أ.د. طه جابر العلواني
أعني بها: العراقَ، وأفغانستانَ، واليمنَ، وسوريّا، وكردستان، وسائر بلاد ستان، التي تستيقظُ على متفجِّراتِ القنابلِ، والبراميل المتفجِّرة، وتبيتُ على أمثالها، من المفخَّخاتِ والمدمِّراتِ، وما إليها.
مثل هذه البلدان كأنَّ البشرَ قد اتّفقوا على أنْ لا يسمح لها بحقِّ الحياةِ، أو استئنافِها؛ فذلك وحدَهُ قد صارَ من الحقوق المشكوك بها، المُتَسَاءَلِ عمّا إذا كانت هذه الشعوب المسكينةُ تستحقُّها أو لا تستحقُّهَا.
ومصدرُ الشكِّ في استحقاقِها لها: سقوطُ الشرعياتِ كافَّةً، وانهيارُ المرجعيَّاتِ كلِّها، وقد رأيناها-أعني الشرعياتِ والمرجعيّات-تتهاوى كلُّها واحدةً تلوَ الأخرى في حُفَرِ القنابلِ الروسيّةِ، ووسائلِ الدعمِ اللوجستيَّةِ، الأوربيّة منها والأمريكية، فكأنَّ من حقِّ كلِّ أحد أن يضربَ أيَّ أحدٍ؛ فيمسي الإنسانُ مضروباً من هذا، أو ضارباً لذاك.
أمَّا اللاجئونَ…فحدِّث ولا حرجَ؛ فأعدادهم في تزايدٍ هائلٍ، ومظالمُهم تزداد يوماً بعدَ آخر، واستغاثاتُهم تتحوَّلُ إلى مجرَّدِ أصداءَ تجوبُ البحارَ وتستغيثُ بالأجواء والسماءِ، ولا مغيث إلاَّ الله، أمامَ هذه الكوارثِ والمصائبَ المتجدِّدة، يتوقَّعُ الناسُ المزيدَ من النَكَباتِ، ومن المصائبِ، وما يُسمَّى حروباً ضدَّ الإنسانيَّةِ، وكوارث إجراميَّة، ضدَّ البشريَّة، وما تفضي إليه من نتائجَ وآثار مجتمعيَّة ونفسية.
وقد صار لزاماً على العلماء والحكماء أن يستبقوا الأحداثَ ويقلِّبوا أفئدتهم وأطرافهم فيها؛ بحثاً عن أيّة معالجاتٍ، وإنْ على مستويات متواضعة؛ يُمكنُ أنْ تُخفِّفَ عن الإنسانيَّةِ، شيئاً من ويلاتِها، والقليلَ من مشكلاتِها، وهل يملِكُ هؤلاء الأفراد القلائل شيئاً غيرَ ذلك؟
إنَّنا نستنهض همم الخيرين وعباد الله الصالحين والصالحات، أن يعدُّوا للأمر عُدَّتَه، ويهيِّئوا له ما بعده، وليعملوا على استنفارِ كلِّ الطاقاتِ الخيِّرةِ، والأبعاد الإنسانيَّة المتبقيَةِ، لكي يُخَفِّفوا بقدْرِ الإمكان من تلك المآسي، المدمِّرة المحزنة، بما هو يسير على عموم الناس.
إنَّ لأمَّتنا المسلمة، والعرب بمثابة القلب منها، تراثاً جيّداً في عمل الخير، ومواجهة تحدِّياتِ المصائبِ والمصاعبِ، وللإنسانية في أعقاب الحروب والمجازر والمذابح، تراثٌ يمكن أنْ يرفدَها بمزيدٍ من الطاقاتِ والقدراتِ على مواجهةِ تلك التحديات.
ونقترحُ المبادرةَ إلى استغلالِ واستثمارِ العناصر النسائية، والعناصر التي لم تبلغ بعدُ أسنانَ المراهقة والرُشد، لأداءِ أدوار ما كان ينبغي أن يُكَلَّفوا بها، أو يتحمّلوا مسؤولياتها، لو وُجِدَ في غيرهم من يتصدّى لها، نريد تعليم نسائنا وبناتنا الحِرَفَ المنزلية، كالأعمال اليدوية، وحتى الصناعات الخفيفة البسيطة، كالجوارب والألبسة الأخرى، وتعليمهنَ الترجمةَ من مختلف اللغات إلى مختلفها، والحرف النافعة إجمالاً، واستغلال المساحات الزراعية الصغيرة، والزراعة المحميَّة، وحسن استغلال مياه البيوت، والانتفاع من البقاع الصغيرة في المنازل بزراعتها، واستحداث مشاريع لمعالجة النفايات المختلفة لغرض تدويرها، والانتفاع منها في الطاقة والأسمدة.
نريد تعليم أبنائنا ومراهقينا تكوين المشاريع، وإنشاء المؤسسات الصغرى الفاعلة، والقادرة في نفس الوقت على سدِّ احتياجات المجتمع المدنيّ الأساسية.
فالذي نهض باقتصاديات ألمانيا، بعد انهيار كل ما لديها، في أعقاب الحرب العالمية الثانية هم تلك الفئات، وتلك التنظيمات، وذلك التوجُّه؛ ولذلك فمن الواجبِ على جامعاتنا ومفكِّرينا، أن يوجِّهوا دراساتِ طلبة الجامعات في هذه البلدان المنكوبة فوراً، إلى ذلك النوع من الدراسات؛ لتقديم البدائل، وإعدادِها والتدريب عليها؛ لتأخذ مكانَها اللائق بها، بعد استقراءٍ تامٍّ لسائر وسائلها وأدواتها وآلياتها.
سائلين العليَّ القدير أن يحمي هذه الأمة من المزيد من الكوارث والمصائب؛ إنَّه سميع مجيب.