Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

بين المهدي والخليفة: مخططات المخابرات وسناريوهات هوليودِ

د. ليلى الشامي/ كاليفورنيا

مقدمة:

هذه المقالة مقالة مهمة جدًا يجدر بكل عربي مسلم بل وغير مسلم أن يقرأها بتأمل وعناية شديدين، فكتاب المهدي ومجموعة كتب أخرى صدرت في الثمانينيَّات، كانت عبارة عن بالونات اختبار أطلقتها جهات خطيرة لاستكمال قياساتها ودراساتها، قبل الغارة على العالم الإسلامي، وتدمير وتفتيت الوطن العربي، وتسليمه بهُويَّة جديدة شرق أوسطيَّة لقيادة إسرائيل، لتصبح سيد المنطقة وقائدها المطاع الذي لا يعصى له أمر ولا يرد له طلب، وتحقيق أحلامها بتفتيت ما بين النيل إلى الفرات كمرحلة أولى تتبعها مراحل أخرى سبق أن أشرنا إليها في مقالات عديدة، ومنها: العلو الكبير، وتأملاتنا وتدبرنا لسورة البقرة والإسراء، والقصص وغيرها؛ ولأنَّ ما جرى مؤخرًا منذ تدمير العراق باحتلال 2003م وسائر ما تلاها من أحداث كلها تجري في ذلك السياق.

فإسرائيل بطبيعتها لا يمكن أن ترضى أو تطمئن بما تحققه من مكاسب مهما عظمت؛ لأنَّ مثلها بالضبط مثل ذلك الذي نوه القرآن إلى قصته في سورة الأعراف في قوله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (الأعراف:175-176) كما أنَّ قضاء الله (جل شأنه) بالنسبة لها لا يرد، وقد قضى الله على إسرائيل أن يقطع أبناءها في الأرض أممًا: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الأعراف:168)، وذلك يعني أنَّ نسقهم قائم على الشتات والتفرق، سواء قامت لهم دولة، أم لم تقم.

والدولة لن تحميهم أو تحول بينهم وبين نفسيَّة الشتات والانفصال والتقطع أممًا؛ ولذلك فهم دائمًا يبحثون عن الأوطان البديلة، وهم رغم وجود الدولة يطوفون في مشارق الأرض ومغاربها بحثًا عن أوطان بديلة تصلح أن يستوطنوها لو انهارت الدولة ودخلوا الشتات الجديد، والذين يتابعون حركتهم في الأرض ويستنيرون بهدي القرآن سيجدون مصداق ذلك في آلاف الأحداث والوقائع التي تقع في عالمنا اليوم.

 وهذه المقالة ميزتها أنَّ فيها لفتًا للأنظار لتفسير كثير مما يجري في عالمنا اليوم -والله أعلم؛ ولذلك فقد وددنا إعادة نشرها لتكون في متناول أكبر عدد من القرَّاء، وفَّق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

أ.د/ طه جابر العلواني

بين المهدي والخليفة: مخططات المخابرات وسناريوهات هوليودِ

د. ليلى الشامي/ كاليفورنيا

قرأت قبل سنوات في كتاب أكاديمي يبحث في علاقة الروايات والخيال بما يحدث في عالم السياسة العالميَّة عن رواية صدرت في عام 1981 بعنوان “المهدي”. موضوع الرواية أنَّه، وفي مواجهة التشدد والتطرف الإسلامي في أرجاء العالم، والفوضى التي تعم دول منابع النفط مما يهدد استقرار الغرب، تقوم المخابرات الأمريكيَّة والبريطانيَّة بإيجاد المهدي الذي ينتظره العالم الإسلامي، بحيث يكون تحت سيطرتها، ويعمل على توحيد العالم الإسلامي تحت رايته ومرجعيَّته، موجهًا كافَّة مسلمي العالم بما يخدم الأهداف الغربيَّة ويؤمِّن لها الاستقرار. وبعد اكتشاف الروس للخطة يحاولون إفشالها ولكنَّهم يخفقون في ذلك.

تذكرت هذه الرواية وأنا أشاهد الخليفة الجديد يصعد على منبر أقدم وأشهر جوامع العراق في الموصل، فالطريقة التي صعد بها، والملابس التي ارتداها، وطريقة كلامه، ذكَّرتني تمامًا بالسيناريو الذي نفذته المخابرات الأمريكيَّة والبريطانيَّة في رواية “المهدي”، ابتداءً من غار قرب المدينة المنورة يشبه غار حراء، وباستخدام آخر ما توصلت إليه تكنولوجيا البث والصوتيات في حينه للإيحاء لشخص ما، كان منذ سنين يرتاد الغار ويعتكف فيه، بأنَّ الوحي هو الذي يخاطبه، وبأنَّه سيكون المهدي الذي ينتظره المسلمون لقيادتهم.

ثم يتم استخدام تكنولوجيا الأقمار الاصطناعيَّة والليزر لإعلان قيام هذا المهدي أمام ملايين الحجاج في عرفة.

وفي هذه اللحظة بالذات، التي هيأت لها المخابرات الأمريكيَّة لتُحكِم سيطرتها على “مشروع المهدي” بواسطة تاجر عراقي يسكن السعوديَّة وله علاقة وطيدة مع هذا الرجل/المهدي وكذلك بالتعاون مع المخابرات البريطانيَّة، تقوم الأخيرة باختطاف المشروع كله. كانت المخابرات الأمريكيَّة تعتقد أنَّ رجل الغار قد خُدع باعتقاده أنَّه فعلًا المهدي الحقيقي، إلا أنَّ الحقيقة أنَّه ابن رجل المخابرات البريطانيَّة الذي اقترح المشروع، ورزق به من زوجة عربيَّة سبق أن تزوجها ثم اختفت وابنها عن الأنظار. وهكذا يظهر أنَّ المهدي المنتظر ليس شخصًا مخدوعًا كما ظنت المخابرات الأمريكيَّة يمكن أن تسيطر عليه، بل لاعبًا بريطانيًّا أساسيًّا في المشروع منذ بدايته.

وكنت وأنا أشاهد من خلال شاشة التلفزيون “الخليفة البغدادي” وهو يصعد منبر الجامع ويلقي خطبته، أرى بوضوح أصابع المخابرات والسناريوهات الهوليوديَّة المتقنة في إخراج حفلة تنصيب هذا “الخليفة”، تمامًا كما تم تنصيب المهدي في الرواية التي صدرت قبل 33 عامًا.

في كتاب عن تاريخ وعمل الموساد بعنوان “جواسيس جدعون: محاربو الموساد السريون” ذكر الكاتب أنَّ الموساد عملت منذ تأسيسها على زرع عملاء في البلدان الإسلاميَّة، وخاصَّة العربيَّة، عاشوا ونشأوا كمواطنين عرب، ووصل قسم منهم إلى مراكز حساسة في الدول العربيَّة لخدمة مصالح إسرائيل. وما قصة العميل الإسرائيلي كوهين في سوريا ببعيدة. إنَّه واحد فقط تم كشفه، وهناك، كما يؤكد الكاتب، المئات مثله.

في الواقع وفي الخيال والأفلام تمت ولازالت عمليَّات سرقة شخصيَّات لأشخاص تجري تصفيتهم، ثم يجري إبدالهم بآخرين ينتحلون هذه الشخصيَّات، ثم يتم إيصالهم بطرق ذكيَّة كي يلعبوا دورًا أساسيًا في اتخاذ قرارات مصيريَّة، وتوجيه سياسات تخدم في النهاية مصالح جهة أو دولة معينة. تذكرت كل هذا، وأنا أفكر بشخصيَّة “خليفة داعش” وبكل ما يجري الآن في العراق، وأربطه بالسرعة الرهيبة التي ظهرت بها داعش، والاكتساح الواسع الذي حققته، بحيث انهارت أمامها الحدود وانهزمت الجيوش.

وربطت بين هذه الرواية ورواية أخرى قرأت عنها قبل أيام قليلة فقط في إحدى الصحف الأمريكيَّة كانت قد صدرت في أمريكا عام 2009 بعنوان ” 72 عذراء” أي 72 حوريَّة. مؤلف الرواية أمريكي/إسرائيلي متخصص في الإلكترونيَّات، سبق له أن حاضر في جامعة نورث إيسترن في الولايات المتحدة، وخدم في الجيش الإسرائيلي، حيث وفَّرت له خدمته “فرصة اكتساب خبرة ثمينة في المخابرات العسكريَّة”.

تتحدث هذه الرواية الثانية عن تخطيط لتخريب وتهديم حماس من الداخل عن طريق زرع شاب إسرائيلي خارق الذكاء، شكله عربي ويتقن العديد من اللغات واللهجات العربيَّة داخل المنظمة للوصول إلى موقع يمكنه من توجيه وتخريب إعمالها وتدميرها. وتقوم الموساد بالضغط عليه للقيام بذلك. وبعد أن يرفض هذه المهمة بإصرار يتم تدبير خطف خطيبته من قبل “منظمة إسلاميَّة إرهابيَّة إندونسيَّة” لا وجود لها، حيث رتبت عمليَّة الخطف الموساد نفسها باسم هذه المنظمة الوهميَّة لدفعه للعمل معها بعد أن تم إقناعه أن هذه المنظمة الإرهابيَّة الإندونسيَّة تعمل بالتنسيق مع حماس ولهذا فإنَّ وصوله إلى دور قيادي في حماس سوف يساعده بالتأكيد على اكتشاف من وراء اختطاف خطيبته ومكان احتجازها!

الغريب أنَّ هذا الشاب الإسرائيلي هو من أصول عراقيَّة يهوديَّة، هاجر جداه وأبواه من العراق إلى إسرائيل في مطلع خمسينيَّات القرن الماضي. وكأنَّ قدر العراق أن يكون حاضرًا بشكل أو آخر في الواقع والخيال معًا من خلال شخصيَّة التاجر العراقي الذي يساهم في مشروع “مهدي المخابرات” و”خليفة داعش” العراقي وهذا الشاب الإسرائيلي ذي الجذور العراقيَّة! بل أكثر من هذا، فالشاب الفلسطيني قاسم الناصر الذي قتلته المخابرات الإسرائيليَّة لتسرق شخصيَّته للوصول إلى قيادة حماس له جذور عراقيَّة أيضًا حيث عاش جداه وأبواه في العراق كلاجئين منذ عام 1948 قبل تركه العراق إلى مصر للدراسة الجامعيَّة ثم هجرته إلى أمريكا حيث تمت تصفيته لانتحال شخصيَّته!

صعود داعش، وانتشارها الواسع والسريع ببضع مئات من المقاتلين، محققة انتصارات تعجز عنها الجيوش الجرَّارة، أثار، وما يزال، تساؤلات كثيرة يحار الكثيرون في العثور على أيَّة أجوبة عنها، ويتوه الناس في التفكير وترويج الروايات العديدة في تفسيرها.

وسنستعرض هذه التساؤلات لعلها تقودنا إلى بعض الوضوح آخذين بنظر الاعتبار ممارسات المخابرات، الخياليَّة والحقيقيَّة منها، في سرقة شخصيَّات وإيجاد شخصيَّات بديلة:

لماذا أطلقت القوات الأمريكيَّة سراح البغدادي وغيره من القيادات التي ظهرت فجأة بعد ذلك على الساحة، ومعها الكثير من الأموال والعتاد والأجهزة الإلكترونيَّة الحديثة التي لا تملكها معظم جيوش المنطقة، ما عدا إسرائيل طبعًا؟

لماذا لا تقاتل داعش النظام السوري أو يقاتلها؟ فمن المعلوم والواضح من تصريحات قادة إسرائليين أن إسرائيل لا تريد إسقاط الأ سد ونظامه، وإلا لسقط الأسد منذ سنوات.

لماذا سهَّل نوري المالكي وزبانيته هروب الآف المعتقلين، والذين لم يجدوا حاميًا وملجأ لهم إلا داعش؟

لقد تباينت الآراء حول أسباب انهيار جيش المالكي وهروب 100 ألف جندي وضابط وشرطي أمام بضع مئات من المقاتلين، ولكن كيف يمكن أن نفسر انهزام قوات البيشمرﮔـة أمامهم، وهي قوات جيدة التدريب، قاتل أفرادها الجيش العراقي لعقود طويلة عندما كان جيشًا يعتد به وبقوته؟ إنَّ جيش المالكي لم تكن لديه دوافع عقديَّة أو وطنيَّة للقتال ومعظم أفراده مرتزقة من نفايات الميليشيات الطائفيَّة الإرهابيَّة المجرمة، ولكن البيشمرﮔـة لديهم مثل هذه الدوافع، إضافة إلى حرصهم على مكتسبات عديدة حصل الأكراد عليها بعد كفاح طويل!

لماذا وجه المالكي زبانيته في الجيش والشرطة الاتحاديَّة ليذيقوا أهالي الموصل يوميًّا ولمدة ثمان سنوات الذل والعذاب والقتل والتنكيل والإهانات والاغتصاب والخطف والتشريد والمقابر الجماعيَّة؛ بحيث هبوا في الوهلة الأولى لاحتضان داعش والترحيب بها، قبل أن يكتشفوا مخططها الإرهابي الإجرامي؟ أما كان الأولى به أن يعمل منذ البداية على كسبهم إلى جانبه لضمان تأييدهم على الأقل، إن لم يكن بدافع وطني أو أخلاقي فعلى الأقل من منطلق مصالحه السياسيَّة وضمان بقائه في الحكم؟

كيف تمكنت داعش من الوصول إلى الموصل في سياراتها الواضحة للعيان، وبأعلامها الخفاقة، عبر منطقة مكشوفة لا جبال فيها ولا وديان ولا غابات، من غير أن تكتشفها الأقمار الاصطناعيَّة وطائرات التجسس المتواجدة ليلًا نهارًا في المنطقة؟ ولماذا لم تسعَ أمريكا لقتل البغدادي حتى الآن بطائراتها من غير طيار كما فعلت مع العولقي وكثيرين غيره في اليمن والباكستان؟

لماذا يُهجَّر اليزيديون والشبك والمسيحيون من مناطق سهل نينوى، وخاصَّة مناطق شمال غرب العراق؟ وكيف يخدم هذا مصالح داعش؟ هل لإسكان آخرين محلهم؟ ومن هم الذين يراد إسكانهم؟ من المعروف، ولكن ربما لقليل من المتتبعين، أن الحكومة التركية اعترضت على قيام إسرائيل، عبر العديد من المغتربين الذين عادوا إلى العراق بعد 2003 ، بشراء أراضٍ وأملاك واسعة في سهل نينوى وشمال غرب العراق، وخاصَّة حول سنجار وغيرها من المدن الصغيرة والقرى في المنطقة؟ بل إنَّ بعض وسائل الإعلام ذكرت أنَّ تركيا وجهت في حينه استفسارًا إلى إسرائيل بهذا الخصوص، ولا نعلم ما كان الرد عليه. ألم تقم إسرائيل بنفس التكتيكات لشراء أراضٍ وأملاك في فلسطين من قبل عملاء فلسطينيين ليقوموا بعد ذلك ببيعها إلى مؤسسات يهوديَّة، وإسكان اليهود والمستوطنين فيها؟

من الواضح حتى للأغبياء أن ممارسات داعش الإجراميَّة لا تهدف فقط إلى تمزيق الدول التي تتواجد فيها، وتأجيج نيران الصراعات الطائفيَّة والعرقيَّة، وشل الاقتصاد، وتدمير البنى التحتيَّة، إضافة إلى هز الأمن والاستقرار في الدول المجاورة، بل إلى تشويه الإسلام ومبادئه السمحة بشكل ممنهج ومتعمد وبخطوات وممارسات درست بعناية ودقة بالغة؛ تشويهًا يحتاج إلى عقود، أو ربما قرون لترميمه!

السؤال الآن: من هو المستفيد من كل هذا؟ ومن الذي أوجد “الخليفة البغدادي” ليخدم أجندته وأهدافه؟ أو بالأحرى من الذي انتحل شخصيَّة من يسمى “إبراهيم بن عواد بن إبراهيم البدري الحسيني القرشي السامرائي” ليخرجه علينا خليفة للمسلمين؟ وهل سيكون هو الخليفة الأول والأخير؟ أم سيعقبه أحد عشر خليفة آخر، يدخل آخرهم في السرداب ثم لا يعود، حتى يصبح “الخليفة المنتظر”؟ ومن يا ترى سيخرج حقًا من السرداب، ومن هي الجهة التي ستخرجه، وبأي سيناريو، وماهي الأهداف التي سوف يخدمها؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *