أ.د/ طه جابر العلواني
كان بعض المقربين من كثير من الحكَّام السابقين يتحدثون عن العلاقات الوثيقة والزيارات المباشرة لإبليس، يقوم بها بين الحين والآخر لقادتهم وسادتهم من القواد الذين يعملون معهم. يقول أحدهم: قام إبليس بزيارة خاصَّة للرئيس الراحل صدام حسين، وقال له: لقد جئتك اليوم بمخطط وددت أن اتحفك به قبل غيرك من القادة، فقال له وما هو؟ فقال: اقترب مني أو دعني أقترب منك؛ لأنَّ هذا لا يصلح لأن يقال إلا في أذنك، فإنَّني لا أريد أن يعرف شيئًا منه أحد قبلك، فدنى كل منهما من الآخر، وبدأ إبليس يصب في أذان الرئيس القائد خطته، ويقول له: إنَّ هذه الخطة سوف تكفيك شر رفاقك في الحزب وشرور الآخرين، وتبقى في الحكم لا ينازعك أحد.
وكان إبليس يتحدث في أذن صدام، وابتسامة صدام تتسع شيئًا فشيئًا، ولما فرغ إبليس من ذكر ما لديه في أذن صدام فوجئ بأنَّ صدام قد بدأ يقهقه بصوت عال، وحرَّك كرسيه إلى الوراء، وشد نفسًا من سيجاره الهاﭬـان، وقال له: أتدري يا أبى مرة -وتلك كنية إبليس- إنَّ هذا الذي ذكرته كله قد صار قديمًا بالنسبة لي، وقد استوعبته وتجاوزته، والآن أنا أفعل بمعارضيّ من الحزب كذا ومن الآخرين كذا؛ فنفض أبو مرة طرف ردائه وقال: أعوذ بالله منك، لقد غلبتني وسبقتني، وما كنت أظن أنَّ أحدًا منكم يا قواد العرب سوف يستطيع أن يغلبني، وإنَّني عازم على عقد مؤتمر قمة تحضره أنت وجميع زملائك من القواد للتادول في كيفيَّة العبث بالشعوب، ووقاية كراسيكم من شرورهم، وشرور انتفاضاتهم، وإزعاجاتهم، فليس بمقبول أن لا تتبادلوا الخبرات والتجارب، وأن يعمل كل منكم بمفرده، وأرجو أن تكون لك كلمة ضافية في مؤتمر القمة، تشرح لهم فيها خبرتك وتجربتك. وحدد موعد المؤتمر.
ولإبليس خبرة طويلة في عقد مؤتمرات القمة، بل القمم العربيَّة، منذ مؤتمر دار الندوة الذي كان يرأس به زعماء قريش، وهم يقاومون دعوة الله ورسوله، ويحاربون القرآن بمكة، وظلوا كذلك بعد أن هاجر إلى المدينة المنورة، يشنون حربًا تلو الأخرى ويدبرون مؤامرة بعد الأخرى؛ لمحاصرة القرآن، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والحيلولة دون انتشار الإسلام، ووصول الرسالة إلى من يستحق أن تصل إليه، وهذه الخبرة الطويلة أخذ يوظفها في مؤتمرات القمة التي تعقد برئاسته، وتحت مظلته، بين الحين والآخر.
ومن أهم المؤتمرات التي عقدها إبليس لقادة قريش في دار الندوة المؤتمر الذى لقن القرشيين فيه فكرة اغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقتله، وحين تهيبوا ذلك وخافت كل قبيلة منهم أو بيت من بيوتهم أنَّها لو انفردت بقتله سوف تتعرض لسلسلة من الحروب مع بني هاشم، وبني المطلب، ومع أحلافهم من قبائل قريش، ولن يكون رد الفعل يسيرًا ولا بسيطًا، فجاء أبو مرة إبليس بفكرة أن يأخذوا من كل قبيلة من قبائلهم شابًا جلدًا، وذا خبرة بالغة باستعمال السيف، فيجتمعوا ليضربوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مرة واحدة ضربة قاتلة لا ينجو منها، ولا يمكن لأحد من أبناء القبائل أن يتنصل من مشاركته في تلك الضربة الخائبة، فأوحى الله إلى نبيه بما اقترحه إبليس عليهم، وبما تعاهدوا على تنفيذه، وأمره بالهجرة إلى المدينة المنورة، وأوحى إبليس إلى حلفائه بأن يطاردوه، فلعلهم يدركونه قبل أن يصل المدينة، ويقضون عليه.
وخيب الله ظنونهم جميعًا، وباء الشيخ النجدي بالخسران، وخيبة الأمل، واهتزت ثقتهم به، وأدركوا أنَّه رغم وجاهة ما يأتيهم به من مقترحات لكن شيئًا منه لم يصب ولم ينل من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نيلًا. واستمرت المحاولات وأبو مرة لم يتوقف لحظة عن تقديم أخطر المقترحات إلى سادة قريش وقادتها، حتى قادهم إلى حتفهم في معركة بدر الكبرى، وقال لهم: إنِّي جار لكم، ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (الأنفال:48) أي يجيرهم ويحميهم من سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأتباعه، فلما تراءت الفئتنان ورأى قوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن معه، ورأى الملائكة تحفه وجنده من كل ناحية، نكص أبو مرة على عقبيه، وقال لقادة قريش: إنِّي أرى ما لا ترون، إنِّي أخاف الله، وتركهم يلاقون حتفهم في تلك المعركة الخاسرة التي زعم أنَّه سيكون جارًا لهم وينتزع النصر لهم.
وإلى لقاء في مؤتمر قمة قادم برئاسة إبليس.