Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

حوار الطرشان

أ.د/ طه جابر العلواني

منذ السبعينيَّات وأنا أحاول البعد عن الانغماس في القضايا العراقيَّة، بل قد أعلنت اعتزالي للعمل السياسي كليَّة لما عانيته وشهدته من خراب الذمم، وسرعة الانحراف لدى المشتغلين في الحقل السياسي في العراق خاصَّة، وفي العالم العربي والإسلامي عامَّة، فالناس في هذه البلدان تربت على الحشد، وأعني به أنَّ الواحد منهم إذا خاصم أحدًا أو طائفة أي نوع من الخصومة تراه يحشد كل ما لديه ليتغلب على خصمه أو معارضه، فيوظف الدين والطائفيَّة والوطنيَّة والقوميَّة والقبائليَّة، وكل ما لديه، فما دام قد قرر أن يجعل من طرف ما خصمًا فلا يرضيه شيء إلا سحقه والقضاء عليه، وإلغاء أيَّة فضيلة من فضائله، وتحويل حسناته إلى سيئات، وطيباته إلى خبائث، ثم يقف كل منهم وراء أتراس يتترس بها، ويدَّعي الدفاع عنها.

أم المؤمنين عائشة – رضوان الله عليها – لا يضيرها والله بعد أن صارت في أمهات المؤمنين، وزوجة لامس جسمها جسم محمد ابن عبد الله رسول الله وخاتم النبيين، لا يضيرها أن يأتي تافه سخيف لا مسكة له من عقل ولا دين، ولا رادع يردعه من ضمير أو وجدان ليقول: إنَّ مراد الله في قوله: ﴿.. إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً .. (البقرة:67) هي عائشة، فهذا كلام مرذول مردود خبيث لا يصدر إلا عن خبيث تافه، وحين يقول أحد عن أمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه – : إنَّه منافق، فلا شك أنَّه إنسان أعمى البصر والبصيرة، مصاب بعشى القلب وعشى البصر، لا يستطيع أن يميِّز الخير من الشر، ولا الإيمان من النفاق، فإذا رمى عملاق مثل عمر بما رماه به فإنَّ لعمر أسوة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان يضحك وهو يسمع سباب كفار مكة ومنافقي المدينة، فيقول (صلوات الله وسلامه عليه) ضاحكًا: “إنهم يسبون مذممًا وأنا محمدًا”.

 فهؤلاء يسبون أنفسهم قبل أن يسبوا الشيخين، ويسيئون إلى آل البيت قبل أن يسيئوا إلى الصحابة وأمهات المؤمنين، وهؤلاء الذين ما زالوا إلى يوم الناس هذا يتشبثون بتراث النواصب والروافض، ويقومون بإحياء ذلك التراث العفن النتن عندما تظهر بادرة أي صراع يسيره الأعداء لتحقيق مصالحهم هؤلاء دجالون مغرضون، كما يقال يستأجرون للطم في أي عزاء، فيمكن أن يلطم على الحسين ويمكن أن يلطم على قاتله، إنَّه يلطم لمن يدفع الأجرة، ويعطيه ما يريد.

 والدماء التي تسفك اليوم في العراق وسوريا، ويستبيحها ورثة داحس من داعش والغبراء، ويسفكها بدم بارد بحجج مختلفة، هؤلاء كلهم لو سألت عن جذورهم وخلفيَّاتهم لوجدتهم من محترفي القتل، وإراقة الدماء، وانتهاك الأعراض، والاستيلاء على الأموال، وقد يوجد فرصة في أن يضفوا على كل موبقاتهم وجرائمهم وفسادهم وفسقهم وفجورهم وسفكهم لدماء الناس واستحلالهم لأعراضهم ستارًا مهلهلًا من دين لا يملكون منه شيئًا، ولو أنَّهم كانوا أصحاب دين وعقل لما استباحوا الدماء.

وانظروا وتأملوا في هذه القصة، قصة الإمام أبي حنيفة النعمان – رحمه الله، حين كان في حلقة درسه، بين طلابه الفقهاء وأهل العلم، فدخلت عليه مجموعة ممن كانوا يسمون بالخوارج – الذين لا يعدون شيئًا بالنسبة لخوارج العصر، والداعشيين، ومن لف لفهم – فقال الإمام أبي حنيفة لمن حوله: لا ينطق أحدكم بشيء وسأتولى عنكم جميعًا الكلام معهم، فوقفوا على حلقة الإمام العظيم  وقالوا بأصواتهم النشاذ: من أنتم؟

فقال الإمام – رحمه الله – : إنَّا مستجيرون، ننتظر من يجيرنا. فما كذب ولكن استغل غباء السائلين، وتفاهة عقولهم، وذكرهم بقول الله (جل شأنه) الذي لا يفهمون منه إلا ظاهرًا وهم عن معانيه غافلون: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ (التوبة:6)، فجلس أحدهم يقرئ أبا حنيفة والحلقة شيئًا من القرآن الذي لم يكن يفهم منه شيئًا، وبعد أن انتهى قال الإمام أبو حنيفة: أبلغونا مأمننا وأرسلونا إلى ديارنا. ففعلوا، وبذلك تخلص الإمام منهم.

 لكن أصحاب الفتنة في هذا العصر لا يعرفون حتى ظواهر القرآن، ولا يستطيعون أن يبلغوا من العلم مبلغ أولئك، لكنَّهم يتقنون القتل، والذبح، وانتهاك الأعراض، وسلب الأموال، ومحاولة إشباع أمراضهم النفسيَّة، وعاهاتهم الخلقيَّة والأخلاقيَّة. إنَّ الله (جل شأنه) قد طهَّر بكتابه الكريم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين شرفوا بصحبته، فلن يستطيع أحد النيل منهم، وهم في غنًا عن غيرة الجهلة الذين يثيرون الفتن، ويصنعون المعارك بحجة الدفاع عنهم، كما أنَّ آل البيت في غنًا تام عن أولئك الذين يزعمون أنَّهم يعظمونهم ويتبعونهم ويتخذون منهم أسوة أو قدوة.

لو أنَّ نواصب العصر وروافضه فهموا آية واحدة من الكتاب وتمسكوا بها لكفتهم: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (البقرة:134)، إنَّ الإنسان العاقل تشغله مسؤوليَّاته أمام ربه، وحسابه بين يديه عن أن يدخل في فتن بحجة الدفاع عن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويكفي أنَّ القرآن الكريم مدحهم وأعلى ذكرهم في التوراة والإنجيل قبل أن يخلقوا، ثم شرَّفهم بعد أن اتبعوا وآذروا رسول الله وعزروه ونصروه، وآل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أغنياء عن أولئك التوافه الذين يزعمون حبهم، فيخالفونهم إلى كل ما لا يرضيهم ولا يقبل لديهم.

فهل ذلك الشيخ التافه السخيف المدعو بالشيخ علي الذي ظهرت صورته وصوته في أحد المساجد في العراق  وهو يقول: علي ربنا، وعلي سوف يحاسب الناس يوم القيامة نيابة عن الله، ويدخل شيعته الجنة ويدخل خصومه النار؛ لأنَّه رب من الأرباب، أيمكن لعاقل أن يقول هذا؟ وأي عاقل هذا الذي يعمم على الشيعة كلهم قول هذا التافه، ويعاملهم كلهم على أنَّهم مثله؟ أو ذلك الذي كتب كتابه السخيف، الذي لا يعترف الشيعة بما فيه قبل السنة، وهو (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) وأنكر عليه كل أئمة الشيعة من إماميَّة وزيديَّة وأخباريَّة وأصوليَّة، ولم يوافقه أحد على ما جاء في كتابه السخيف. أفنهاجم الشيعة كلهم ونرميهم زورًا بأنَّ لديهم قرآن غير هذا القرآن، ولم نجد إمامًا واحدًا من أئمتهم لا المرتضى ولا الطبرسي ولا الطوسي ولا الكافي ولا غيره يقول بأنَّ: للشيعة قرآنًا غير هذا القرآن الذي بين أيدينا، وهو ما بين الدفتين، لم يزد شيئًا ولم ينقص؟.

 ولكن حرب الثمان سنوات التي أراد السياسيُّون (طارق عزيز، وصدام حسين، وعزت الدوري، وطه ياسين الجزراوي، وناظم كزار الصابئي) أرادوها أن تكون حربًا طائفيَّة ظنًا منهم أنَّ ذلك سوف يحقق لهم نصرًا، ويجعل الأمريكان والصهيونيَّة العالميَّة تسلمهم راية الشرطي البديل عن شاه إيران في المنطقة، فرشحوا أنفسهم بتلك الحرب المفروضة ليكونوا شرطيَّا يحمي المصالح الأمريكيَّة والصهيونيَّة في المنطقة.

إنَّنا حين ندعو عقلاء السنَّة وعقلاء الشيعة في العراق وغيرهم ليجلسوا معًا، ويناقشوا حاضرهم، ويتعلموا كيف يعيشون معًا في أقطار من المستحيل أن ينفرد بها عنصر واحد منهم، لا ندعو إلى حوار طرشان، ولا ندعوا أولئك المرضى من أيٍ من الفريقين لمثل هذا. فجمع كلمة الأمم عندما تتصدع ورص صفوفها مهمة لا يتقنها إلا المتقون، العقلاء، ولا يستطيع القيام بها الأغبياء والجهلاء، ولا المغرضون، ولا المنافقون، ولا المتاجرون في الأديان والمبادئ والقوميَّات والطوائف. فمتى يستيقظ العراقيُّون؟ ومتى يستيقظ غيرهم؟ ومتى نتغلب على هذه الأمراض، ونجتمع على كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة، ونقول ما قال الله (جل شأنه)؟. ويكفينا أن ننصرف إلى حاضرنا، ونعالج مشكلاتنا، وأمَّا ماضينا فهو ملك ربنا ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (البقرة:134).

والله أعلى وأعلم، وأجل وأعظم من كل المتاجرين في الدين، ومن جميع الطائفيين إلى أيَّة طائفة انتمت، ونسأل الله (جل شأنه) أن يعيد للعراق أمنه وطمأنينته، وأن يجنب العراقيين المزيد من سفك الدماء، وقتل النفوس، وهتك الأعراض، والسير خلف الناعقين، لا يدري من قَتل لما قَتل، ولا من قُتل علاما قُتل، وكل ذلك يجري تحت أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *