Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

متفيقهون ولكنَّهم جهلة

أ.د/ طه جابر العلواني

     منذ نعومة أظفاري وأنا أحضر صلوات الجمعة والجماعات، ذلك كان ديدني من السابعة من عمري، ولم أنقطع عنها إلا بعد عجزي عن السير، ومنذ ذلك الوقت وأنا أسمع الخطباء في دعاء الجمعة، يرددون أدعية الانتصار على الكفار، ولا أنسى تلك الأدعية المطولة اللذيذة، حول الانتصار على الكفار، وجميع ذوي البشرة الشقراء، وجعلهم وأموالهم “الصعبة” ونساءهم “ذوات العيون الزرق والشعور الشقر” غنيمة للمسلمين، واستغربت الدعاء وتكرره، خاصَّة وأنا أعلم أنَّ الرق قد انتهى من الأرض، بما كان من العقوبات الإسلاميَّة والكفارات في الإسلام, ثم بجهود رئيس الولايات المتحدة إبراهام لينكن، والبيان العالميّ لحقوق الإنسان.

      ومنذ فتح الله عليَّ بمبدأ تفسير القرآن بالقرآن، واتخاذه منهجًا لفهم آيات الكتاب الكريم، كشف الله الغشاوة عن بصري وبصيرتي، وأدركت أنَّ هناك أحكامًا، لم يستطع كثير من أئمتنا الأعلام إدراك أنَّها أحكام مؤقتة، لها وقت محدَّد في علم الله، وعلى الإنسان أن يسعى لمعرفة ذلك التوقيت، وأن يصل إلى فهم وإدراك ذلك الأجل المسمى عند الله، فهو من أعقد الأمور الاجتهاديَّة، وأكثرها دقة وحرجًا؛ لأنَّها تعتمد على نوع من الفهم لسياقات القرآن المجيد، فالقرآن المجيد عند جميع علمائنا ومفكرينا وقادة الرأي فينا كره استرقاق الإنسان، وأبغض هذه الخصلة، وفتح أبواب تحرير الرقيق وأغلق سائر أبواب الاسترقاق، وتلك الأبواب المحدودة الضيقة التي أبقى عليها، إنَّما أبقى عليها للإبقاء على نافذة حرجة تسمح بالتعامل بالمثل.

      وقراءتي للكتاب الكريم تشعرني دائمًا بأنَّ الرقَّ وأمثاله والربا وما إليها هي أمور مؤقتة، لها أجل ستبلغه ويجب أن تتوقف عنده، وكنت أقدر أنَّ الرق يفترض أن ينتهي تمامًا، لو أنَّ الدعوة بقيت دعوةً، ولم تستبدل بالفتحَ، خلال قرنين من الزمان بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فالمحرر الأكبر للإنسانيَّة محمد (عليه الصلاة والسلام) الذي حرر البشريَّة كلها من رق الشرك والضلال، لا يقبل أن يتخذَّ الناس بعضهم بعضًا أربابًا، ولا أسيادًا وقوله (تعالى): ﴿ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (النحل:75-76) ، فهذا قولٌ لا يستقيم معه قبول استمرار الرق والاسترقاق إلى الأبد؛ فهي إذن تنبيهات للذين يعقلون، والذين يعلمون، ليتحينوا سائر الفرص، التي يتمكنون فيها من إبطال هذه النظم، والجرائم القائمة بحق الإنسانيَّة، وأنَّ أي باب يفتح، يجب أن يغلق فور انتهاء الحاجة إليه في هذا المجال، فالمجال عن حريَّة الإنسان، وعبوديَّة الله (سبحانه وتعالى)، ومع ذلك لم يلتفت الفقهاء إلى أنَّ هناك أحكامًا مؤقتة، فلكل أجل منها كتاب، وأنَّها بمثابة التدرُّج في التشريع، تحمل تشريعاتها الأولى تنبيهات كثيرة، بأنَّ هذا التشريع سائر نحو نهاية، ولكنَّني لم أجد ما يسند ما كان يلوح في ذهني عند المتقدمين؛ لأنَّنا وقعنا في خطأ كبير منذ وقت مبكر، ألا وهو خطأ إعطاء المصادر التبعيَّة صفة الإطلاق، وسوينا بينها وبين القرآن المجيد؛ ولذلك كان يمكن أن ينتهي هذا الباب وتتوقف أمَّتنا عن إنتاج أصحاب الشهوات الرخيصة، الذين فضحوا المؤمنات، ودفعوا الأيزيديَّة وغيرهم، ودفعوا بكثير من المشركين والكفار إلى انتهاك حرمات المسلمين في شمال العراق وسوريا وغيرها، ثأرًا لأنفسهم، فكأنَّ أولئك أباحوا نساء الآخرين لأنفسهم, مقابل إباحتهم المسلمات لأهل الشرك والكفار، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.

      إنَّ الاسترقاق محرَّم، ونحمد الله (جل شأنه) على تحريمه المؤبد، وليت هؤلاء-الذين لا يعبرون عن فهم شرعي، ولا عن فقه أصولي-يتوقفون عن إثارة مثل هذه المشكلات، والصد عن سبيل الله بإثارتها؛ فالناس قد ولدتهم أمَّهاتهم أحرارًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *