أ.د/ طه جابر العلواني
حزب الدعوة الشيعي الذي أسسه مجموعة من العلماء والدعاة الشيعة سنة 1959م بعد أن رأوا كثيرًا من شبابهم يذهبون إلى الانتماء إلى الإخوان المسلمين والحزب الإسلامي وكثير منهم يغيّرون مذهبهم ويتحولون إلى سُنة ويتتلمذون آنذاك على الراحل الدكتور تقيّ الدين الهلاليّ وهو سلفيّ مغربيّ معروف سكن العراق فترة يدرس في دار المعلمين ويلقي دروسًا في الحديث في جامع الدّهان وفي بيته وبعض الأماكن الأخرى وهناك نماذج كثيرة من أولئك الشباب الذين تحولوا عن المذهب الشيعيّ بعد انضمامهم إلى تلك المنظمات وكنا نظن واهمين أن الحزب أقل طائفيّة من بعض العامة ولكن الأسف الشديد أنه حين اعتمدت أمريكا عليهم كشفت حقيقتهم وبانوا بصورة بشعة لا تشرف من ينتمي إليهم أو يتحالف معهم فمن ابراهيم الجعفري إلى نوري المالكي إلى هذا العبّادي إلى الآخرين تجد الطائفية عندهم متغلغلة فهي الأصل وكل ما اتصل بالدين فرع يمكن التخلي عنه في نظر هؤلاء وتجاوزه، أما الطائفيّة والتعصب ومضايقة المنتمين إلى المذهب السنيّ فهي تكاد تكون عندهم الدين كله، وحكومتهم اليوم سرعان ما كشرت عن أنيابها وفعلت بالعراقيين الأفاعيل. ومن المؤسف أنّ داعشًا وأمثالها قد فتحت لهم الباب واسعًا على مصاريعيها للتنفيس عن أحقادهم الطائفيّة ومقايسيهم المذهبيّة وصفويتهم التي جاوزت الصفوي الأردبيلي المؤسس للتشيع الصفوي، فأبناء الأنبار وأبناء الموصل وأبناء تكريت وشمال العراق وكركوك كل هذه المناطق مع مناطق أخرى مثل ديالى وغيرها يختلط فيها السنة والشيعة وكذلك بغداد ومن الواضح أنّ عبّادي ومن سبقه من قيادات حزب الدعوة قد وصلوا إلى قناعة بضرورة تقسيم العراق ويريدون بغداد عاصمة للإقليم الجنوبي أو الشيعي فهم لا يريدون التفريط بها ولم يكونوا مصرّحين بذلك إلا أن فلتات الألسن كانت تفضحهم بين حين وآخر وجاءت كارثة الأنبار الأخيرة ونزوح الآلاف من أبنائها لتكون لحظة فارقة تمزق ورق السلوفان الذي كان حزب الدعوة يحاول أن يخفي سوأته فيها وتكشف لنا عن طائفية الحزب المقيتة وحقدها على كل ما هو سني أو ينتسب إلى هذا المذهب أو يسكن في تلك المناطق أو ينتمي إليها أو أن يكون من أهلها ولذلك ابتدعوا أخطر شيء ألا وهو مصادرة حرية الإقامة والانتقال مرة واحدة ليشترط على أبناء الأنبار ألا يدخلوا بغداد إلا بكفيل سيكون مسؤولا بعد ذلك عن اخباره بمن كفله ليعاد إلى داره أو يشرد إلى غيرها إذا ما خفت الأزمة في الأنبار لكن بغداد ليس من حق السني ان يدخلها او يقيم فيها لأن ذلك قد يخل بديموغرافية البلد التي يريدون ان يقنعوا المجتمع الدولي أنهم أكثرية فيه وعليهم أن تكون بغداد عاصمة لإقليمهم. ولم اكن أتوقع أبدًا ان يبلغ الغباء بتلك القيادة السياسية الفاشلة أن تخير أبناء الأنبار بين السكنى في العراء والتعرض للحر والقر والمطر والرياح وانتشار الأمراض والأوبئة إلى أن تتمكن تلك الحكومة من إيجاد حل لا يمكن لمثلها أن توجده ولذلك فقد جاء العبّادي حيدر بكل غباء ليقترح على أبناء الأنبار أن يدخلوا سجن أبي غريب ذي السمعة السيئة عالميًا ويتخذه ملجأ لهم بحيث تسكن كل عائلة أو اثنتين او ثلاثة بزنزانة إلى أن تسمح لهم المرجعية أو أتباعها من حزب الدعوة بالتنقل في وطنهم واختيار المكان الذي يأمنون فيه، وهذا قمة الاستهتار وعدم حساب أي شيء لا للدين ولا للوطن ولا للدستور ولا للأمة ولا للانتماء المشترك هي اعلان من حزب الدعوة عن تجرد شامل من كل الروابط تجاه هؤلاء المنكوبين. وأمس حملت لنا الأخبار أن جحشًا منعت أعضاء مجلس محافظة تكريت من دخول محافظتهم، ومن يدري لعل العبّادي بهذا الاختراع الطريف أن يحشر أبناء الأنبار في سجن أبو غريب ربما يأتي بعد اسبوعين أو شهر ليقول: إنكم سجناء فأتوا لنا ما يثبت أنكم أبرياء لنخرجكم من أبو غريب فالأصل فيه أنه سجن فمن يثبت بأمر الحكومة أنكم دخلتم فيه وأنتم لستم مجرمين فلا استبعد أن يحدث ذلك فالذين يمنعون مجلس محافظة من العودة إلى محافظته كيف يؤتمنون على من يدخلون اليوم في سجن أبو غريب على أنهم سجناء. لقد كان التتار أكثر إنسانية من هؤلاء واكثر احترامًا لحقوق الانسان من هؤلاء وحين استمع إلى تصريحات شركاء حزب الدعوة في السلطة من المنتمين إلى الطائفية السياسية الملقبة بالسنية أجد أن هؤلاء الانتهازيين لا يقلون شرًا ولا تآمرًا ولا استهتارًا بحقوق الإنسان من هذه الحكومة التي تحالفوا معها ورضوا لأنفسهم أن يكونوا ديكورًا وتكملة تعطي لأمريكا وللمجتمع الدولي تصورًا خاطئا بأنها حكومة للعراق فهل يستفيق العراقيون وهل يدركون ما هم فيه وإلى أيّ مأزق قادتهم تحالفاتهم مع الأحلاف وإنا لله وإنا إليه راجعون.