Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

النيّة

أ.د/ طه جابر العلواني

لم يرد لفظ “النية” كما هي في القرآن المجيد؛ لأن القرآن المجيد قد استعمل للتعبير عن ذلك المعنى لوازم النية وأهمها الإرادة. فالنية قصد وعزم، تنبثق عنه إرادة إنسانيّة، فيريد الإنسان الفعل أو الترك. والعزم والقصد والإرادة لوازم للنية، فإذا نوى أحد أن يسافر من مكان إلى آخر يتحول ذلك من خاطرة إلى شيء يترجح للفاعل أن يفعله، أو يأتي به فيصبح مقصودًا ومهادًا لذلك الإنسان، فإذا عقد العزم واتخذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك صار نية.

 ولفظ النية في السنن والأحاديث وارد بكثرة بذاته، وبكل ما يستلزمه، أو يستدعيه ذلك المفهوم، ففي الحديث “لا عمل لمن لا نية له”، وفي حديث آخر ” إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى “، وهذا القصد القلبي يعد من أعمال القلوب، فكما أن للجوارح أعمالها فإن للقلوب أعمالها كذلك، وهي ترتبط بأعمال الجوارح ارتباطا وثيقًا، فلا قيمة لعمل قام الإنسان به ولم تصحبه نية، سواء أكان من العبادات أو المعاملات أو سواها، فأفعال الإنسان وأقواله باعتبار ما بين الله وبينه من عهد ميثاق واستخلاف وأمانة وابتلاء، لا يمكن أن تتحقق بشكل يرضي الله (سبحانه وتعالى) إلّا إذا اقترن بالنية وأراد الفعل؛ لأنّ الله بفضله وبرحمته حين رفع الحرج في هذه الرسالة الخاتمة، وقال (جلّ شأنّه) ﴿ .. وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.. ﴾(الحج:78) أمر الإنسان ألا يقول أو يفعل شيئًا على مستوى العبث، أو مستوى المصادفة، أو عمل لم يقارنه الوعي فيه، فلا يعتبر للعمل للنائم حتى يفيق، ولا للغافل حتى ينتبه؛ وذلك لأن القصد والإرادة هي التي تحدد للإنسان طبيعة فهمه للعمل المطلوب ووعيه به، ومعرفته بأبعاده، ومرتبته بين الأولويات، وما الذي يتغلب عليه؛ ولذلك فإن أي عمل لا تصاحبه النيّة والقصد والإرادة يعدّ من قبيل اللهو واللعب والعبث وانعدام الأدب.

 والعمل الهادف لا يمكن أن يقع بدون نيّة، ومن هنا أخذت النية باعتبارها القصد والإرادة والعزيمة هذه المكانة، والناس يحاسبون على أعمالهم ونوياهم منها، وإذا فقدت النية فإنّ العمل يتأثر لذلك تأثرًا شديدًا، فقد يبطل بالكلية، وقد تترتب عليه آثار عكسية، وقد .. وقد .. إلخ.

 ومن أحسن النيّة، وأخلص وجهه لله فيها، فإنّ الله (تبارك وتعالى) ييسر له أعمال الخير التي يقصدها، ويعينه عليها، ويتقبله منه بقبول حسن، وأمّا من أساء النيّة، فإنّه محاسب على ذلك ومسؤول عنه.

نسأل الله (جلّ شانّه) أن يصلح نويانا ويسدد خطانا، إنّه سميع مجيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *