Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الإمام الغائب وملكية الأرض

أ.د/ طه جابر العلواني

يرى بعض الشيعة أن الأرض ومن عليها وما عليها هي ملك للإمام الغائب، وهو وحده الذي يملك حق التصرف فيها، وأنّ الولي الفقيه يستطيع أن ينوب عنه بالتصرف في الأرض ومن عليها وما عليها، إلى أن يظهر المهديّ ويسلم الوليّ الفقيه كل ما لديه آنذاك له. والتسويغ المذكور لهذا عجيب، فإنّهم يرون أن الظلم الذي يقع، والاضطراب، وتناقل المال، أيّ كان نوعه، وسائر التصرفات التي تجري في غيبة الإمام تتوقف على إجادة الإمام لها، وإلّا فإنها تعد تصرفًا غير شرعيّ، تفتقر إلى الشرعيّة التي يملكها أصالة الإمام المهديّ المنتظر، ويملكها وكالة الوليّ الفقيه.

 كنت قد اطلعت في بعض الكتب على ذلك المذهب، ولم أهتم به في حينها، أو التفت إليه بالقدر الكافي، لكن كتبت عليّ الأقدار أن أكون في طهران في زيارة طالت بعد فرض الإقامة الجبريّة عليّ هناك، وممن زارني والتقيت به كان السيد مهدي الحكيم -يرحمه الله رحمة واسعة – فقد كان سمح النفس، طيب القلب، وقد توسط لدى الإيرانيين؛ لتحريري والسماح لي بمغادرة إيران إلى حيث أشاء، ولم تفلح وساطته، فقد كان الإيرانيون يدّبرون محاولة لقلب النظام البعثيّ، فأخذوا على عاتقهم القيام بتدبيرها، والتعاون مع أطراف عراقيّة، وكرديّة، وشيعيّة، وعسكريّة ممثلة في بعض كبار الضباط، ومنهم: عبد الرزاق آل نايف، وعبد الغني الراوي، وهي المحاولة الفاشلة التي جرت في بداية سنة 1970.

 أثناء هذه الأحداث كنت ذاهبًا في طريقي إلى شمال العراق، وكان لابد من المرور بطهران، فهي المنفذ الوحيد، وهناك حدث ما حدث؛ لأنّهم توهموا أنّي بصفتي عربيًا سنيًا، قد أنقل للآخرين شيئا عما كان يدبر في طهران؛ لقلب النظام البكريّ، الصدّاميّ، المعنون بـ “نظام حزب البعث” فشكرته على مساعيه، ورجوته الاستمرار فيها، و قلت له: إنني مستعد لأيّة ضمانات يطلبها هو أو هم، بألا أفشي لهم سرًا، ولا أكشف لهم سترًا، فأكدّ الرجل اطمئنانه لصدقي، وقال: إنّ لديهم مبلغًا من المال خصصوه لي؛ تعويضًا على ما حدث، وإعانة على ما مر، فقلتُ له: لا  أحتاج إلى شيء، ولا يعوزوني شيء إلّا حريتي، وخروجي من هذا البلد، فقال: يا أخي إذا كان لديك حرج شرعيّ من قبول ما خصصوه، فأنا أزيل عنك الحرج، فأنت تعلم أنّ والدي -آية الله العظمى- السيد/ محسن الحكيم، هو الإمام الأعظم للشيعة الآن والأموال الموجودة على الأرض سواء أكانت عراقيّة، أو إيرانية، أو أمريكية، أو روسية، أو سواها، فإنّها ملك الإمام المهدي المنتظر، وينوب عنه الوليّ الفقيه، والمرجع الأساس، وهو في هذه الحالة واليًا، وأنا وكيل له، أحمل الحق في التصرف باسمه، فأنا سآخذ منهم ما يريدون دفعه لك، وأقدمه مني باعتباري وكيلًا للإمام وأنا وكيله، وبما أن لوالدي حق التصرف بأموال الأرض، ولي بحكم الوكالة، أقدّمه لك فلا يكون إلّا حلالا خالصًا، لا تشوبه شائبة، فهو هدية الإمام. وهنا تحرك حسي الفقهيّ، ففلت له: يا سيد مهدي، سبق لي أن قرأت هذا المذهب في بعض الحواشي، والكتب الخاصة بكم، ولكنني ظننت أنّه من المذاهب المهجورة، التي لم يعد أحد يأخذ بها، لكن قولك الذي ذكرت يدل على أنّ هذا المذهب لم يهدر، وأنكم بالفعل تؤمنون بأنّ الأرض كلها بمن عليها وما عليها ملك للإمام المهدي المنتظر، ولا أجد دليلا في كتاب، أو سُنة يساعد على هذا الفهم، أو هذا الفقه، وهذا المذهب خطير جدًا جدًا، فكيف تحيونه؟ وما دليلكم عليه؟  ودخلنا في نقاش فقهي لم يحسم، فلا أنا اقتنعت، ولا هو تراجع.[i]

 وقد تذكرت ذلك، وأنا أسمع تهديدات الرئيس الإيراني، ورئيس تشخيص مصلحة النظام في طهران، وعلي لاريجاني، وقاسمي، وقادة الحرس الثوري لدول الخليج، وسائر البلدان العربية، والمسلمة الأخرى، وآخرين.

تذكرت هذا المذهب الفقهيّ الذي كنت أظنه مهجورًا، ولكن يبدو لي أن الولي الفقيه، والمراجع ما زالوا يأخذون به، ويتبنونه. فالأرض كلها في نظرهم، وليست إيران ولا العراق -نعم الأرض كلها-ملك للإمام الغائب “عج”؛ ولذلك فإنّ الأرض التي وعد بها الله أن يرثها عباده الصالحون، سترثها القيادة الإيرانية، فهي ميراث خالص لها، وذلك جزء من عقيدتها، وفرض حتم عليها أن تستخلص أموال المهدي، وتجهزها، وتهيئها، لتقدمها له بعد ذلك.

 فتأملوا كم في هذا الفقه من أمور لها آثار فكريّة عميقة! ليتفكر الناس أحيانا كيف ولدت؟ ومن أين جاءت؟ ويغفلون عن منابعها التي ولدتها.

 فهل يستغرب من داعش حديثها في مواقعها المختلفة عن أن بعض مصادر تمويلها هي: عمليات الاستيلاء على أموال مخالفيها الذين يُحكم عليهم بالردة ونحوها؟

وهل يستغرب أن نجد ذلك الاستنزاف الذي يجري لأموال العراق، بحيث ذهبت خلال السنوات الاثنتي عشر السابقة موارده الضخمة، وأمواله الطائلة التي ذهبت إلى جيوب حفنة من الذين يطلقون على أنفسهم الماهدين، أي الذين يمهدون الأرض لاستقبال المهدي، وأيّة دولة عاجلة يمكن لأناس يحملون اعتقادات مثل هذه أن يقيموها على الحق والعدل؟

سنجد تفسيرًا لعمليات استنزاف الأموال التي تجري في كل مكان في: العراق، وسوريا، وإيران؛ لتذهب إلى مداخيل الوليّ الفقيه، وقد كنت قبل تركي العراق امتلك بيتًا بـالكرادة الشرقية على ستمائة متر مربع. اشتريته من حر مالي قبل مغادرتي العراق عام 1969م، وعلمتُ أن أحد رجال “فيلق بدر” قد استولى عليه، وزارني بعض رجال عائلة السيد الحكيم، فقلت لهم: لقد حُرمنا كل شيء بما في ذلك مرتب التقاعد، وقد استولى أحد الإيرانيين على منزلي في بغداد، وبيدكم السلطة، وتستطيعون إخراجه منه، وإعادته إليّ، علمًا بأنّي لم أبعه، ولم أتصرف فيه، كما أن الحكومة السابقة حين صادرت أموالي، تركت هذا المنزل للأسرة؛ ليكون لإقامتها وصادرت ما عداه، وجاءني الرد من قيادة المجلس الأعلى بأن هذا المنزل مسجل باسم ذلك  الإيراني منذ عشرون عاما، وقبل دخول الأمريكان للعراق، فلا أمل لاستعادته، وتذكرت الواقعة التي جرت لي مع السيد مهدي، وتذكرت ذلك الفقه، وودت أن أقول للعراقيين، وللإيرانيين، ولأبناء الخليج، ولسائر أولئك الذين يتوقعون عدلا، بعد أن ملئت الأرض جورًا ، وعدل تشوبه الشوائب، وسيكون مثل ذلك العدل الذي جاء بولاية الفقيه.

إنّ الذين يتحدثون عن التراث الإسلاميّ، ومسؤولية بعض أجزائه عن العنف، وعن الاستهانة بأموال الناس، وأعراضهم، مطالبون بالاطلاع على هذا الفقه، ودراسته، وتحليله؛ لإدراك حجم التوحش الذي ينتظر عالمنا بعد سيادة هذا الفكر وانتشاره بين الناس.

أقسم أنني قد ترددت كثيرًا جدًا في الحديث عن هذه الواقعة ونشرها، لكن احساسي بالأمانة، وبالعهد الذي أخذه الله علينا، نحن الذين مَنّ الله علينا بشيء من الفقه في دينه، لما كتبتها خاصة في ظل الظروف التي نعيش فيها، لكنها أمانة العلم، وواجب أهله وطلابه.

وفقكم الله لما يحب ويرضى، ونعوذ بالله من الحرام والمال الحرام.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم

[i] ستجد تفاصيل كثيرة في هذا الموضوع في مذكراتنا، وهي قيد النشر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *