Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

أسباب الاختلاف الفقهي

أ.د/ طه جابر العلواني

إذا سلمنا بأنَّ الاختلاف في القضايا الفكريَّة –التي منها القضايا الفقهيَّة- أمر طبيعي، لما فُطر عليه الناس من تباين في عقولهم وأفهامهم ومداركهم؛ وذلك لأنَّ الفقه عبارة عن معرفة الفقيه حكم الواقعة من دليل من الأدلة التفصيليَّة الجزئيَّة التي نصبها الشارع للدلالة على أحكامه من آيات الكتاب، وأحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد يصيب الفقيه حكم الشارع أو يوافقه، وقد لا يوافق ذلك، ولكنَّه في الحالتين غير مطالب بأكثر من بذل قصارى طاقته العقليَّة والذهنيَّة للوصول إلى حكم، فإن لم يكن ما وصل إليه حكم الشارع فهو أقرب ما يكون إليه في حقيقته وغاياته وآثاره؛ ولذلك كان الاختلاف الفقهي مشروعًا لتوفر أمرين: الأول: أنَّ لكل من المختلفين دليلًا يصح الاحتجاج به، فما لم يكن له دليل يحتج به سقط. والثاني: ألا يؤدي الأخذ بالمذهب المخالف إلى محال أو باطل. وبهذين الأمرين يغاير الاختلاف الخلاف؛ فالأخير هو مظهر من مظاهر التشنج والهوى والعناد.

وقد اختلف الناس في أسباب الاختلافات الفقهيَّة اختلافًا بيِّنًا، إلا أنَّه يمكن ردها إلى الأمور التالية:

  • أسباب تعود إلى اللغة:

وذلك كأن يرد في كلام الشارع لفظ مشترك وضع لمعانٍ متعددة ومختلفة، وأحيانًا يكون للفظ استعمالان: حقيقي ومجازي فيختلفون في أيّهما استعمل اللفظ في ذلك النص من نصوص الشارع. وقد اختلفوا قبل ذلك في جواز وقوع المجاز في لفظ الشارع؛ فأثبته الأكثرون، ونفاه الأقلون؛ كالأستاذ الإسفراييني، وشيخ الإسلام ابن تيمية. ويُضاف إلى ذلك الاختلاف في صيغ النهي والأمر؛ فمن المعروف أنَّ صيغة ” افعل ” للأمر، و” لا تفعل ” للنهي، ومطلق الأمر يفيد الوجوب، ومطلق النهي يفيد التحريم؛ فذلك هو الاستعمال الحقيقي لكل من الصيغتين، ولكن قد ترد كل منهما لمعانٍ غير المعنى الذي وضعت له أولًا. فقد يرد الأمر للندب أو الإرشاد أو التهديد. وكذلك النهي قد يرد لغير التحريم كالكراهة والتحقير والإرشاد، كما أنَّ الأمر قد يرد بصيغة الخبر، وكذلك النهي قد يرد أيضًا بصيغة الخبر والنفي، وكل ذلك له آثار في اختلاف الفقهاء، وفي طرائقهم، وفي استنباط الأحكام الشرعيَّة من النصوص.

  • أسباب تعود إلى رواية السنن:

فأحيانًا لا يصل الحديث إلى مجتهد مَّا ويصل في الواقعة محل البحث إلى مجتهد آخر فيفتي بمقتضاه فتختلف فتياهما. وأحيانًا يصل الحديث إلى المجتهد ولكنَّه يرى فيه علة تمنع من العمل بمقتضاه، ويصح عند آخر فيعمل به. وقد تختلف آراء العلماء لاختلافهم في معاني الحديث ودلالته، وقد يصح الحديث عند المجتهد، ولكنَّه يرى أنَّه معارض بأقوى منه أو أصح فيرجح الأقوى، وقد لا يتضح له أقوى الدليلين فيتوقف عن الأخذ بكل منهما حتى يظهر له مرجح. وقد يعثر المجتهد على ناسخ للحديث أو مخصص لعامه، أو مقيد لمطلقه، ولا يطلع مجتهد آخر على شيء من ذلك فتختلف مذاهبهما .

  • أسباب تعود إلى القواعد الأصوليَّة وضوابط الاستنباط:

علم أصول الفقه: هو معرفة أدلة الفقه على سبيل الإجمال وكيفيَّة الاستفادة منها وحال المستفيد. فهذا العلم –إذن– عبارة عن مجموع القواعد والضوابط التي وضعها المجتهدون لضبط عمليَّة الاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعيَّة الفرعيَّة من الأدلة التفصيليَّة، فيحدد المجتهدون في مناهجهم الأصوليَّة الأدلة التي تُستقى منها الأحكام ويستدلون لحجيَّة كل منها، ويبينون جميع العوارض الذاتيَّة لتلك الأدلة لتتضح طرائق استفادة الحكم الشرعي من كل دليل من تلك الأدلة، والخطوات التي يسلكونها منذ البداية حتى الوصول إلى الحكم الشرعي. وقد اختلفت مذاهب المجتهدين في هذه القواعد والضوابط؛ مما ترتب عليه اختلاف المذاهب الفقهيَّة. فقد اختلفوا في حجيَّة فتوى الصحابي، وفي الأخذ بالمصالح المرسلة وكذلك اختلفوا فيما عرف في كتب أصول الفقه ب “الأدلة المختلف فيها”؛ كسد الذرائع، والاستحسان، والأخذ بالأحوط، والأخذ بالأخف، والأخذ بالأثقل، والعرف، والعادة، وغيرها. كما أنَّ هناك اختلافات في بعض الأمور المتعلقة بدلالات النصوص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *