على قلب النبيّ الأمين بعد ما تحدث الوقائع ويبتلى الناس بها مثل: حادثة الإفك والتبني ومجادلة المرأة رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) في زوجها وفي قضايا الظهار والطلاق وما إليها؛ ليتعلم من ذلك منهج الهادي الأمين في القراءة والتلاوة والإقراء والتزويد وتوليد المعرفة فمنهجه صلوات الله وسلامه عليه سوف يوضح الكثير ووقائع عصره سوف تساعد على إنارة السبيل واستحضار ذلك كله كفيل بأن يجعل القارئ قادرًا على الجمع بين القراءتين: قراءة الوحيّ في الكتاب الكريم وقراءة الكون. وسوف يدرك أن هذا الكتاب قد أنعم الله به علينا ونزله على قلب نبيّنا؛ ليكون هاديًا لنا وقائدًا في مسيرتنا في هذه الحياة الدنيا وحُجةً وشفيعًا لنا في حياتنا الأخرى فالجمع بين آياته ومكونات هذا الكون سوف ينير السبيل لكيفيّة معالجة كل ما يعرض في هذه الحياة بنور هذا القرآن وهدايته وبهدي رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم ) وقيادته وبعد الجمع بين  الكون والقرآن لا بد من الجمع بين قراءتين الهديّ النبويّ و الكتاب الكريم والإيمان بأيّ أمر من الأمور في هذه الثلاثة لا يمكن أن يناقض ما جاء عن الله (جلّ شأنه) فما جاء في الكتاب يستحيل أن يناقض ما جاء في الكون وما صحّ عن رسول الله يستحيل أن يناقض الكتاب أو يتصادم مع شيء من سنن الكون وبالتالي فلابد من كل من يدّعي تناقضات أو يفتعل تصادمات بين الكون والكتاب أو بين السنة والكتاب فليعلم أنّه لا أصل له وأمر باطل من أساسه ولابد لنا من رفضه وعدم إشاعته وتطهير تراثنا منه. وهذه المعارك المفتعلة سيجد القارئ أنّها معارك وهميّة نتجت عن قراءات ناقصة أو منحرفة أو صادرة عن غير أهلها أو لم تأخذ حظها من الدراسة والتمحيص والبحث والجدّ والاجتهاد فلابد من إعادة النظر فيها وفقًا لهذه الأصول وانطلاقًا من هذه القواعد.

وكثير من قضايا المرأة وغيرها من قضايانا الفقهيّة في حاجة إلى مراجعة من هذا النوع وإعادة نظر في نور وهداية ما قرأناه ونحن نجد في كتاب الله إضاءات لو وقفنا عندها لاستطعنا التغلب على كثير من تلك المشكلات فعلى سبيل المثال: نجد قول الله (جلّ شأنه)﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ (المجادلة 1) هذه المرأة وإن ذكر المفسرون والفقهاء اسمها وسيرتها بتفاصيل مطولة لكن كل ذلك لا يهمنا كثيرًا، إنّ الذي يهمنا أن رجل كانت ما تزال تقاليد الجاهليّة في شخصه ظنًا منُّه أن القرآن المجيد لم يطالبه بتجاوزها فاستخدم كلمة يحرّم بها زوجه على نفسه: ” أنتِ عليّ كظهر أمي” هذه كلمة كان الجاهليّون يقولونها إذا أراد أحدهم تحريم امرأته على نفسه مدى الحياة فهي أقوى من ألفاظ الطلاق وأشدّ، واستفتت المرأة المتضررة رسول الله بذلك ورسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) كان يعلم أن هذه الكلمة إذا لم تكن بقوة كلمات الطلاق فهي لا تقل عنها إن لم تزد، وحين سَألته صلوات الله وسلامه عليه نبهها إلى ذلك فسيّدنا رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) كأنه عَدّ ذلك من كنايات الطلاق التي تحرم المرأة على زوجها فقال لها: “ما أراكِ إلا قد حرمتِ عليه” فبدأت تجادله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لأنها استشعرت أن سيدنا رسول الله نظر إلى قول زوجها على أنه قول دال على استعمال لفظ من ألفاظ كنايات الطلاق فظل رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) يقول لها: “ما أراك إلا قد حرمت عليه” وهي تجادله في ذلك وتقول له يا رسول الله إنّه لم يذكر الطلاق، فلما يئست من أن تستمع من رسول الله إلى حل يريحها ويحفظ لها زوجها وبيتها اتجهت تشتكي إلى الله ضعفها وقلة حيلتها وتعلّقها بزوجها ووجود صبية صغار لها، فتنزل الكتاب الكريم بحل لمشكلاتها وللملايين اللواتي قد يتعرضن لمثل الذي تعرضت إليه.

 وفي الآية حِكَم كثيرة، سنجد أنّ هذه المرأة الصحابيّة قد جادلت رسول الله وتكرر منها ولم يعب القرآن عليها ولم يتهمها أحد بكفر أو نفاق أو تجرؤ على مقام رسول الله فهي صاحبة حُرقه فاشتكت إلى الله (جل شأنه) ورفعت شكواها إليه ليعالج مشكلتها ولننظر إلى المقطع الثاني في الآية الكريمة ﴿وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾ فنجد القرآن الكريم يشرّك بين رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وبينها في ضمير واحد وقد وضعهما الله (جلّ شأنه) في مستوى واحد في هذا الحوار -أيّ المرادة والمراجعة بينكما- أنت تقول فتراجعك وهي تقول فتعيد عليها، والدروس التي تستفاد من هذه الآيات وهذه القصة  أدعها للقراء الكرام، فهي كثيرة جدًا، وتنفي كثير من المسلّمات.

فإذا ذهبنا إلى سورة التحريم بسم الله الرحمن الرحيم (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (التحريم1) وهي واقعة مشهورة قرر رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فيها الامتناع عن معاشرة جاريته بناءًا على ما أبدته أم المؤمنين حفصة عندما وجدته معها حين غابت في زيارة منزل والدها، فأراد عليه الصلاة والسلام أن يرضيها  فقرر الامتناع عن الاقتراب منها مرة أخرى فنزلت هذه الآية الكريمة، ولتقرأ السورة كاملة ففيها دروس كثيرة ينبغي للمسلم أن يتعلّمها ويتبين دلالتها التي يمكن الاستفادة منها، وهي بدورها قد تنفي بعض المسلّمات المستقرّة في الأذهان ….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *