أ.د/ طه جابر العلواني
ومرة أخرى أقول:
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ * بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديد
التجديد الذي جرى في هذا العيد مزيد من الفرقة في صفوف المسلمين، ومزيد من الجهل والاستعداد للاستحمار، ومزيد من الضلالات، والبدع، والانحرافات، وإمعان في مزيد من المصائب والمشكلات من ذوي الجراحات النفسيّة، والعاهات، وانتشار لافت للنظر لدعاوى المبطلين، وانتحالات المضللين، وتحريفات الغاليين، وتدميرات الهالكين، وانشقاقات في صفوف أهل الإيمان والمسالمين، وسيادة للجهل، وانزواء للعلم، والحلم، والعقل، ووضع يصح أن نتمثل فيه بقول من قال:
“عتبت على الدنيا لرفعة جاهل وخفض لذي علم فقالت خذ العذرا”
“بنو الجهل أبنائي لهذا رفعتهم وأهل التقى أبناء ضرتي الأخرى”
يعود العيد وأمّة المسلمين ما زالت تنزل إلى الدركات السفلى من الشتات، والفرقة، والجهل، والغباء، والأمراض، وعجز العالِم، وجرأة الجاهل، وفتك المبير الداعر، وجور السلطان الجائر، واستغلال المستغلين، واستبداد المستبدين، الذين جعلوا من الأمّة قطيعًا من القطعان، تحمل عقليّة عوام، ونفسيّة عبيد، وطبيعة قطيع، تكاثرت عليها الجراح، وانتشرت فيها الفتن، وعمَّها الجهل في الدين، وفي الدنيا، وانتكست راياتها في كل مكان، ولم يبق لديها إلا رسوم، وأشكال، وبقايا من حضارة زابلة، وثقافة آفلة، وسلوك مضطرب، ودمار معشعش، لم تعد تفرق بين الناصح والدخيل، ولا بين العدو ولا الخليل، تقرأ القرآن لا تتدبره، ولا تسمح لأنواره بأن تشق طريقها إلى عقولها وقلوبها، فانطفأ النوران، وخبتت أنوارهما، فكان قول شوقي:
بأيمانهم نوران ذكر وسنة * فما بالهم في حالك الظلمات
أمّا الذكر فقد اتبعوا فيه سنن من قبلهم، فصار حملهم له حملا حماريًا ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚوَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (الجمعة:5)، ونستطيع اليوم أن نرفع كلمة التوراة لنضع القرآن، فحملة القرآن اليوم يحملونه حملا حماريًا، لا حملا إنسانيًا ربانيًا، ينير القلوب، ويجلو الأفهام، ويربي العقول، وأمَّا الفقه في الدين، فإنَّه فقه بقريّ، كفقه أصحاب البقرة، يسأل.. يسأل.. يسأل، ولا يكاد يعمل، وإذا عمل أخطأ وأفسد، وإذا تعطل فالعطالة والبطالة لم نخلق لها، ولم نهيئ لها بحال، فإنَّا لله وإنّا إليه راجعون.
أسأل الله (جلَّ شأنّه) أنّ يمنّ علينا بعيد قادم، ينير حياتنا بالكتاب، وبالذكر، وبالسُنة، والهديّ النبويّ، ونُرد إلى كتاب الله ردًا جميلا، ينشئنا خلقًا آخر، يزيل منّا عقليّة العوام بنوره، ويغير طبائعنا من طبائع القطيع إلى طبيعة الإنسان المكرم الذي يليق بأنّ يكون عبد لله، يضرب به المثل، ويأتمنه على نفسه، وعلى الكون كله، ويجعله جديرًا، بدار رضوانه إنّ شاء الله.
نسأله سبحانه وتعالى أن يحقق الأعمال، ويقبل الدعاء، ويستجيب للرجاء، ويحسن عاقبتنا في الأمور كلها، إنًه سميع مجيب.