Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

دولة نتمناها

أ.د/ طه جابر العلواني

نحن الموحدين الوحدويين تعلمنا أن نتمنى ونحلم ونرجو الله (جل شأنه) أن يحقق الأماني، ويرينا تأويل الأحلام، وبما أنِّي أصنف نفسي بين الموحدين الوحدويين؛ فإنَّني أحلم بأن أرى مصر نسرًا له جناحان، جناح اسمه السودان كما أعرفه شماله وجنوبه، وجناح اسمه ليبيا كما أعرفها، آنذاك سيصبح النسر نسرًا، لا يستنسر عليه البغاث[1]، ولا يطمع فيه من لا يدفع عن نفسه، ولا يهدد مياهه ولا ترابه ولا أرضه ولا سماءه أحد، وسيكون نسرًا عربيًّا حرًا، كما يقول الشاعر الشعبي، معتزًا بذلك النسر:

“حر صافي من الغش، نـﮕـنص ب”.

يستطيع هذا النسر أن يكون أمانًا للعروبة، وسلمًا لأفريقيا، وأمانًا لدول عدم الانحياز، وأمنًا وسلمًا لدار الاستجابة، وأمَّة الإجابة.

هذا الحلم غرسه الأزهر فينا يوم جئنا إلى رحابه، وأطلق علينا عنوان: “البعوث الإسلاميَّة”، فكأنَّ الأزهر كان آنذاك أمم متحدة، تأتيها البعوث من كل فج عميق، لترتشف من علم علمائها، وتنهل من معارف أزهرها، وتتلمذ على البقيَّة الباقية من شيوخها؛ لتعود حاملة مع المعرفة اعتدالًا ووسطيَّة وانفتاحًا وأريحيَّة تكاد تتسع للعالم كله.

في تلك المرحلة المبكرة كانت مصر والسودان بلدًا واحدًا، وكان لقب الملك الراحل فاروق وابنه من بعده ملك مصر والسودان، وكان الأساتذة الأزهريُّون يذهبون إلى السودان قضاة ومدرسين كما يذهبون إلى أي بلد من بلدان مصر، وكانت أذاننا تفتح بعد قراءة القرآن بكثير من الأناشيد والأغاني السودانيَّة المتميزة العذبة، الهادئة، التي لم تكن توحي آنذاك بكل ما شهدناه من انفصال للسودان، ثم تتابعت الأحداث بعد ذلك.

 وحين أقام الراحل عبد الناصر بضغط من الضباط السوريين وحدة اندماجيَّة بين مصر وسوريا عجب الناس لذلك، كيف يسعى إلى توحيد قطرين بينهما من فواصل الجغرافيا والتاريخ الشيء الكثير، ويجري تجاهل وحدة كانت قائمة قبل سنتين من إبرام هذه الوحدة، وتم التفريط بها دون دفاع يذكر عنها، ثم يتجه إلى تلك الوحدة التي كانت تفتقر إلى كثير من المقومات؛ ولذلك فإنَّها انفكت بأسرع مما أقيمت به.

إنَّ توحيد مصر والسودان ومعهما ليبيا أمنيَّة للموحدين الوحدويين، والأفارقة والعروبيين، فذلك ما سوف يوجد دولة أفريقيَّة وعربيَّة قويَّة الجانب متينة البنيان، تستطيع أن تتكامل بشريًّا واقتصاديًّا بشكل في غاية السهولة، وتستطيع أن تكون في عصر الشرذمة والتشتيت الدرع الواقي، والرد الأنسب على الشرق أوسطيَّة التي يريدون من خلالها إطلاق يد إسرائيل في المنطقة، وجعلها سيدة الشرق الأوسط بلا منازع، بعد أن يصبح شرقًا مشتتًا مشرذمًا، مليئة بألقاب الممالك والجمهوريَّات، أو أيَّة ألقاب أخرى، لكنَّها في النهاية ليس لها وزن مادي ولا معنوي:

ويقضى الأمر حين تغيب تيم ** ولا يستشهدون وهم شهود

إنَّ القيادة المصريَّة من أقدر القيادات على أن تبدأ برنامج طويل المدى ينتهي بتحقيق هذا الحلم، حلم الدولة القويَّة، الأفريقيَّة العربيَّة، التي تكون بروسيا أفريقيا والعرب، وما ذلك على الله ببعيد.

[1] نوع من الطيور يشبه الغراب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *