Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

بداية النهاية .. أمريكا والشذوذ ح3

أمريكا والشذوذ

(3)

أ.د/ طه جابر العلواني

المريض يفترض أن يدرك أنَّ كونه مريضًا يقتضي منه أن يبحث لنفسه عن علاج، ويسعى إلى الطب؛ ليشفى من مرضه، ويتخلص من دائه، أمَّا أن يحاول نشر مرضه على مستوى عالمي فذلك منتهى الفجر، والرغبة في  إشاعة الفاحشة، وقد توعد الله الذين يشيعون الفاحشة بعذاب شديد: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (النور:19)، ويبدو أنَّ أمريكا بقيادة أوباما والديمقراطيين أوهمت نفسها أنَّ الشذوذ والانحراف والأمراض الجنسيَّة هي قيم، مثل قيم الديمقراطيَّة والحريَّة وما إليها، عليها أن تفرضها على العالم كله، فبعد شرعنة أمريكا بكل ولاياتها لهذه العلاقات الشاذة المدمرة للأسرة وللمجتمع، والمنافية لإنسانيَّة الإنسان صار مفهوم الأسرة من المفاهيم البائدة، غير المقبولة، وتحول النظام الكوني للزوجيَّة الذي به تقوم الحياة والحضارات الإنسانيَّة إلى نظام يعتمد على العدد، فكل شخصين يمكن أن يعدا زوجين، مع أنَّ هذا الاسم خاص منذ أهبط آدم إلى الأرض بعلاقات تقوم بين رجل وامرأة.

 وحين كانت البشريَّة محدودة بأسرة آدم القليلة؛ اضطر آدم وحواء أن يزوجوا بناتهم وأبناءهم ليحدث التكاثر، وبمجرد أن صار العدد كافيًا للحياة على الأرض تتابع الأنبياء والرسل في تعليم الإنسان نظام الزوجيَّة، القائم على تزوج رجل ذكر بأنثى، وامتن على الناس (جل شأنه) بقوله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم:21)، فخرق هذا النظام اليوم جعل الذين يحبون أن يمارسوا ما يسمونه بالزوجيَّة مع بناتهم وأخواتهم ومحارمهم كله جائز، ولم يعد هناك شيء محرم في هذا النوع من العلاقات، المصيبة لا تقتصر على الولايات المتحدة، بل على موقع الولايات المتحدة القيادي في عالم اليوم، فهي القوة الأعظم، التي تستطيع أن توعز إلى الأمم المتحدة لتسن اتفاقات يوقع عليها العالم كله، وآنذاك تنتشر هذه العلاقات المدمرة وتصبح ممارسة عاديَّة يمارسها الجميع، فإذا كان الضلال فيما مضى والانحراف خيم على قرى ثلاث صغيرة هي قرى قوم لوط، فهذه الجريمة سوف تنتشر في العالم كله، وسوف يروج لها شياطين الإنس والجن، وسيكون السقوط فيها مقرونًا بالتقدم الذي تحياه على سبيل الاستمرار أمريكا اليوم.

لقد سارعت محطات الشياطين بما في ذلك القائمة في بلاد العرب والمسلمين الفضائيَّة وغيرها بالترويج لذلك بين سائر الفئات وفي كل الأعمار والمستويات، بما في ذلك محطات الأطفال، مثل  cn العربيَّة والتي يظهر فيها العم جدو حبيب الأطفال والشخصيَّة الكرتونيَّة المحببة لهم وهو يرتدي قميصًا عليه شارة الشواذ، فهم يريدون أن يؤسسوا للشذوذ. وهذا النوع من الشذوذ بالذات سوف يؤدي إلى دمار وخراب عالمي إذا لم يهيئ الله (جل شأنه) لهؤلاء من يتصدى لهم، ويريهم الحق حقًا ويدعوهم لاتباعه، ويريهم الباطل باطلًا ويدعوهم لاجتنابه، ويبين لهم أنَّ هذه الفواحش حين تشيع فلن تبقى حضارة، ولا تقدم ولا صناعة ولا زراعة ولا أسرة ولا مجتمعات.

إنَّها عمليَّة انتحار عالمي، وسقوط جماعي، مازلت أنتظر من المنظمات الدوليَّة العربيَّة والإسلاميَّة مثل منظمة مؤتمر العالم الإسلامي وجامعة الدول العربيَّة والحكومات المسلمة أن تقول شيئًا بهذه المناسبة، وتستنكر ما يحدث، وترفض ذلك الترويج الساخر السافر المدمر لهذه الرذيلة، فالأمر جد كله، وهي تختلف عن قضيَّة الإرهاب في بلداننا، بل إنَّ مثل هذه الانحرافات تعتبر أهم الدوافع لإيجاد التشكيلات الإرهابيَّة على مستوى العالم، وبين جميع الفئات المحافظة على مستوى الأرض، لابد لأهل التربية والتعليم ورجال صناعة الرأي العام والعاملين في حقول الدين من سائر الأديان والذين يحاولون المحافظة على القيم أن يفعلوا شيئًا، ويستنكروا ما يحدث، ويعملوا على الوقوف بوجه هذا التدهور، الذي سيدمر العالم كله.

إنَّ إعادة بناء المفاهيم خاصَّة تلك التي تتصل بالقيم أصبحت ضرورة حتميَّة، لابد من القيام بها، وحماية العالم من نتائج التلاعب بها؛ لأنَّ ذلك سوف يعود بالخراب والدمار على الأرض كلها، إنَّها أفتك سلاح استطاع شياطين الإنس والجن أن يخترعوه، ويحاربوا الوجود البشري على هذه الأرض به، هو هذه الجريمة النكراء والفاحشة الشنعاء، إنَّ الخطر لم يعد خاصًا بالأقليَّات المسلمة التي تعيش في الغرب وفي أمريكا بالذات، بل إنَّ هذه الشرور والآثام ستعم الأرض كلها، وستنشرها في كل بقاع الأرض، وبين سائر أبنائها، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، ولكن لابد من بذل كل ما يمكن لصد هذه الهجمة الشيطانيَّة الشرسة، وحماية البشريَّة منها، وإظهار قيم الهدى والحق على الدين كله قبل أن يفلت الزمام أكثر، وتنهار الحضارة، وتباد البشريَّة.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *